منذ الأزل والكلمة " المخاطبة " أو فن الخطابة ظلت رهينة لقواعد وأصول لا تحيد عنها أو تميل، وتجمع من الفنون والأقوال، لتنزل منزل الإقناع والقبول. ولنا في رجال التراث القديم خير دليل، وذلك في حرصهم الشديد - على أن يجعلوا من الكلمة سلطانا وبيانا،، ينتهي في معناه إلى القدرة على امتلاك " سلطة معرفية يتم الإفصاح عنها، ترمي التأثير على الغير الذي عليه أن يتلقاها بالقبول، وهنا ؛ قد تدخل جميع التصانيف الأدبية، الملقاة - سواء شفاه أو كتابة، أو حتى الإشارات الصامتة ضمن مسرح " الميم"؛ وكذا فن الأوبيرا الذي يخضع بدوره إلى قواعد خاصة ، لإدراك معانيه الصوتية والإشاراتية .
وأمام هذا الحصر - فلنحاكم قيمة الكلمة في جميع المحافل، وماهية الشروط الملزمة لها تحت الرقابة الأدبية أو " الرخصة! والحق يقال - فلطالما اخذت الكلمة تصول وتجول في ميادين شتى ، البعض منها ليس لها من الحظ إلا انتشار الصوت على الاثير، أو ملء البياض من الورق. وأن انزلاق الكلمة المبتذلة، وحشوها في سوق الكتاب، أو عالم الصحافة، أو نادي المناظرة ، غالبا ما يكون وراءه ذلك الانخداع بالإطارات العريضة سواء على مستوى الشواهد الأكاديمية، أو المناصب العليا داخل الحكومات أو السوق الحرة، هذه اليافطات المقنعة تكون بمثابة تأشيرة دخول لمثل هذه المواطن؛ فتغمس باسمها " الكلمة " في ضحالة ووحل قد تنفر القارئ المبتدأ وتزجه في تناقض عنيف، ويتبرم منها العارف المتمرس!
أما إذا ولجنا بالكلمة من مضمونها العام إلى مضمون خاص هو سوق الصحافة والعالم المرئي الذي تتحول فيه الكلمة إلى منبر مباشر مع الملتقى أو المشاهد، إذ يصبح التفاعل النفسي الذي يتجلى في الحرص على الضبط والتروي؛ وكذا المظهر الخارجي اللتان لهما من الأهمية والتأثير ما يعادل الكلمة نفسها.
فلا ضير اذاً في أن يحرص المذيع( ة) على الظهور بالمظهر الجذاب أو اللائق كأقل تقدير حينما يكون في تواصل مرئي مع المشاهد، لكن سرعان ما ينقلب الاستثناء إلى قاعدة حينما يطرح من الجهد أقصاه للولوج بمظهر المرأة خصوصا - إلى مزالق الفتنة والغواية، لكي تصبح في الآخر أداة من ادوات الإعلام المبتذل، ولكي لا يجري على هذا الكلام حكم السفسطة أو انطباع ذاتي وقد خلا من دليل أو برهان، فلنا في كثير من قنواتنا الفضائية العربية التي يعج بها الفضاء، وبرامجنا الطويلة العريضة خير شاهد على ذلك ،
كبرامج التوكشو المباشرة التي يدور فيها حوارات عبارة عن صخب كلامي بين المذبع(ة) والضيوف ، فيقنعنا بعبثية لا محالة على مستوى الإعلام الذي هو في الأصل منبر خطابي معرفي إخباري، سرعان ما يدرك كل صاحب ذوق ونظر مدى التفاوت بين العمل الريادي الهادف، وبين الإعلام التجاري المغرض غالبا ما يكون الهدف منه إيصال خطابات واجندات معينة لا ندري ماهي، ومحاولة قولبة الادراك المفاهيم إلى مصالح معينة ! وبما أن لكل مقام مقال، فمن البديهي أن تتم عملية انتقائية لجسد المرأة يتماشى وطبيعة الموضوع، فيأخذ البرنامج من جسدها المحور الرئيسي ! والأنكى من هذا كله، أن تجد مثل هذه البرامج ذلك الجمهور العريض المعجب والمتجاوب في الوقت ذاته، ولأدل على هذا تهافت الشباب على كل ما تضاءلت فيه سمات الإبداع والأصالة، وقد لا نعدم الحجة في الاستدلال بالأغاني الموسمية " كالراي والروك " وغيرها ، بعضها ذات المحتوى الساقط والكلمات النابية التي كثيرا ما تلوث بها اسماعنا ... حينما لا تتملكنا الرغبة فى سماعها؛ فنكون مضطرين لذلك.
تظل للكلمة سلطانها وتأثيرها على المتلقي ، لذلك فالمسؤولية مشتركة بين وسائل الإعلام ، والأقلام الحرة ، والإدارة المعرفية المتمثلة في الأنظمة.
وأخيرا إن أسفنا شديد على الطاقات المادية والزمنية التي تهدر يكون منها المشاهد الضحية الأولى من حيث لا يدري وهذا إنما يدل على افناء الروح وإتلاف الحس، في زمن ألفَ فيه الإنسان البضاعة الرخيصة، واستأنس بها من دون أن يحتج أو يتذمر.
*كاتبة وصحفيةمغربية.
*المقال خاص بالموقع بوست.