في منتصف التسعينات ولما بلغ عمري 15 عاما اجتمعت الأسرة وقرروا تعييني حارسا على حقول الذرة التي نملكها في قريتي بريف إب ، كانت أعواد الذرة قد بدأت تظهر ثمارها والعصافير تهاجمها وكذاك المواشي دائما ما تشن غارات على حقولنا وتأكل منها سهوا أو عمدا من الرعاة كون حقولنا بجوار الطريق ولذا عينوني حارسا على الحقل وجهزوني بقبعة من سعف النخيل استظل من الشمس وزمزمية فيها الماء وخبز بالكيس على أن ينادوني وقت الغداء لأعود لتناول الغداء معهم بشكل خاطف والعودة من جديد إلى حراسة حقول الذرة .
 
في الربوة التي تعلو حقولنا قررت بناء " ديمة "(1) استظل بها من الشمس الحارقة واجرب حظي في البناء ومن يدري فربما صرت في المستقبل بناء محترف ابني القصور والعمارات ، وبدأت بجمع الأحجار وبنيت تلك الديمة التي هي أكبر من تلك الديمة التي تفاخر بها الاماراتيون مؤخرا باعتبارها معالم حضارية اماراتية تعود لألاف السنين .!
 
كانت الديمة التي بنيتها قوية وترتقى إلى مستوى " محراس قات "(2) ولقوتها كنت أصعد إلى سقفها واتبرطع ولا يحدث لها شي وقد ظلت الحضارة التي بنيتها سنوات طويلة صامدة فوق الوادي كشاهد على الحضارة العمرانية ( نسبة إلى محمد العمراني ) ولولا أنني ترقيت في السنوات التي تلت بناء تلك الديمة وصرت راعيا للغنم لكنت تعاهدت ذلك المعلم الأثري والانجاز الحضاري الذي حققته ولكنت اليوم أفاخر به الإمارات واتفوق عليها لأن ديمتي أكبر طبعا من تلك الديمة التي عرضها الاماراتيون مؤخرا كاكتشاف أثري فريد وكشاهد على حضارتهم الضاربة في التأريخ .!!
 
 تشبه الديمة التي عرضها الإماراتيون مؤخرا ديمة  الدجاج التي بنيتها بجوار بيتنا والتي تهدمت بعد أن هجم الثعلب على الدجاجة الوحيدة التي اشتريتها عندما قررت أن أقتحم عالم المال والأعمال وأبدا من الصفر فاشتريت بتحويشة العمر ال 140 ريال دجاجة من جارتنا لأبدأ مشروع " مزرعة العمراني للدواجن والبيض " لكن الثعلب هجم ذات ليلة على دجاجتي الوحيدة وقد سمعت صراخها فصحوت من نومي مذعورا وسارعت لنجدتها وبيدي اليسرى " الكشاف " وباليد اليمنى الفأس ولكني وصلت متأخرا - مثل الشرطة في العالم العربي - وقد حملها الثعلب وفر بعيدا كأنه مسؤول عربي فر بأموال الدولة إلى الخارج وقد حاولت ملاحقة الثعلب ولكن دون جدوى وللأسف قضى ذلك الثعلب الماكر على طموحاتي المالية وحطم مشروعي التجاري بضربة غادرة .!
 
لو كنت أعلم أنه سيأتي يوم تتفاخر دولة الإمارات بتلك الكومة من الأحجار " الديمة " لكنت حافظت على حقي الحضارة قصدي الديمة فهي أكبر من ديمة الإمارات ولكنت تفاخرت بديمتي أمام العالم باعتبارها معلم أثري نادر من العصر الغابر .!!
 
-------------------
 
1- ديمة : غرفة صغير مبنية من الأحجار وبشكل بدائي وتكفي لشخص أو شخصين .
2- محراس قات : غرفة يبنيها مزارعو القات باليمن ليحرسوا بها  حقول نبتة القات وهي منبه خفيف وتمضغ في اليمن والحبشة وبعض الدول الإفريقية .