يبدو أن عمر الثورة القصير الذي بدأ في2011 هو عمري الحقيقي وعمر كثير من اليمنيين واليوم سأتحدث عن ذلك الوقت من الأوقات الذي وجدت فيه نفسي أشعر بالملل من جهةومن جهة أخرى شعرت بالغربة داخل ساحة التغيير بعد خمسة أشهر من المكوث الطويل داخلها.
لقد شعر الجميع بعد حادثة اغتيال علي عبدالله صالح ومعه عدد من أعضاء حكومته في الثالث من يونيو2011م أن الثورة انتصرت وأن علي عبدالله صالح أصبح من الماضي وطويت صفحته.
بالنسبة لليمنيين والثوار المعارضين فقد كانت لحظة تشف حقيقية مع أن اللغز لازال مجهولا حتى اليوم ولازالت القضية مجرد سر منسي في الظلمات.
وقد شهدت الساحة احتفالا في ذلك اليوم وانقسم الناس إلى قسمين قسم يرى أن من حق الضحايا الإحتفال بماحدث للجلادين وقسم يرى أن أخلاق الثورة تسمو فوق التشفي بالجريمة ، لكن اللحظة كانت فارقة بالفعل على كل المستويات .
كنت أول صحفي أرسل الخبر وكان على هذا النحو (سماع انفجارات وإطلاق رصاص داخل قصر الرئاسة اليمنية) لم نكن نعلم في ذلك الوقت ما الذي يحدث فقد كان ظهر يوم الجمعة وكانت ساحة الستين تحتضن صلاة الجمعة وكنت لازلت في ذلك الوقت بغرفتي داخل ساحة التغيير .
تواصلت مع كثير من المصادر بينهم مسؤولون وصحفيون وبدأت وكالات الأنباء بعدها ونحن معها ننقل التفاصيل أولا بأول وبدأت الجزيرة في وقت لاحق تغطي ذلك الحدث بشكل موسع كما تفعل جميع القنوات.
كنا في ذلك الوقت ممنوعون من الظهور كمراسلين بسبب سحب السلطات تراخيصنا لكن تلك اللحظة كانت مناسبة لظهورنا وفعلا ظهرنافي السادس من يونيو بعد أن نقل صالح إلى الرياض للعلاج .
فقدظهرت في نشرة الحادية عشرة مساء أنا من ساحة التغيير بصنعاء وظهر الزميل حمدي البكاري من تعز وانهالت علي الإتصالات من كل مكان فرحا بالظهور المفاجئ واستبشارا به ،وفي تلك اللحظة أبلغني السكرتير الصحفي للرئيس هادي يحي العراسي أن صالح كلف النائب عبدربه منصور هادي بإدارة البلاد وكان الخبر مصدر دهشة الكثيرين لكن هادي أكده فيما بعد بنفسه في أول مقابلة حسبما اتذكر للسي أن إن في ذلك الوقت.
مازلت أتذكر تلك اللحظة فقد ثارت ضجة كبيرة حول وصول صالح إلى الرياض وأثيرت الأسئلة حول طريقة وصوله فبعض وسائل الإعلام السعودية ذكرت أنه وصل على قدميه والبعض الآخر تحدث عن وصوله في حالة موت سريري وهكذا ظلت صحته وتفاصيلها حديث وسائل الإعلام العربية قبل أن يظهر في يوليو بوجهه المحروق ليتحدث إلى مناصريه من الرياض .
بعدهذه الحادثة دب الملل في ساحة التغيير وأصبح الحراك الثوري أقل وهدأت أحوال الساحة والثوار .
وشعرت بأنه علي مغادرة الساحة ولو لفترة ثم العودة لكنني لم أكن أملك جواز سفر وكان اسمي موضوع على القائمة السوداء بالمطارات والمنافذ والنقاط العسكرية أما جوازي فبعد رحلة طويلة لمحاولة تجديده فقد احتجز ه مسؤول الأمن القومي في الجوازات وطلب من مصلحة الجوازات بأمر من صالح نفسه وعمار صالح وكيل الأمن القومي عدم منحي جواز سفر وفوق ذلك التحفظ على جوازي المنتهي .
وسأحكي لكم غدا قراري بالرحيل بحثا عن جواز سفري الذي ظل محتجزا لمدة عامين كاملين في عهد صالح وفي عهد حكومة الثورة أو الحكومة الإنتقالية للأسف.
كانت مغامرة حقيقية تطلبت مني الكثير لكنني تسلحت بالقوة ولطالما كنت أستمع لأغنية جواز السفر لمارسيل خليفة ومحمود درويش.
عارٍ من الاسم، من الانتماءْ
في تربة ربَّيتها باليدينْ
أيوب صاح اليوم ملء السماء:
لا تجعلوني عبرة مرتين!
يا سادتي! يا سادتي الأنبياء
لا تسألوا الأشجار عن اسمها
لا تسألوا الوديان عن أُمها
من جبهتي ينشق سيف الضياء
ومن يدي ينبع ماء النهر
كل قلوب الناس... جنسيتي
فلتسقطوا عني جواز السفر!