معلوما في علم السياسة والاحزاب السياسة في العالم الثالث تحديدا بأن الوظيفة الرئيسية لأحزاب السلطة هي ربط النظام السياسي بالبيروقراطيّة والمجتمع، وتحويل التنظيم الحزبي إلى قناة قسريّة وحيدة للنفاذ إلى جهاز الدولة.
وباستثناء هذه الوظيفة، ثمّة فروق هامة بين التجارب الحزبيّة السلطويّة في الأقطار العربيّة، ففي جمهوريات العسكر الاحزاب تورث كما في سوريا على سبيل المثال وكذلك المناصب السياسية العليا.
في ذكرى حزب المؤتمر ، الذي كان حزب السلطة ثم غداة خروج الرئيس السابق من السلطة تحول لحزب التسلط ، وكان المؤتمر بالنسبة له مسمار جحاء للتنكيل بالمرحلة الانتقالية والتفرغ لافسادها.
رغم ان الاحزاب اليمنية شأنها شأن بقية الاحزاب في العالم نظرياً لها دساتير وقوانين ولوائح داخليه نموذجية سوى الاحزاب الكبيرة كالمؤتمر او الاصلاح وكذلك بقية الاحزاب ، لكن تلك الادبيات ووثقائق الاحزاب في واد وواقع الحال والتنفيذ في واد آخر.
المؤتمر مثل الاصلاح حزبين مختطفين يحملان قيم افتراضية ليس إلا ، تماما كقيم الجمهورية والديموقراطية والوحدة والدستور مجرد كلام انشائي منمق في بطون الكتب والادبيات لكنها ايضا تضل قيم افتراضية.
المؤتمر مختطف من الرئيس السابق وقبيلته تماما كالإصلاح مختطف من قيادات محنطة رهينة في الرياض ، يطبق عليها حب من طرف واحد فالسعودية تعاديه وهو يحن ويعشق العبودية بعكس الانتقالي ينتقد احيانا السعودية لكنها ميلشيات تحظى برعاية التحالف وهو اي التحالف الذي ساند الانقلاب المستنسخ لتجذر الانقلاب الأصلي .
قبل الانقلاب على رئيس السودان المعزول البشير ترك الحزب وضحى به وتمسك بالسلطة فعلق احد المؤتمريين في اليمن ، بأنه غبي كيف يترك الحزب ولا يعمل مثل الزعيم ، النتيجة رحل البشير مع السلطة وحزبه ، بينما في اليمن ضحى المؤتمر باليمن من أجل الزعيم.
قبل عقد من الزمن كان المؤتمر حزب فاسد واحد وكان يفرخ الاحزاب الاخرى واليوم اصبح يُفرخ ويتشظى لفرع الداخل الموالي للحوثي وهو الاكبر والجناح الاقوى وآخر فرع الرياض موالي لهادي والسعودية ، وهناك كتلة الامارات في البرلمان من المؤتمريين وهو جناح نفوذه بالمال الاماراتي وله قناته واعلامه ومطبليه .
المؤتمر افسد الحياة السياسية في الماضي والحاضر ، ويراد له من الاقليم تدوير بقاياه ليكون رأس حربه للامارات وما قوات طارق في الساحل والتي ميلشياته بحراس الجمهورية الا مثال صارخ لهذه الجيوش الميلشاوية خارج السلطة ,
بعد تنحي صالح عن الحُكم وتشكل حكومة الوفاق الوطني، بدأت محاولات صالح لاختلاق صفة مؤسسيّة في حزب المؤتمر، بل وحتى على المستوى الرمزي أُجريت بعض الإزاحات، مثل الاحتفاء سنويًا بذكرى تأسيسه.
ولهذه الممارسة الأخيرة دلالة رمزيّة؛ فقد كان إعلام النظام يحتفي كل عام بذكرى تولي صالح الحكم بينما هُمشت ذكرى تأسيس المؤتمر، في تطابق بين واقع توازن القوى والخطاب المعبر عنه. ولكن بعد تنحي صالح، ورغم بقاء كل مراكز القوة بيده؛ فإنه احتاج لإنعاش المؤتمر كمؤسسة حزبيّة لكونه هو مدخله الشرعي الوحيد للممارسة السياسيّة.
في الانظمة الشمولية والديكتاتورية السياسة تورث حتى في اعتى النظم الشيوعية مثل كوريا الشمالية وسوريا ، وما بينهما بعض انظمة جمهوريات العسكر العربية مصر مبارك وليبيا القذافي ويمن زعيم الفساد ثلاثتهم حاولوا التوريث سوى في السلطة او الحزب.
واللافت ان كثير من اليمنيين لا يدركون ان تسع سنوات من عذاب اليمنيين وسوء احوالهم وحياة الفاقة والعوز وغياب الدولة كلها من اجل سواد عيون ابن الزعيم ومن اجل رئيس من بعدي اسمه احمد ، فإصرار الزعيم على رئيس توافقي هو هادي الايدي الامينة لاعتقاد صالح والذي اعترف بعد سنوات من خروجه من السلطة ان خلفه لا يفقه شئ في السياسة ، فاذا كان لا يفقه شئ في السياسة لماذا جعلت منه نائب صوري ديكور ولماذا أصريت على ان يكون رئيس توافقي ، اليس من اجل ان يكون رئيس محلل للتوريث.
لكن الرياح سارت بما لا يشتهيه الزعيم فجاء طرف ثالث اطاح بالجميع ، والحوثي لم يهبط من الفضاء بل صناعة يمنية وبأيادي الزعيم هو من شن ضدهم حروب تحريك وليس تحرير انتهت بتحالفه معهم لإسقاط الدولة ليس نكاية بالإصلاح فلا تعطوه أكبر من حجمه بل نكاية بثورة 11 فبراير التي اطاحت به.
أسواء نقطة سواء في تاريخ اليمن الحديث خلال قرن من الزمن هي حقبة زعيم الفساد ، وكل ما جرى ويجري الان ماهو الا نتيجة تراكم الفساد والتناقضات وتحصيل حاصل.
* كاتب يمني وسفير في الخارجية