في يوليو من العام2011 وكان ذلك قبل شهر رمضان بأيام قليلةحزمت حقيبتي دون استئذان من أحد واستعنت بأحدمشايخ قبائل مأرب وهو شخص معروف ولا أريد أن أذكر اسمه الآن لأنني لا أعرف ماهي ظروفه بالضبط .
كانت الخطة أن أغادر صنعاء متجها إلى حضرموت بغرض استخراج جواز جديد والسفر إلى الدوحة حيث عائلتي هناك ثم العودة من جديد إلى صنعاء وأحمد الله أنني لم أتمكن من الخروج من البلاد في ذلك الوقت فلا أعتقد أنني كنت سأتمكن من العودة وكذلك فإن خروجي كان مستحيلا بسبب أن اسمي كان في القائمة السوداء ومعمم على جميع المنافذ والمطارات كما أسلفت.
أخذتني سيارة هيلوكس من أمام ساحة التغيير بصنعاء برفقة اثنين من الشباب واضطررت الى لبس الشال اليمني على رأسي كما يفعل أبناء القبائل والمعوز وغيره وتوكلنا على الله نعبر الطرق والنقاط العسكرية نحو مأرب وحملت معي في ذلك اليوم بطاقة شخص آخر وكنا كلما مررنا بنقطة تفتيش يحدقون في وجوهنا ثم يسمحون لنا بالعبور دون النظر في الهويات.
والحقيقة أنه لوكان أحد منهم اكتشف بأن مراسل الجزيرة أحمد الشلفي موجود في السيارة لحصل على صيد ثمين فقد كنت في تلك الأيام حديث الإعلام والصحف ومطلوب بأي ثمن ولكن وبحمدالله نجونا وعبرنا مأرب ثم العبر حتى وصلنا إلى حضرموت والمكلا بالتحديد.
في المكلا اصطحبني أخوة حضارم كرام وضيفوني شهرا كاملا في شقة قريبة من خور المكلا ولازلت اتذكر جمال المكلا وغربة تلك الإيام.
لم أكن أستطيع الخروج خلال شهر رمضان إلا نادرا وإذا تيسر الخروج فقد كنت أخرج متخفيا أيضا وظللت هكذا طيلة الشهر وما بعده وفي بعض الأحيان كان البعض يتعرفون علي فيسألون هل أنت أحمد الشلفي فأنكر أنه أنا.
كان اللواء محمد علي محسن قائد المنطقة العسكرية هناك في2011 وزرته في مكتبه وكان ممن أعلن انضمامه للثورة ضد علي عبدالله صالح وكان الهدف من الذهاب إلى حضرموت استخراج جواز سفر من مصلحة الجوازات هناك لكن كل المحاولات بائت بالفشل فقد كان نظام صالح مهيمنا على كل شيء .
فكرنا وفكرنا كيف نتحايل على استخراج الجواز وفشلت كل الأفكار والحيل التي وصلنا إليها وكان أحد الضباط الطيبين يحاول لكنه لم يستطع فعل شيء وكذلك حاول آخرون.
هناك في المكلا سمعت من شخص كان قريبا من اللواء محمد إسماعيل قائد المنطقة العسكرية بحضرموت قصة حادثة سقوط طائرة القادة محمد اسماعيل و احمد فرج التي حدثت في 14 اغسطس 1999 في العبر حضرموت, ومسؤولية علي عبدالله صالح عن مقتلهم بتفاصيل مازلت اتذكرها.
لم تكن المرة الأولى التي أزور فيها حضرموت فقد زرت المكلا وسيئون أكثر من مرة لكن شعور الزائر الخائف مختلف تماما فبعد أن وصلت إلى طريق مسدود وتبخرت أحلام الحصول على الجواز والتقيت عائلتي في حضرموت وبدأ الكثيرون يعرفون أنني هناك قررت وبنفس الطريقة التي قدمت فيها إلى حضرموت المغادرة إلى صنعاء حيث اكتشفت أن آمن مكان بالنسبة لي هو ساحة التغيير واستحقت العودة لصنعاء هذا مغامرة أخرى ومعاناة أشد.
عقدت العزم على العودة إلى صنعاء من جديد ورغم حزني بعدم حصولي على جواز سفر فقد كنت حقا اشتقت للعمل ولأجواء الساحة ولصنعاء وغادرت المكلا إلى العبر وهناك أخذتني سيارة إلى مأرب ثم في المساء وصلت إلى نهم وكانت نقاط الثوار منتشرة في تلك المناطق وقضيت ليلة وحيدة هناك وما إن إذن الفجر حتى أخذتني سيارة إلى أرحب شرق صنعاء وفي منزل أرحبي عتيق قضيت ساعات أول النهار وكانت أرحب في ذلك الوقت منطقة مواجهات بين القبائل وقوات الحرس الجمهوري.
وما أصعب تلك اللحظات حيث أنت فقط في أيدي الله وليس لك سوى التسليم لما يمكن أن يصادفك .
ظللت جاهلا الطريقة التي سأغادر بها من أرحب لصنعاء حتى قال لي صاحب المنزل إنه حان الوقت للمغادرة فركبت السيارة إلى جانبه وفي المقعد الخلفي كان هناك عائلة للتمويه وبعد ساعة أوأقل من ذلك وصلنا إلى مفترق طريق يدخلك إلى صنعاء.
عندها طلب الرجل مني النزول وقال لي إنهم أبلغوه أن يوصلني إلى ذلك المكان وهي نقطة جولة عمران وكان يسيطر عليها الحرس الجمهوري التابع لصالح ،وعندها بدأ قلبي يدق بقوة.
نزلت من السيارة وأوقفت أول باص قابلني وأنا أعرف أنني لو تجاوزت ثلاثمئة متر فقط من النقطة العسكرية التابعة لقوات صالح ودخلت منطقة الثورة التي كانت تتبع الفرقة الأولى مدرع فقد نجوت فعلا.
ركبت الباص فعلا وطلبت منه أن يوصلني إلى شارع الزراعة وفجأة وبدون مقدمات توقف الباص أمام النقطة العسكرية فدارت الدنيا بي وقلت لنفسي لقد وقعت ،غير أن العسكر نظروا في وجه الراكب الوحيد الذي هو أنا وكنت اعتمر الشال على رأسي وألبس اللبس التقليدي القميص والمعوز وسمحوا لنا بالمرور وماأن مررت من هناك حتى دخلت منطقة الثورة وشعرت بأن حياة جديدة كتبت لي.
دخلت الساحة وكأنني ولدت من جديد وحين رآني الشباب والأصدقاء انهالت علي الأسئلةوبدت علامات الإستغراب عليهم كيف استطعت الوصول إلى الساحة بسهولة وكان النظام في أوج تحريضه علينا وكانت صورناباعتبارنا خونة تتصدر الصحف والتلفزيونات.
بعدها لم أعد أفكر بجواز السفر بل كنت أفكر متى سيسقط النظام لأحصل على الجواز وكنت كلما قلت ذلك للأصدقاء يمزحون قائلين :
يعني أنك كنت مستمر في العمل لإسقاط النظام والحصول على جوازك لكن الحقيقة أن اليمن واليمنيين وأنا منهم كنا نبحث عن حريتنا.
عجزت عن الحصول على جواز سفري حتى منتصف عام 2012 فرغم مجيء حكومة انتقالية نصفها من الثورة وكان وزير داخليتها عبدالقادر قحطان وهو رجل أعرفه من قبل الثورة إلا أنني احتجت إلى وساطات وحملات إعلامية أدرتها بنفسي في غياب تضامن حقيقي من قبل الجميع دون استثناء لإزالة اسمي من قائمة الممنوعين وللحصول على جواز السفر.
وحين يكون عليك أن تتمسك بقضية عادلة وتدافع عنها بإيمان فإن عليك أيضا أن تتجاهل كل شيء بخل الأصدقاء عن كلمة صدق واحدة بحقك وكيدا لأعداء لك وسخرية الأغبياء الذين يعتقدون أن الحياة تتوقف ولا تدور.
هناك عليك أن تلوذ بروحك وقبلها الله وأن تواصل المشوار .