في العام الماضي شاركت في ندوة مغلقة تستشرف مستقبل اليمن بعد خمس سنوات من الحرب حضرها مجموعة من الباحثين والأكاديميين المتخصصين بشؤون الخليج وإيران واليمن وكان السؤال هنالك حول مصير اليمن بعد خمس سنوات من الحرب ومستقبل التسوية السياسية في البلاد بعد وصول جميع الأطراف المتحاربة الداخلية والخارجية إلى قناعة بأن حسم الحرب لصالح طرف بعينه غير ممكن الآن
اهتم الجميع بالحديث عن خلفيات الصراع في اليمن وأسبابه وسيناريوهات الحل وفضلت أن أتحدث عن خارطة القوة العسكرية في البلاد على الأرض لدى كل القوى وكيف تؤثر على موازين القوى وعلى كفة الأحداث وكيف ستغير المشهد السياسي القادم بحسب ترتيبات اللاعبين الخارجيين في المشهد اليمني.
فبعد نحو ست سنوات من الحرب ظهرت على السطح قوى أريد لها أن تكون لاعبا رئيسيا في صياغة المشهد السياسي اليمني ويمكن القول أن الإماراتيين فطنوا إلى ذلك الأمر مبكرا فذهبوا لإنشاء قوات على الأرض في محافظات الجنوب فبحسب تصريحات رسمية لأحد مسؤوليهم العسكريين فإنهم قد دربوا تسعين ألف مقاتل في جنوب اليمن بعد أن أسسوا ذراعا سياسية اسمها المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة عيدروس الزبيدي.
أراد الإماراتيون تغيير المعادلة السياسية من خلال القوة العسكرية بهدف إيجاد قوة ناشئة جديدة في اليمن والهدف من ذلك:
أولا: إضعاف قوة الحكومة الشرعية العسكرية لفرض منطق الميدان عليها.
ثانيا: إعادة ترتيب القوى المهمة في اليمن ليكون موقع حزب الإصلاح في آخر القائمة عسكريا وسياسيا وحضورا.
ثالثا: إعادة ترتيب المشهد السياسي في اليمن بحسب القوة العسكرية وليس على أساس الحضور الشعبي والديمقراطية وصناديق الاقتراع.
رابعا: الخروج من اليمن بذراع سياسي وعسكري قوي يستطيعون من خلاله تنفيذ كل أجنداتهم السياسية والاقتصادية والدولية.
لقد تطلب ذلك من الإماراتيين مليارات الدولارات من الإنفاق المالي والدعم العسكري واللوجستي والتدريب والكلفة البشرية الإماراتية أفضت إلى:
– تشكيل الحزام الأمني في عدن ولحج والضالع ويبلغ قوامه بحسب إحصائيات رسمية أكثر من ثلاثين ألف جندي مقاتل
– وبالتوازي ذهبت الإمارات لتجنيد خمسة وعشرين ألف مقاتل تحت مسمى قوات النخبة الحضرمية والآلاف في شبوة قبل ان تنظم الى معسكرات النخبة بحضرموت بعد طردها من شبوة عقب تفوق قوات الحكومة وكذلك جندت المئات في سقطرى والمهرة.
وبالنسبة لحجم التسليح لدى الحزام الأمني والنخبة الحضرمية كمثال فإن الإمارات وكما أظهرت صور الفيديو الحديثة سلحت ميليشياتها في اليمن تسليحا عاليا من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة كالمدرعات والصواريخ التي اشترتها من أمريكا وبريطانيا وفرنسا ودول أخرى وتفوق بالتأكيد سلاح الجيش الحكومي التابع لهادي الذي منع خلال سنوات الحرب الخمس من شراء السلاح بشكل رسمي من قبل الإمارات والسعودية فاضطر لتهريب بعضه لقواته في مدن الجنوب أو حتى في مأرب.
وتظهر تقارير بعضها رسمية سرية أن الإمارات دربت فريقا يمنيا كبيرا من الموالين للمجلس الانتقالي على قيادة الطائرات وأعادت توظيف طيارين جنوبيين سابقين في سلاحها الجوي في الغارات الجوية التي تستهدف المناطق اليمنية.
هذا في مدن الجنوب إما في شمال البلاد فقد اختارت أن يكون طارق صالح قائد الحرس الخاص السابق للرئيس علي عبد الله صالح الذي قتله الحوثيون في ديسمبر 2017 ذراعها العسكري في الشمال فقدمت له الدعم الكامل بدءا من العام 2017م ووفرت له معسكرات تدريب في عدن اجتمع فيها ما لا يقل عن عشرة ألف جندي معظمهم ممن كانوا ينتمون للحرس الجمهوري التابع لنظام صالح.
وتقول التقارير إن طارق قدم في البداية موازنة لبناء ما سماها لاحقا بقوات المقاومة الوطنية قدرها 400 مليون دولار وحصل على تسليح كبير خلال السنوات الماضية فاق ذراع الإمارات في جنوب البلاد المجلس الانتقالي وهو الآن يسيطر على منطقة الساحل الغربي وقاعدته الرئيسية في مدينة المخا اليمنية التي يعد ميناؤها من أشهر الموانئ في العالم.
ويزيد عدد الأفراد الذين يتبعون ما تسمى بالمقاومة الوطنية عن خمسة عشر آلاف جندي وإذا ما أضفنا إليهم آلاف من قوات العمالقة السلفيين الذين دربتهم الإمارات وآلاف من قوات السلفي أبو العباس المصنف على القائمة الامريكية كإرهابي والمتواجدين حاليا في ريف تعز وسط اليمن وفي الساحل الغربي فسيكون مجموع القوات التي يشرف عليها طارق لا يقل عن عشرين الف مقاتل بعد أن عهدت إليه أبوظبي وسلمته الساحل الغربي وعمليات تعز وريفها للدخول الى ريف تعز والسيطرة لاحقا على مدينة تعز وهذا ما يخطط له حاليا بهدف كسر شوكة حزب الإصلاح هناك بينما ينشغل الحوثيون بالتخطيط لدخول مأرب بهدف القضاء على قوة حزب الإصلاح العسكرية أيضا.
وبناء على ذلك فإن الهدف بحسب ما تخطط له الإمارات في اليمن هو جعل حزب الإصلاح في ذيل القائمة وتصدر كياناتها العسكرية في الترتيب الجديد ليكون التفاوض السياسي فيما بعد بحسب السيطرة العسكرية على الخارطة الجغرافية فإذا افترضنا حاليا أن ترتيب القوى العسكرية بحسب القدرة والأفراد ووحدة القيادة في اليمن كالتالي:
* قوات الحوثيين
* قوات الحكومة اليمنية الشرعية
*قوات المجلس الانتقالي
*قوات طارق صالح
* قوات بقية القوى والأحزاب وبينها حزب الإصلاح
فالمطلوب أن تأتي جميع القوى الاخرى لاحقا وفي مقدمتها الإصلاح الذي يراد له أن يكون في ذيل قائمة المعادلة السياسية والعسكرية خاصة وأنه يتمسك بكونه حزبا سياسيا منضويا تحت راية الحكومة اليمنية.
ليس شرطا أن تكون الخطة الإماراتية قد تمكنت من النجاح تماما فقد كانت قدرات أذرعها في ليبيا أكبر من قدراتها في اليمن حيث تدخلت بشكل مباشر مع مصر لمساعدة حفتر في تقويض الحكومة الشرعية هناك ولكن ما يدور في كواليس السياسة حاليا من ملأ فراغ الحكومة الشرعية اليمنية بالمجلس الانتقالي وميليشياته في مفاوضات الرياض بين ذراع ابوظبي وحكومة هادي يدل على ذلك وإذا لم ينجح فإن خطة تقسيم جنوب اليمن عن شماله بل وتقسيم الجنوب نفسه جاهزة ولديهم على الأرض ما ينفذون به خطتهم مالم تتغير موازين القوى العسكرية من جديد وهذا يحتاج لوقت وتخطيط.
* نقلا عن الجزيرة نت