المدة الفاصلة من الان وحتى ذكرى سقوط صنعاء وهي بضعة أسابيع ، و ربما حتى النصف المتبقي لهذا العام يمكن القول بأن يمن آخر يتشكل من رحم هذه المعاناة اليومية ، سواء للاسواء او الأفضل ، بل والمنطقة قد يبتلور ملامح المستقبل خلال اشهر.
وعلى هامش قرب حلول الذكرى السادسة لسقوط صنعاء المدوي في 21 سبتمبر 2014م لن تكون الشرعية ومن ورائها التحالف بأحسن حالا مقارنة بأول يوم في عاصفة العجز .
سقوط الدولة بمقدراتها على طبق من ذهب بيد ميلشيا على يد الدول العميقة وبعد حرب التحالف لنحو ست سنوات بمسوغ استعادة الشرعية بل ومحاولات وسعى التحالف الحثيث لشرعنة انقلاب الحوثي من خلال شرعنة انقلاب الانتقالي وهي عملية تخادم وإسناد غير مباشر.
غياب سلطة شرعية عن اليمن لأكثر من خمس سنوات من الاراضي اليمنية رغم مزاعم تحرير ثلثي اليمن فتحت ابواب جهنم على الشعب اليمني ، واستمرار هذه الحرب بدون افق قد تجعله ربما كسيحاً لعقود قادمة .. لقد كان اليمن في غنى عن كل هذا وكان بمنأى عن البؤر الساخنة حتى السقوط المدوي والذي شكل منعطفا ومحطة فاصلة في التاريخ السياسي الحديث لليمن .
في العامين الأخيرين لهذه الحرب انزلقت اليمن للاسوا فطرفي التحالف توضحت اهدافه الحقيقية عن المعلنه والتي سوغت له للتدخل والتنكيل باليمن طيلة مدة الحرب .
بداء ضعف شرعية هادئ يظهر بوضوح وتتضح المؤامرة من التحالف عندما منعت طائرة الرئيس هادي من الهبوط في عدن منعه الانتقالي ويومذاك بداء العد التنازلي لتواري الشرعية.
وبالمقابل تصاعد نفوذ الانتقالي والذي كلما حشدت الدولة لقمع التمرد تتدخل السعودية وهكذا الى ان صنعت منه ندا للشرعية ومؤخرا وبعد سقوط سقطرة بيد التحالف بتواطؤ السعودية بانسحاب قواتها لإتاحة الفرصة للانتقالي بعد ان التزمت وتعهدت لقوات الحكومة التي كانت ترابط هناك ، ولكن السعودية نكثت العهد وأسقطت جزيرة سقطرة بيد الانتقالي وقبلها بنحو شهر كان قد أعلن الإدارة الذاتية وفي هذا الشهر يولو تجري على قدم وساق شرعنة الانتقالي ليصبح في جسد الدولة.
من ضمن أخطاء الشرعية والتحالف على السواء بأنهم يمنوا الطرف الانقلابي لانقلاب في كعكة مستقبلية لتقاسم السلطة مع الجزم بأنها حركة إرهابية انقلابية وفي هذا تناقض صارخ في هكذا ثوابت يستند عليها ، يتناغم ذلك مع تأكيدات حكومية بضرورة إشراك الحوثيين بدلاً من التلويح بمحاسبتهم على جرائمهم. ويكفي خطأ قيادة الرئيس هادي بالسماح لهم بالانخراط في الحوار الوطني الشامل وهم مجرد ميلشيا واليوم يُراد شرعنة الانقلاب بتسوية هشة وفي حال اتفاق مفترض لن يكون سوى نسخة محسنة ومهذبة لاتفاق السلم والشراكة فكلاهما يخرجان من فوهة البندقية. ومن هنا فهؤلاء لا يعيرون اهتماماً بقيم السلام الحقيقي طالما ضمنوا تلك الوعود (تقاسم السلطة) وبالتالي فجبهة التحالف تضعف الحلفاء في الحكومة الشرعية التي يزعمون بأنهم شنوا الحرب من اجل استعادتها.
فإيهام طرفي الانقلاب الحوثي شمالا ومؤخراً انقلاب " الانتقالي" جنوبا والوعد بنصيب في كعكة السلطة مهما فعلوا وعليه فأنهم لا يلامون فأن انتصروا بالغلبة استمرار لطبيعتهم الحربية والفتوحات فليكن وإلا فمكانهم محجوز بثلث السلطة مستقبلاً فمكافئة طرفي الانقلاب الذين سببوا بتشريد ثلاثة مليون وستمئة الف يمني داخل اليمن واكثر من مليون في الخارج.
وقتل ألآف وعشرات الآلاف وجعلوا أكثر من ثلثي الشعب اليمني تحت خط الفقر ، سيكون بعد المحاصصة والتقاسم تحت عنوان (التوافق) ليس شريكين كما كان بعد خروج الرئيس السابق الشكلي من الحكم بل وهذه المرة طرف ثالث مؤدلج سيكون خطرا على اليمن والمنطقة برمتها ، وطرف آخر مرتهن للاقليم وذيل لمن دمر اليمن وهو التحالف نفسه
وفي مقارنة لمألات سلوك وتعامل شرعية ليبيا واليمن يلاحظ جملة فوراق جوهرية اهمها ان شرعية ليبيا تناضل لاستعادة السلطة كاملة على التراب الليبي من داخل ليبيا وليس بالارتهان للاقليم.
وهو ما اتاح لشرعية طرابلس تعدد الخيارات في اختيار الحليف الوفي بحيث تحرر غرب ليبيا في اقل من خمس أشهر.
الأمر الآخر نشطت الدبلوماسية الليبية في إعداد ملف جرائم حرب وتصميمها لتقديم غريمها المتمرد حفتر لمحكمة الجنايات الدولية بينما جهزت ملف متكامل عرضه ممثل ليبيا في الامم المتحدة لادانة الامارات بالتدخل .
في حين لم يحدث هذا في الحالة اليمنية يكافى المتمرد وترمى كل اوراق الشرعية التي ممكن استخدامها ضد التحالف وكأن الشرعية تشرعن استمرار حرب التحالف.
واي خطة سلام سوى عبر الأمم المتحدة او التحالف او مبادرات يمنية لا تتضمن نزع سلاح الميلشيا سوى الحوثي او الانتقالي وضمان عدم سيطرتها على مؤسسات الدولة لتكفل العيشة الكريمة الآمنة لليمنيين في ظل نظام مدني بعيدان عن الايدولوجيا والاستكبار باسم الدين وبعيداً عن لغة القوة او الاستقوا بالإقليم .. واي حديث او اي مشروع غير هذا كمن يحرث في البحر.
حتماً أنها بداية النهاية للشرعية المرتهنة تبدا من يوم شرعنة الانقلاب ومكافئة الانقلابيين في عدن الذين شغلوا جهود الدولة في محاربة العدو الرئيسي الحوثي ولم يكن ذلك لولا تواطئ التحالف والذي ينكل باليمن على مدار الساعة منذ اكثر من خمس سنوات بمسوغ استعادة الشرعية ، واليوم الشرعية هي من تشرعن الحرب على اليمن تماما كالحوثي فالاطراف الرئيسية سوى يمنية او الاقليم هم من يعبثون في اليمن والعرب قبل العجم.
يرى كثير من المراقبين والمحللين استحالة تطبيق اتفاق الرياض لان مسوغات الواقع وتموضع الانتقالي واصرار التحالف والانتقالي على تقديم الشق السياسي قبل العسكري والامن لدليل على سو النوايا.
لن ينجح اتفاق الرياض على الارض، أولاً لأنه ينتاقض مع كل المراجع والمواثيق اليمنية من دستور وقانون ، والمبادرة الخليجية، وقرارات مجلس الأمن الذي تحدث تقرير لجنة خبرائه عن أن الاتفاق جاء لتقويض الشرعية المعترف بها دولياً.
اتفاق الرياض جاء، أساساً، تعبيراً عن عجز سعودي واضح في تحقيق أي استقرار واضح في المناطق التي يُفترض أنها تحت حماية نفوذ المملكة.
اتوقع في الأسابيع المقبلة وحتى آخر العام حدثين اما تسقط مارب ويسدل الستار على الشرعية او تشتد المعارك في تعز ويفرض طارق صالح نفسه كورقة إماراتية تتوسط السعودية ليتم توقيع اتفاق بين الشرعية وطارق بموجبها يضمن موقع مستقبلي له في حقبة ما بعد التسوية .. نحن على اعتاب الانقلاب الرابع بعد انقلاب سقطرة.
في حال لم تقطع بلادنا علاقتها مع الامارات وتخرجها من التحالف وتبلغ الأمم المتحدة بذلك فأن دورها سيتعاظم في الاسابيع والاشهر المقبلة سوى في الشمال او الجنوب وخاصة محافظة تعز والساحل الغربي .
لا زالت حكومة الشرعية تملك اوراق قوة وبجرة قلم تخرج الإمارات ولن نقول السعودية كما فعلت مع قطر وهذا يؤكد بأن قرار اخراج قطر الذي وقعه هادي لم يكن بإرادته ولكن اوعزوا له بسبب الخلافات البينية بين دول الحصار وقطر ، والان اعلام هذه الدول تنسب كل مشاكل الجنوب لدور قطري وتركي وكأن هذه الدولتان لديه ميلشيا مكونة من مأتين الف وتدفع الملايين وتنكل بعدن وتجعل منها قرية نائية.
لست ممن يدعون لتدخل تركي فهذا مجرد ذريعة وضد اي تدخل ولن تدخل إلا إذا طلب منها رسميا كما في ليبيا ، وهذا مستحيل حاليا على الاقل ، كان ممكنا في حال ان الشرعية عادت قبل خمس سنين بعدما " حررت" المحافظات الجنوبية وهي أعجز من ان تعود لها .
لهذا فعليا وعلميا لم تحرر فقط تحولت من يد إيران إلى يد التحالف سوى الإمارات او السعودية وفي حال تم التوقيع على التعديل المفروض والمفترض على اتفاق الرياض فأن الوضع الجديد للشرعية سيكون منقسما بين الشرعية القديمة الفاشلة وجناح الانتقالي الفاشل والمتأمر وسيكون نفوذ الاخير اقوى بفضل الراعي الاقليمي له وانه اكثر ارتهانا لطرفي التحالف
السيناريو المفترض بعد اشراك الانتقالي وتقاسمه الشرعية سيعمل من داخل الحكومة اليمنية على تفكيك الوحدة وتقويض الدولة، مثلما فعل وما زال يفعل، وهذه أول مرة في التاريخ تفرض مشاركة فصيل في حكومة بأجندة مناوئة للدولة
وبداهة فأن المفترض في هذه الحالة و قبل المشاركة يجب عودة الأمور في سقطرى وعدن إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب، وتخلي الانتقالي عن الدعوة لتقسيم اليمن.
في حال القبول بتنفيذ الشق السياسي دون تنفيذ الشق العسكري هو بمثابة كارثة سياسية وستتحول مجريات الإحداث نحو الاسواء وربما استقطابات جديدة تجعل من اليمن بؤرة صراع مزمن .
ووفق هذا من سيقبل بسلاح الانتقالي سيقبل بأبقاء سلاح الحوثي وسيكون البقاء للاقوى في بلد ستكون ميليشياته اقوى واكثر من نفوذا من جيش الدولة.
واي اتفاق خارج المناطق المحررة لا يعتبر مقبولا من قبل الشعب ومصيره الفشل.
وبداهة لا تمتلك القوى السياسية اليمنية المجتمعة في "الرياض" بشقيها الحكومي والانتقالي قرارها السياسي، المصادر من قبل مموليها ،وبالتالي كل ما سيترتب على الاجتماعات والمشاورات بين "اﻷخوة اﻷعداء" لن يخرج عن التوافق السعودي-اﻹماراتي في إدارة جنوب اليمن.
في يمن اليوم نحن أمام مشهد عبثي سريالي يُروج له ويسوغ وفق إعلام ديماغوجي مفضوح سيدفع اليمنيون ثمن حماقات ساسته لأجيال قادمة وكأن قرنا من الزمن لا يكفي للبحث عن دولة مدنية يتساوى فيها اليمنيون في الحقوق والواجبات ونظام سياسي متصالح مع شعبه بالتوافق والرضا وليس فرض امر واقع من فوهة البندقية.
*كاتب وسفير في الخارجية اليمنية