شكرا كويت.. شكرا شعب اليمن
الأحد, 23 أغسطس, 2020 - 10:06 صباحاً

 
سأخرج مجددا عن المألوف لأحيي الكويت شعبا وبرلمانا وحكومة على موقفهم الوطني المشرف المعلن، إزاء اتفاق «العار والخيانة»، الذي سيوقعه النظام الإماراتي مع دولة الاحتلال في غضون أسابيع كما يشاع. وهو الاتفاق الثلاثي غير المفاجئ، الذي أعلنه الرئيس ترامب قبل نحو أسبوع، وبدأ يجد طريقه للتطبيق على الأرض بزيارات متبادلة وتوقيع اتفاقيات تعاون وبحث عن مقار للسفارات، ليتوّجها رئيس المخابرات الإسرائيلية «الموساد» يوسي كوهين بزيارة ليضع اللمسات الأخيرة مع طحنون بن زايد، عرج في طريق عودته على البحرين ربما لتقديم الشكر لملكها حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، وهو أكثر المتحمسين للتطبيع بل من دعاته، على الخدمات الجليلة التي قدمها لليهود وإسرائيل على مدى سنوات طويلة.
 
هنا يتوجب علينا أن نتقدم «بالشكر أيضا لمعالي» الشيخ محمد بن زايد حاكم أبو ظبي الفعلي على إصراره حتى الآن! على إقامة سفارته التزاما بالقانون الدولي، في تل أبيب وليس القدس، حتى لا يقال عنه ومستشاريه إنهم هم من باعوا الأقصى والقيامة وغيرهما من بعد فلسطين.
 
أحيي شعب الكويت الذي ارتقى فوق جراحه التي تسببت بها بعض المواقف غير الحكيمة خلال غزو صدام حسين لبلدهم عام 1990، وإبقاء هذا الشعب على العشرة والمعروف بالتمسك بمواقفه الوطنية من القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، رافضا تأييد اتفاق «الخيانة والعار» رغم الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة ممثلة بصبي السياسة عديم الخبرة جارد كوشنر، عراب الاتفاق الذي قال وهو يحاول ضرب الأسافين بين الشعبين؛ إن «للكويت تاريخا مع الفلسطينيين خلال الغزو العراقي ووقوف ياسر عرفات إلى جانب صدام وطردها لـ 400 ألف فلسطيني…». ويتابع: «الكويت الآن تأخذ موقفا متشددا لصالح الفلسطينيين وهذا موقف غير بناء».
 
وكان رد الكويت شعبا وبرلمانا وحكومة واضحا وصريحا وشجاعا؛ «بأن مواقفهم تنطلق من المصلحة الوطنية الثابتة» حسبما ذكرته مصادر لصحيفة «القبس». وقالت؛ «إن الكويت ملتزمة بموقفها من التطبيع مع إسرائيل، وإن هذا الموقف ينطلق من المصالح الوطنية الثابتة منذ سنين، وبما يحقق مصالح الشعب الفلسطيني».
 
شكرا يا كويت.. شكرا يا شعب الكويت وشكرا يا برلمان الكويت وشكرا يا رئيس برلمان الكويت مرزوق الغانم.. اخجلتمونا بمواقفكم المشرفة هذه، الناجمة عن العلاقة العضوية التي ربطت وتربط الشعبين الكويتي والفلسطيني على مدار عقود كثيرة. وأستطيع القول إن الفلسطينيين شعبا ورئيسا وحكومة وفصائل وحركات وتنظيمات، سيحفظون هذه المواقف المشرفة للشعب الكويتي الذي احتضن الثورة لأجيال مقبلة؛ هذه المواقف التي تعكس مدى التزام شعب الكويت بقضية فلسطين.
 
وأمد شكري أيضا إلى كل من وقف ويقف مع قضية فلسطين وشعبها في هذا الزمن الصعب الذي تضيق فيه حريات التعبير والرأي. وأخص بالشكر شعب اليمن العظيم الذي وقف دوما إلى جانب فلسطين؛ رافضا اتفاقية التطبيع الخيانية ولم تردعه الحرب التآمرية التي يقودها ضده التحالف السعودي الإماراتي المستعرة منذ 2015 وأودت بحياة أكثر من مئة ألف يمني، ودمرت الشجر والحجر، وجلبت الأوبئة والأمراض والمجاعات التي تهدد حياة ملايين اليمنيين لا سيما الأطفال.
 
لقد خرج اليمنيون في محافظة عدن في جنوب اليمن رغم آلامهم وجراحهم المثخنة بمظاهرة في تحد صارخ للمستعمر الإماراتي الجديد، الذي يحاول أن يفرض التطبيع مع إسرائيل على حلفائه المرتزقة في اليمن وليبيا والسودان ورئيس موريتانيا. ورفع المتظاهرون أعلام فلسطين مرددين هتافات معادية للتطبيع مع إسرائيل، وأحرقوا الأعلام الإسرائيلية، ورفعوا لافتات تحمل عبارات «التطبيع خيانة» و«لا للتطبيع مع العدو الصهيوني»، واعتبار إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل خيانة للأمة كلها، وطعنا للقضية الفلسطينية في ظهرها». ودعا الحراك الجنوبي منظم المظاهرة إلى «الوقوف صفا واحدا ضد التطبيع مع الاحتلال ومن يسير في ركبه، في إشارة للمجلس الانتقالي الجنوبي التابع للإمارات الذي أصدر بيانا رحب فيه بقرار التطبيع ووصفه بالشجاع»، وأعلن نائب الرئيس هاني بن بريك عن رغبته في زيارة إسرائيل.
 
وينسحب الشكر على نشطاء إماراتيين خاطروا بالاعتقال، وربما التصفية بإصدارهم بيانا رفضوا فيه «اتفاقية سلام» تتجاهل تاريخا مشرفا ومجيدا للشعب الإماراتي في مناصرة الشعب الفلسطيني الشقيق ودعم القضية الفلسطينية العادلة، ومتنكرة بذلك لتاريخ مؤسسي الدولة». وأضافوا: «تنقض الاتفاقية ما نصت عليه المادة 12 من الدستور الإماراتي التي جاء فيها: تستهدف سياسة الاتحاد الخارجية نصرة القضايا والمصالح العربية والإسلامية، وتوثيق أواصر الصداقة والتعاون مع جميع الدول والشعوب، على أساس مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والأخلاق المثلى الدولية». وأكدوا أن الاتفاقية تتجاهل «القانون الاتحادي رقم 15 لسنة 1972 بشأن مقاطعة إسرائيل». واعتبروا «الاتفاقية خروجا عن جميع القرارات العربية والإسلامية والدولية، فضلا عن رفض الشعب الفلسطيني ممثلا بقيادة المنظمة والسلطة الفلسطينية، وفصائل المقاومة وجميع الفعاليات الشعبية والرسمية».
  
وأوضحوا «أن هذه الاتفاقية تتنكر لمظالم الشعب الفلسطيني المستمرة وتضحياته المتواصلة وتفرط بحقوقه التاريخية في أرضه وحق تقرير مصيره، وتكافئ دولة الاحتلال والعنصرية، بإقرار سيطرتها الكاملة على أرض فلسطين واعترافها بالقدس عاصمة للدولة اليهودية وللعملية التي تمهد للمساس بالمسجد الأقصى وتهويده». وشددوا على أن التطبيع هو اختراق للأمة في ثقافتها وقيمها واقتصادها وإعطاء العدو غطاء رسميا.
 
إذن، فلا لوم ولا بأس على الفلسطينيين الغاضبين الذي يتلقون طعنات «الأشقاء» بدون رحمة ويشعرون بخذلانهم وبيع قضيتهم، والتآمر عليها كل يوم، وهم يمزقون ويدوسون على صور ابن زايد الذي خان أمانة الآباء والأجداد ومؤسسي الدولة.
 
وماذا يتوقع مؤيدو التطبيع سواء في دولة الإمارات أو غيرها من الدول التي ترشحها إسرائيل لتكون الثاني في مسلسل الهرولة نحو التطبيع الذي تشهده البحرين، الذي يقال إنها تنتظر «غمزة» من السعودية حسب صحيفة «معاريف» الإسرائيلية كي تقوم بدورها المرسوم لها في المسلسل، أم عُمان التي أقيل وزير خارجيتها المخضرم بعد أقل من24 ساعة من تأكيده موقف السلطنة الثابت والداعم وتحقيق المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، أم الخرطوم حاضنة قمة اللاءات الثلاث بعد النكسة لتصبح مادة للتندر والسخرية الإسرائيلية بتعليق وزيرة السياحة المتطرفة ميري رغيف؛ إن هذه اللاءات انقلبت إلى «النعمات الثلاث»… وهي الوزيرة نفسها التي شتمت أبو ظبي شتيمة أستحي من ترديدها، لتحل بعد ذاك ضيفة رسمية على أبو ظبي وتزور مسجد زايد الكبير.
 
ماذا يتوقعون من الفلسطينيين؟ هل يتوقعون منهم أن يتنازلوا عن حلم الدولة المستقلة وعاصمتها القدس؟ وهل هناك من هو أحق من الشعب الفلسطيني في كل إقليم الشرق الأوسط، وأكثر تأهيلا منه لأن تكون له دولة مستقلة حضارية ومتقدمة وعصرية؟
 
وأخيرا «لا تيجوا فينا ما بنيجي فيكم» والبادئ أظلم وأنتم من بدأتم يا حكام أبو ظبي… وإذا اعتقدتم وظننتم ولو للحظة أنكم دولة عظمى تتفشى كالطاعون بأموالها ودعم الموساد، في اليمن وليبيا والسودان وموريتانيا وغيرها، فهذا الطاعون لن يخيف الشعب الفلسطيني ولن يرضخ له، وإنْ قبلت على نفسها ذلك فئة ضالة؛ فئة أعماها المال والشهرة.
 
نعم، إن هذ الشعب لن يرضخ بعد مئة عام من القتال والنضال والكفاح والثورات والانتفاضات والمعاناة. فلسطين كانت ولا تزال وستظل عصية على الاحتلال ومن ورائه ترامب، ويضاف إليهم الآن بعض مشايخ الخليج الذين، كما يبدو، أصابهم مالهم وثروات شعوبهم المبددة بالعمى والغرور.

وأختم بالقول؛ إن النضال الفلسطيني ليس عنفا كما يزعم يوسف العتيبة السفير الإماراتي في واشنطن، عراب العلاقات الإماراتية الإسرائيلية في مقال جديد. إنه نضال مشروع تحفظه القوانين الدولية، نضال سيتواصل رغم «سلامك» المشبوه.
 
الغضب الفلسطيني ليس أساسه اتفاق العار والخيانة، فلتوقع الإمارات ومن يشاء غيرها كما يحلو لهم شرط أن تتركوا فلسطين وشأنها ولا تقحموا قضيتها في مؤامراتكم، وكذلك الحديث عن الدفاع عن حقوق الفلسطينيين لتبرير هذه المؤامرات، عندئذ فقط ستترككم وشأنكم. وستبقى فلسطين حاضرة في قلوب وعقول جميع أبناء الأمة العربية والإسلامية وكل أحرار العالم، رغم أنف المطبعين والمهرولين.

* نقلا عن القدس العربي
 

التعليقات