ملفا حفل بمجموعة من الوثائق توضح التغول السعودي في اليمن والقدرة الاستخبارية التي وظّفت السياسيين والقبائل لخدمتها وخدمة أجندتها ودفعت الأموال الطائلة لشراء الكثير من الوجاهات وشيوخ القبائل والقادة السياسيين وكذلك الصحفيين وغيرهم. هذه الوثائق وغيرها سربت من ملف الخارجية السعودية وسرب ويكليكس في العام 2012 الكثير منها ليس فقط في الملف اليمني وإنما في ملفات عدة في الشرق الأوسط ومناطق أخرى.
والحديث هنا عن محتوى ما يتعلق بوثائق السعودية في اليمن التي كشفت تعامل الرياض مع الشأن اليمني كحديقة خلفية وكوصي عليه بكل ما تعنيه الكلمة من معنى سواء كان ذلك في الشمال أو في الجنوب منذ إنشاء اللجنة الخاصة اليمنية السعودية والتي اعتمدت على صرف رواتب ومخصصات مالية للمئات من المشايخ والوجاهات والمسؤولين وتقدر المبالغ السنوية التي كانت تصرف على هؤلاء بمئات الملايين من الدولارات. والتدخل السعودي في اليمن ليس جديدا فقد تدخلت السعودية تاريخيا أكثر من مرة لكن أبرزها عندما دعمت الملكيين بعد ثورة سبتمبر 1962وقدمت جميع أنواع الدعم العسكري والسياسي والمالي وظلت عقب تشكيل اللجنة الخاصة السعودية اليمنية تتدخل في الشأن اليمني عبر التمويل وشراء المواقف والولاءات وخاصة ولاءات القبائل وشيوخها.
إلا أن تدخلها العسكري عبر عملية عاصفة الحزم وبعد ست سنوات من انطلاقها كشف أن ادعاءاتها لمناصرة الشرعية وعودتها ودحر الحوثيين ليست سوى غطاء للتموضع العسكري في اليمن عبر إعلان تحالف عربي يعطيها المشروعية فقط لتدخل قانوني لازال الكثير يعتقدون أنه لا يملك من القانونية شيئا سوى رسالة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز يطلب فيها الدعم والمناصرة، وقد فاجأ التدخل السعودي بالضربات والغارات الجوية آنذاك الرئيس هادي نفسه الذي قال في مقابلة سابقه إنه سمع بالضربات الجوية وعملية عاصفة الحزم من الإعلام ولم يكن على علم مسبق بها. والواضح أن السياسة السعودية في اليمن منذ حكم الملك سلمان بن عبد العزيز تغيرت إذ اتخذت التدخل المباشر في شؤن اليمن سلوكا ومنهجا في التعامل مع شؤون جارتها عوضا عن الاكتفاء بما كانت تفعله اللجنة الخاصة من تقديم التقارير الاستخباراتية وتجنيد قبائل وموالين جدد على الأرض واستخدام جواسيس في أوساط النخبة اليمنية شمالا وجنوبا.
حاليا وسعت اللجنة الخاصة السعودية عملها في اليمن إذ باتت تتحكم تقريبا بكل الشأن اليمني بعد أن أصبحت الرئاسة والحكومة والقبائل والأحزاب والمكونات تعيش في السعودية، فجزء كبير من القادة السياسين والقبليين يقيمون في الرياض أو في مدن سعودية أخرى وجميعهم مرتبطون باللجنة الخاصة وأجهزة الاستخبارات السعودية ويعتاش معظمهم من رواتب تسلمها لهم الدولة السعودية عبر اللجنة الخاصة وهم بالآلاف، لكن اللافت الأبرز في الأمر أن السعودية اتجهت لإدارة الشأن العسكري بشكل كامل ليس للمساعدة في بناء الجيش اليمني ومساعدته ولكن لإضعافه وللتدخل العسكري المباشر عبر دخول قواتها إلى الأراضي اليمنية مجهزة بمعدات عسكرية ثقيلة وخفيفة ومتوسطة طائرات ودبابات وصواريخ ناهيك عن تعيين قائد خاص هو الأمير فهد بن تركي كقائد للقوات المشتركة.
والحقيقة أن مهمة هذه القوات ليس فقط السيطرة على الجيش الذي يتبع الحكومة الشرعية فقط ولكن التهيئة والتنظيم لدخول القوات السعودية إلى الأراضي اليمنية لتصبح واقعا عمليا في اليمن وإن بدا أنه بديل للقوات الإماراتية فذلك غير صحيح فالواقع يقول إن القوات الإماراتية كانت تؤمن المواقع لقوات الجيش السعودي للسيطرة والاستيلاء عليها وقد حدث ذلك في المهرة وسقطرى وعدن وحضرموت. وعلى سبيل المثال فإن عدد القوات السعودية أو ما يسميها السعوديون بقوات الواجب في محافظة المهرة شرقي اليمن بلغت ثلاثة آلاف جندي وضابط وسعودي يقيمون قاعدة عسكرية في مطار الغيضة بالمحافظة وفي مناطق متفرقة من المحافظة المحاذية لسلطنة عمان وظلت السعودية منذ 2017 تمد قواتها العسكرية في المهرة بالعتاد والجنود بما يدل أنها تخطط لإقامة مستمرة في المهرة التي تشهد حاليا انقساما سببه محاولة الرياض تسليم المحافظة لقوات المجلس الانتقالي والقبائل موالية لها.
أما في جزيرة سقطرى فلا يقل عدد جنود السعودية هناك عن ألف جندي يمتلكون نفس التسليح والعتاد الذي تمتلكه قوات السعودية في المهرة وعملت خلال الفترة الماضية على تسهيل مهمة المجلس الانتقالي الذي تدعمه الإمارات بالسيطرة على المحافظة وطرد السلطات المحلية منها وحاليا تسيطر عليها بشكل كامل القوات السعودية والمجلس الانتقالي وضباط إماراتيون يديرون الوضع فيها. وفي عدن شهد العامان الماضيان إمدادات سعودية كبيرة وتعزيزات بالأفراد من قوات الجيش توزعت في معسكر التحالف في البريقة وفي قصر معاشيق الرئاسي وأظهرت الصور عتادا عسكريا سعوديا ثقيلا قادما إلى عدن أكثر من مره بالإضافة إلى طائرات الأباتشي التي حلقت في سماء عدن أكثر من مره ولا يعرف تحديدا كم عدد القوات السعودية هناك لكن ما توفر من معلومات يدل على أن السعودية حريصة على وجود كبير على الأرض في عدن أكثر من أي منطقة أخرى.
ويبدو الحضور العسكري السعودي في سيئون بحضرموت كبيرا إذ تعتبر السعودية حضرموت الصحراء والمنطقة العسكرية الأولى التابعة للحكومة في تبعيتها بعد سيطرة الإمارات على المكلا أو ما يسمى بحضرموت الساحل حيث تغطي المنطقة العسكرية الأولى نصف مساحة الحدود مع السعودية وتوجد فيها قيادة القوات السعودية للوادي والصحراء التي تضم المئات من الضباط والجنود السعوديين بكامل عتادهم. ورغم أن هناك من يتحدث عن انسحاب عسكري سعودي من قاعدة تداوين العسكرية في مأرب شرقي صنعاء ومن معسكر صافر إلا أن المعلومات لازالت ترصد حضورا عسكريا سعوديا في مأرب وإن بشكل أقل من السابق لكنه أصبح خلال فترة المفاوضات مع الحوثيين أقل بكثير ولازالت السعودية حتى اليوم تحتفظ بعدد لا بأس به من الخبراء والضباط في مواقع بالخوخة والمخا غرب تعز.
إن تحول استراتيجية السعودية في الساحة اليمنية من التدخل غير المباشر عبر الأدوات والموالين والعمل الاستخباري واللجنة الخاصة إلى التموضع الميداني بآلاف الجنود والضباط في عدن والمهرة وسقطرى وحضرموت ومأرب والساحل الغربي وحتى شبوة لهو مرحلة سعودية جديدة الهدف منها السيطرة العسكرية على اليمن وتقاسم النفوذ مع الإمارات وأذرعها العسكرية. ويبدو أن استراتيجية التوسع عسكريا وميدانيا بآلاف القوات وبعتاد ضخم ستستمر وهي مؤشر على أن عين السعودية على بقاء طويل في اليمن لتحقيق كل الأطماع القديمة.
مدونات الجزيرة