تحل الذكرى الثلاثون لتأسيس التجمع اليمني للإصلاح الذي أعلن عنه في 13/9/1990 بعد أشهر قليلة من الوحدة اليمنية، في ظروف غاية في التعقيد ، وهي محطة مهمة لتقييم ليس فقط هذا الحزب بل كل الأحزاب في المشهد قبل ثلاثة عقود كانت ثلاثة أحزاب كبيرة تتنافس وفي حرب تراجعت شعبية الاشتراكي وكاد ان يتوارى .
وغداة خروج الرئيس السابق الشكلي من السلطة تحول المؤتمر من حزب السلطة الى حزب التسلط ففي المرحلة الانتقالية المفترض التي أفسدها زعيم الفساد بداء تلميع المؤتمر واقرانه فقط برئيسة فلو اعتزل السلطة والحزب لكان للمؤتمر شأن آخر.
بعد إقصاء الرئيس السابق شريكه الاشتراكي غداة حرب التسعينيات بدا العد التنازلي لخصومة متزايدة مع الإصلاح وأصبح في حالة عداء واضح غداة خلع الرئيس السابق .
في هذه التناولة المتواضعة لن اكيل المديح للإصلاح في مناسبة ذكرى تأسيسه فهو كغيرة من الأحزاب له أخطاء وإخفاقات لا تحصى . وفي المقابل له حضور وتألق وشعبية لا ننكرها .
تماهى مع عداوة الإصلاح الإقليم والتي أصبح فيما عرف لاحقاً بالتحالف.
الإصلاح جسم قوي بجذور عميقه وبرأس ضعيف بدون شعبية في حين كان المؤتمر لأنه حزب السلطة قيادة قوية بكرزما وكوادره مجرد طلاب وظائف ومناصب ومصالح .
من المفارقات ان البعض ينتقد الإصلاح بسطحية وسذاجة بأنه فشل في إدارة المرحلة الانتقالية أي غداة الخروج الشكلي للرئيس السابق ، والحال ان تلك الفترة مابين تسلم هادي وبداء هذه الحرب لم يكن يملك السلطة كما هو الحال الحوثي اليوم او الرئيس صالح بالأمس.
لقد كانت تلك الحقبة القصيرة أكثر من نصفها يحكم حزب المؤتمر وكان لهم ثمانية عشر وزيرا بينما نفس العدد لكل الأحزاب المعروفة باللقاء المشترك ومنها الإصلاح .
ناهيك على ان الدولة العميقة والجيش والأمن كله يناصر الرئيس السابق وبينهم خلايا هاشمية كانت نواة للدولة العميقة التي تبلورت على أنقاض مناصري الرئيس السابق .
ينتقد الكثيرون الإصلاح ومنهم كوداره بأنه لا يطبق مبادئه والتي غدت مجرد قيم افتراضية كما في الأحزاب اليمنية الأخرى دساتير ولوائح مثالية ولكن لا تلقى تطبيقا على أرض الواقع.
فالقيادات الإصلاحية التي تعينت عند التأسيس ما زالت تهيمن على صناعة القرار فيه ولم تسمح مطلقاً للقيادات الوسطية والدنيا بالاقتراب من القيادة، وهو ما يعكس الحالة العربية التي ترفض التنازل عن الكرسي إلا في حالتي الوفاة والانقلاب.
يستحق الإصلاح قيادة شابة جديدة تعي متطلبات الواقع الجديد وتنسجم مع التغيرات المحلية والإقليمية، وتكون قادرة على المناورة السياسية في ظل الوضع الراهن، واستمرار القيادة الحالية في تصدر المشهد سيجعل الحزب يواصل انهياره نحو التلاشي كما هو الحال مع الأحزاب الأخرى.
فكرة ارتباط الحزب بعقيدة دينية كحامل للبقاء كما تروج له القيادة الحالية لم يعد مجدياً وليست فكرة ناجحة، الشعب اليمني تغير ولم يعد يهمه أن يكون الحزب إسلاموياً أو إشتراكياً أو حتى (مريخياً) بقدر ما يهمه قدرة الأطراف السياسية على التغيير الفعلي لإعادة الأمن والاستقرار وتوفير الخدمات الأساسية.
نأمل من قواعد الإصلاح التي آلاف منها أسيرة ومختطفة ومقتولة في الداخل او مطاردة وشريدة ان تتكاتف وتحاول عقد مؤتمر مؤتمرها لتعزل القيادات المعتقة المحنطة المرتهنة في الرياض.
وترشيح قيادات شابه ولو بطريقه غير معلنة بالنظر لان اليمن يعيش حالة حرب داخليه واقليمية فالجميع ضد الإصلاح .
ويبدو عملياً تطبيق أي ممارسة خطوات ديمقراطية كاملة قد لا يتحقق بالنظر للحالة الامنية والسياسية في المشهد اليمني وصعوبة التحرك اللوجستي لان خصوم المؤتمر كثر على امتداد اليمن سواء سلطة صنعاء او عدن ، او خارج اليمن عواصم الإقليم المتحالفة مع دولتي التحالف اللتان تنكلان باليمن .
وحتى ندرك ابجديات صناعة وهم وعدو مفترض لمكون يمني سياسي معترف به في الدستور ان خصوم هذا الكيان السياسي هم أنفسهم أعداء الشعب اليمني في هذه الظروف التي بدأت الأمور تتضح للرأي العام.
ففي الداخل اغلب الأحزاب تناصبه العداء وعلى رأسها الأحزاب اليسارية والقومجية والمؤتمر بطبيعة الحال.
وفي الإقليم سواء دولتي التحالف الرئيسيتين او بلدان أخرى سلطة ونخب واعلام شيطنة المؤتمر وقرنته بحركة الأخوان المسلمين .
وحقيقة طرفي التحالف ضد اليمن ليسوا ضد التجمع اليمني للإصلاح كحزب وحسب بل اتخاذه ذريعة وقميص عثمان للتنكيل باليمن.
فكلا من السعودية والإمارات هم ضد الثورة اليمنية بشكل عام وضد يمن ديموقراطي يكون شوكة في خاصرة الجزيرة العربية.
يكفي ان من يدافع عن وحدة اليمن وعن الجمهورية وينتقد التحالف يوصف بالاصلاحي ، ويمنحوا الإصلاح مجدا أكثر مما يستحق ويجعلون اليمنيين يلتفون حوله تلقائيا بدون تخطيط ونية مسبقة .
الإصلاح لا يخسر فقط شعبيته بل وحتى مناصريه جراء بقاء قياداته في الرياض ومناصرة عدوانها على اليمن وقد ينتهي بهم المطاف بالسجن فإذا كان ابن سلمان قد نكل بالأسرة المالكة فما بالك بقيادات الإصلاح . وستكون مكافئة نهاية الخدمة مع التحالف !
رغم تضحيات قواعده حزب الاصلاح ونضج مبادئه النظرية لكنه في التطبيق وعلى مستوى قياداته تحديدا قد أضاعت سمعته لدى الرأي العام خلال حقبة الحرب.
فقياداته المتماهية مع التحالف تثير استغراب من كان يتعاطف مع هذا المكون السياسي رغم انه اسير لديهم.
وكأنه يوفر غطاء وإسناد للحكومة الشرعية والتي بدورها " اي الشرعية تشرعن حرب التحالف العبثية التي بلا هدف ولا افق .
ورغم ذلك هو الخصم الأول والرئيسي للمتناقضين في المشهد المحلي والإقليمي سوا طرفي الانقلاب في صنعاء وعدن او طرفي التحالف وإيرن.
في المقابل يلقى الانقلابين سوى في صنعاء او عدن احترام التحالف ، وتخادم واضح ، واجزم ان السعودية على استعداد للتعامل مع ميلشيا صنعاء وعدن منه إلى الإصلاح . او اي قوى ثورية تنشد الدولة المدنية وتستلهم روح ثورة 11 فبراير ومواقف عاصفة العجز خلال أكثر من أربع سنوات لا يتماهى مع مسوغات تدخل التحالف تحت لافتة استعادة الشرعية وبعد دمار اليمن وتمزيقه يستغرب المراقب العربي قبل اليمني عن سبب سكوت القيادة اليمنية الشرعية اما الشعب الذي يرزح تحت سلطة الامر الواقع في كلا من صنعاء وعدن فلا حول له ولا قوة .
في حال تم ذلك وصحح الحزب أخطاء الماضي والارتهان للإقليم واصطلاح علاقاته الدولية ومع الأحزاب الأخرى الضعيفة مقارنة به من حيث الشعبية والتضحيات في هذه الحالة يتوقع بداهة ان التأمر سيزداد فالإقليم ليسوا ضد الاصلاح كمجموعة بل ضد تحرر اليمن وضد الديموقراطية ويريدون يمن مشرذم مفكك متناحر وكلهم تحت مظلة خصوم الإصلاح من الفرقاء السياسيين في الداخل واستراتيجيات الإقليم شيطنة الاصلاح وتنميطه على انه حزب إسلامي متطرف بل لدرجة ربط أهداف بحركة الأخوان المسلمين .
صحيح أن خطاب الإصلاح اليوم مختلف عن هذه الأهداف، ومن يقرأ بياناته الأخيرة يلاحظ اليمننة الواضحة في الخطاب، جمهوريا وتاريخا وهوية حضارية، لكن تبقى أهدافه في المجال السياسي والدستوري مثار تساؤلات كثيرة.
يرى بعص المحللين بأن نقاط القوة ونقاط الضعف فيها؟ وهل أول الأهداف "الحكم الإسلامي" أهم من "الحكم الجمهوري" والثورة السبتمبرية حتى يأتي الحديث عنه تالياً.
وهل غياب "اليمننة" كأساس ومنطلق للأهداف مأخذ من المآخذ على الحزب؟ ولماذا ظهرت "الهوية الإيمانية" أو "التربية الإيمانية" بين ثنايا الأهداف وغياب الهوية الايمانية.
لأن الجمهورية والوحدة والديمقراطية والتعايش والسلام والحقوق والحريات هي ثوابت عنده، و لهذا لم يفرط فيها يوما ما، بل من أجلها ضحى بخيرة رجاله ، ولا يستطيع أحد أن يزايد على وطنيته ، فما قدمه من تضحيات في سبيل حماية الجمهورية والثوابت الوطنية هي تضحيات كثيرة و عظيمة لا تقارن بغيرها مما قدمته الأحزاب الأخرى.
وقد تناول بعض المراقبين والمحللين سيرة الاصلاح على النحو التالي :
▪لأنه تبنى المسار الديمقراطي و التداول السلمي للسلطة السياسية، و أبى مسار اغتصاب سلطة الشعب عبر انقلاب عسكري، كما يفعلون في الجمهوريات العسكر العربية ومنهم نظام صالح نفسه الذي وصل للسلطة بديموقراطية شكلية زائفة ، أو عبر مسار إمامي كهنوتي يرى السطلة حقا إلهيا محتكرا في فرد أو أسرة معينة، فضلا عن فرض ذلك عن طريق انقلاب عسكري واستخدام القوة والغلبة كما فعل الحوثي
▪لأنه شوكة في حلوق أصحاب المصالح الذاتية والمشاريع الضيقة .
▪لأنه الحزب الوحيد الذي ثبت على موقف واحد من أعلى هرم القيادة إلى أصغر عضو في الحزب، فكل الأحزاب انقسمت وتشتت، ولا يوجد حزب لم ينقسم إلى نصفين ، رجل مع الشرعية ورجل مع الحوثي ، إلا حزب الإصلاح فقد ظل ثابتا موحدا.
▪ لأنه يرفد الحياة بالأبطال و الكفاءات في جميع جوانب الحياة ، وهذا مانراه اليوم على الواقع، ففي ميدان الدعوة هو الأكثر حركة ، وفي ميدان العمل الخيري والإغاثي هو الرائد ، وفي المجال التعليمي والتربوي حاز قصب السبق ، حتى غدت جامعاته ضمن أفضل الجامعات عالميا ، وفي المجال الاقتصادي فعاصمة اليمن ومدنه شاهدة على بنوكه ومصارفه المتميزة، وفي المجال الاجتماعي ضم بين صفوفه أكبر الشخصيات الاجتماعية وأكثرها وجاهة .
▪ لأنه أفضل الأحزاب التي ذابت فيه التمايزات المناطقية والقبلية و السلالية وغيره من العصبيات النتنة.
وبداهة هناك سلبيات ونقاط ضعف في الاصلاح و تكاد تكون نفسها في أحزاب يمنية أخرى ومنها ان ادبيات تلك الأحزاب ولوائحها الداخلية وأنظمتها في واد والتطبيق العملي في واد آخر بمعنى لا يوجد تناغم بين القول والفعل بين النظرية والتطبيقوقد اوجز بعض الاكاديميين مظاهر إخفاق الإصلاح في مساره كالتالي :
فبقدر ما يؤكد انعدام الإرادة السياسية لدى التنظيم وغياب أي خطة إدارية تسهم في تنشيط قطاع المرأة والدفع بها للواجهة.
يكاد يكون الجانب الحقوقي والنشاط المدني والحضور المؤسسي لدى المنظمات، حكرًا على اليسار والنساء المستقلات، فيما الإصلاح يخنق عناصره النسائية في أدوار خدمية ونشاطات محدودة التأثير.
ما تزال المرأة الإصلاحية قوة معطلة داخل التنظيم، وما يزال الحزب يشتغل برؤية تقليدية في هذا الجانب، وهو ما يجعله عاجز عن تحقيق اختراقات واسعة داخل الجمهور والفضاءات الحديثة.
يحتاج الإصلاح لتفعيل العنصر النسوي داخل التنظيم ورعاية برنامج لصناعة القيادات الشابة وبما يمنح المرأة حقها في التمثيل ويسهم في استثمار القوة الناعمة داخل الحزب وبشكل متناسب مع متطلبات الحياة الحديثة
* كاتب يمني وسفير في الخارجية