طلب سعودي من أعضاء جروب أردني رؤيتهم بشأن بلده، فجاءت أغلب تعليقاتهم بمثل لافت وشديد الكراهية:"أطهر بقعة وأنجس شعب".
هذا ليس جيدا للسعوديين وليس المرة الأولى التي نقرأ مثال كهذا في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أنه يعبر عن نظرة ازدراء قاتمة تجاه شعب بكامله.
كثير من المعلقين وجهوا نقدهم إلى الحاكم الجديد، ولي العهد، محمد بن سلمان باعتباره أسوأ حاكم يتعاقب على أطهر البقاع المقدسة، حيث أفئدة من الناس تهوي إليها مرة كل عام على الأقل.
وتعكس هذه الصورة حجم الكراهية العميقة حيال السعوديين، فقد تكرست في مخيال المواطن العربي قبل الأجنبي صورة الخيلاء والكبر والغرور التي ترافق السعودي حيثما ذهب.
في الغرب تعززت منذ عقود صورة السعودي فاحش الثراء والهمجي في الوقت ذاته وكذلك الارهابي.
الصورة ظالمة بالتأكيد حين تطلق بعموميتها وتنم أحيانا عن حسد وحقد دفين بسبب ثروات السعوديين وميزانيتهم المالية الفائضة.
لكن مع الخطوات الجديدة لولي العهد الجديد محمد بن سلمان، فاعتقد أنها سياسة ستضاعف حجم الكراهية.
وإن ظلت السعودية متدرعة لعقود بثوب شديد المحافظة حد التزمت غالبا، فقد ظلت أيضا محافظة على صورتها كحامية لأهم بقعتين مقدستين.
ومثلما لاقت رضا واستحسانا من قطاع عريض من المسلمين، لكنها بالتأكيد لم تعجب آخرين ممن يحملون أيدلوجيات مختلفة.
ماذا فعل محمد بن سلمان؟ جاء برؤية انقلابية غير مسبوقة في حياة المجتمع السعودي. انفتاح كبير لكنه غير منضبط.
الحقيقة أنه جاء بما في نفسية كثير من الشباب المتعطش للمتعة خارج المملكة. كانت رغبات مدفونة ويتم التعبير عنها بوسائل مختلفة منها السفر إلى وجهات سياحية عديدة في العالم.
أول سؤال يستقبل الزائر العربي في بلاد الغرب فيما إذا كان سعوديا ويريد ممارسة الجنس؟ هي حالات أضحت معروفة ومبثوثة في مواقع التواصل الاجتماعي وتطارد العربي كلعنة في منفاه الاختياري والاجباري.
بوسع المال الفائض أن يفعل ذلك وأكثر. هناك قصص مأساوية وموغلة في القهر والظلم والهضم لحقوق المغتربين اليمنيين وغيرهم.
يظل العامل في المملكة يكد ويعمل ليل نهار ولسنوات وعند أدنى خلاف مع الكفيل يتم طرده وترحيله بدون أية حقوق.
لذلك، فحملات الكراهية لها أساس متجذر ومتجسد في مثل هذه الأساليب غير الانسانية. هناك انتقاص لانسانية العامل المغترب ونظرة دونية لفقره وعوزه.
يقول الكثيرون إن نظام الكفيل أذلهم وأستعبدهم. بيد أن هذه ليست الصورة الوحيدة في المملكة، ثمة شباب ونخب جديدة تكافح في سبيل تغيير هذه الصورة النمطية.
ويبدو ان مهمة بن سلمان هي القضاء على من تبقى من الصورة. قيادته لحملة انفتاح غير منضبطة ستظهر الجانب المظلم والمخفي لنظام الحكم والمجتمع.
خلال أشهر فقط، أستضافت المملكة كوكبة من نجوم الموسيقى والفن العربي والأجنبي وقد أثارت الكثير من الجدل والتساؤلات بشأن أهلية النظام في حماية المقدسات الاسلامية.
تجدر الاشارة إلى أن مرحلة بن سلمان في بدايتها، ولولا اجراءات الحظر جراء تفشي وباء كورونا لشهدنا الكثير من المفاجآت.
كما أن لدى هيئة الترفيه السعودية التي يرأسها تركي آل الشيخ خطة طموحة تتضمن الكثير من البرامج المثيرة للجدل والتي تصطدم مع إرث واسع من الفتاوى والمحرمات.
ومن مؤشرات موجة الانفتاح الجديدة في المملكة أنها لا تستجيب لشروط الداخل بقدر ما تعبر عن شروط بن سلمان نفسه لتولي الحكم.
رغبته في استرضاء الغرب أكبر من الاستجابة لمطالب شعبه المحافظ.
منذ التأسيس، بقي حكام السعودية تحت رحمة الحماية الغربية في ظل الحاجة المتبادلة بين النفط والأمن.
ومع الفطام الأمريكي عن النفط السعودي بعد استخراج واشنطن النفط الصخري بكميات تجارية، اهتدى بن سلمان إلى هذه الموجة الجديدة من الانفتاح والتي يحاول ان يكيفها بشروطه ورغبته الجامحة في تولي العرش.
لطالما أيضا كانت قضايا تحرير المرأة وقيادتها للسيارات وكسر هيمنة المؤسسة الدينية على كافة مناحي الحياة مطلبا غربيا بامتياز.
وإذ يمضي بن سلمان سريعا في هذه الخطوات، لكنه يعتقد ان ذات العالم سيتجاهل الجانب المظلم في سياسته القمعية لكل دعاة الإصلاح الحقيقي في المملكة.
كما أنه ليس من الواضح أن يظل في منجى من تطرف بعض رموز المؤسسة الدينية ولا أحد يستطيع توقع المفاجآت في ظل حالة الغليان المكبوت.