أول مائة حالة في اليمن
الجمعة, 01 مايو, 2020 - 05:25 مساءً

أ.
قالت السلطات في عدن إنها تأكدت من وجود خمس حالات مصابة بمرض Covid-19 [كورونا]. الحالات الخمس تعاني من أعراض، وقد أدخلت إلى المشافي بالتهابات حادة في الرئة. نعرف حتى الآن، من خلال بيانات علمية واسعة، أمرين اثنين:
 
1. أن 5% من المصابين بالفيروس سيتوجب نقلهم إلى العناية المركزة. وإذا كان لديك خمسة مرضى في العناية المركزة، بسبب كوفيد 19، فهناك 95 مريض آخر في الخارج.
 
2. كما نعرف أيضاً أن ال100 حالة المفترضة هي فقط وحوالي 10% من إجمالي ما لديك من حالات في المجتمع. وعليه فإذا عاينت 5 حالات في العناية المركزة فلتعرف أن هناك 95 حالة أخرى في مكان ما، وهذه الحالات هي 10% من إجمالي ما لديك [أي: 1000 حالة].
 
3. ما صرنا أكيدين منه، كأطباء وكعاملين في خطوط مواجهة كورونا، أيضاً أمران اثنان: الفيروس ينتقل بخفة حتى أثناء تبادل النكات والضحك دون الاتصال المباشر، وأنه يتحرك من خلال ظاهرة "رأس جبل الجليد". وأيضاً أن وفيات هذا الوباء ليست 3.2%، كما هي النسبة المسجلة إحصائياً، بل أقل من ذلك بكثير إذا ما أضفنا الحالات الشبحية إلى السجّل. التقديرات العلمية تقول إنه إذا كان ما نسجله من حالات ليس سوى 10% مما لدينا في المجتمع من مصابين فإن نسبة الوفيات ستنزل إلى ما دون الواحد%.
 
2. لذا يمكننا القول ببساطة متناهية: هناك 100 حالة على الأقل في عدن. لنتذكر ما تعلمناه في الأسابيع الماضية عن الفيروس: تأخذ فترة الحضانة بين 3 أيام إلى أسبوعين. الذين سيعانون من الأعراض هذا اليوم هم أناس أصيبوا خلال الأسبوعين الماضيين، وليس البارحة. بعضهم أصيب قبل أربعة أيام، وآخرون قبل 14 يوم. إذا أخذنا الرقم [3] كمعدل انتقال/ تكاثر، وهو ما قد يصبح [30] في رمضان، فذلك سيعني أن المصابين المائة قد أصابوا 300 مائة آخرين في أقل تقدير [ماذا لو أن الشخص أصاب ثلاثين، في سياق الظاهرة الرمضانية؟]
 
أما إذا أخذنا الفرضية الأولى، عن ال10% من الحقيقة، فإن المصابين المائة سيكونون قد أصابوا ثلاثة آلاف آخرين. الآلاف الثلاثة سينقلون الفيروس خلال أيام قليلة إلى تسعة آلاف [دالة أسية]. هل لدينا تسعة آلاف حالة في عدن الآن؟ من خلال ما نعرفه من البيانات العلمية حول دينامكية انتشار الفيروس فإن الإجابة للأسف هي: احتمال كبير.
 
ب. لا أحد يعرف الحالة صفر! هذه واحدة من أبراز حقائق ما نعرفه عن هذا الوباء. دعونا نتفق على التالي:
 
لدينا بحيرة تتحرك في عدن، وربما في مناطق أخرى، وهذه البحيرة تكبر بتسارع أسّي. لا أقول هذا الأمر لأخوف الناس بل لألفت انتباهكم إلى خطورة الإنكار. في باريس قال الرئيس إن البلاد تخوض حرباً، في أميركا وصف الرئيس نفسه بالمحارب، وفي انجلترا قال رئيس الحكومة استعدوا لفقدان أحبائكم، وفي ألمانيا قالت المستشارة: سيصاب 50 مليون منكم إذا لم نتخذ إجراء سريعاً. كل هذه البلدان بدأت بحالة، ثم خمس حالات، ثم دارت العجلة. لماذا ستكونون استثناء؟
 
ج.
 
من تجربتي العملية: مركزنا مرتبط ب"شبكة عناية مركزية". طورت ألمانيا نظاما لمراقبة كل عناية مركزة في كل البلد. عندما أسجل الدخول إلى الشبكة لأسجل الوضع الحالي في المستشفى [عدد الحالات الحرجة، المتوسطة، الأسرة الفارغة، واحتمالات حركة العناية المركزة خلال ال24 ساعة القادمة] تقع عيني على خارطة الأسرة والحالات في كل ألمانيا. والمثير هو ذلك التقدير الذي وضعتها السلطات الطبية لحركة الفيروس خلال الشهور القادمة في حالة عدم اتخاذ أي إجراءات. الأرقام المفترضة مقلقة: في 15 مايو ستبلع الإصابات 10 مليون، والموتى 100 ألف، في 25 من مايو ستبلغ الإصابات 20 مليون والموتى نصف مليون .. إلخ.
 
د. لنؤكد على أمرين آخرين:
 
هذا الفيروس ليس شديد الضراوة، أصابتك قد لا تعني شيئاً. الدراسات الأحدث تكشف لنا الجزء الجيد من سيرة الوباء. حوالي 3% من سكان المجتمعات التي شهدت الوباء صاروا يحملون الأجسام المضادة، أي أنهم أصيبوا ولم يلحظوا ذلك. الهلع والإنكار أمران قاتلان. داخل وضع طبي جيد يمكن التحكم إلى حد كبير بصحة المصابين. في وضع صحي سيء، وفي رمضان حيث المناعة في مستوياتها المنخفضة، وداخل حالة عامة من الهزال والضعف الفردي [كما ألمحت الأمم المتحدة في بيانها حول اليمن] فإن ما نعرفه عن هذا الوباء قد لا يكون بالضبط هو ما سنراه في اليمن. التأكيد السابق حول الضراوة المتوسطة للفيروس لا يمكن الجزم به حين ننتقل للحديث عن وضع صحي في بلد متهالك مزقته الحروب، داخل مجتمع لا يملك أفراده تأمينا صحياً ويتعايشون مع مشاكلهم الصحية وحيدين وبلا سند.
 
أأ.
 
مواجهة الوباء لا بد أن تجري من خلال منظومة عنقودية، هي سلسلة من منظومات متداخلة: الاعتراف بالحقيقة، الشفافية، منظومة إدارية موحدة، شبكة طبية مترابطة، جهاز أمني متماسك ومسؤول، التواصل المستمر بين السلطات ومجتمعها من خلال مؤتمرات صحفية/ بيانات يومية، انضباط اجتماعي، تشكيل خط ساخن لكل مدينة وشبكة لكل البلاد، منظومة إنقاذ غذائية للذين سيحرمهم الانضابط الاجتماعي مصدر رزقهم، تشكيل شبكة اتصال مع الخبراء والأطباء [اليمنيين] ممن يمكلون الخبرة في مواجهة الوباء، منافذ توعية وتنوير مستمرة: بودكاست، تلفزيون، راديو، زووم، بث مباشر، إلى آخره.
 
ب ب.
 
بالأمس شاهدنا فيديوهات من مسستشفيين في عدن تسبب الهلع في هروب كل العاملين فيهما من الأطباء إلى الحراس. الهلع يصنع الفوضى، وكذلك الإنكار. هناك سجالات حول الوباء وقدر عالٍ من الإنكار. إنكار الوباء هو نشاط إجرامي يساهم في إخفاء الحقيقة عن الخطر، ويدفع الناس إلى الوقوع فيه. الحديث عن كورونا هو حديث عن احتمالات الموت والحياة. سبق أن كتبت عن وصول الوباء إلى صنعاء، وكالعادة أثارت المعلومات التي نقلتها ضجيجاً وإنكارا وسخرية. المشهد في صنعاء أكثر سوءاً من نظيره في عدن، السلطات هناك مرتابة في أمر الوباء كما لو أنه سيلخبط عليها كل ترتيباتها. لا يمكنك أن تواجه وباء غيّر شكل العالم في أيام وأنت تنكر حقيقته. أخفت الصين الحقيقة، وبسبب ذلك طار الوباء إلى كل مدينة في العالم. مواصلة القول إن المدينة خالية من الوباء يعد جريمة، فأنت تحول المدينة إلى فخ.
 
سأواصل الكتابة في الأيام القادمة حول الصورة في اليمن ..
 

التعليقات