بعث اليمنيون إشارات عديدة مليئة بالمرارة نتيجة تدخلات السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، في الشؤون الداخلية للبلاد.
لم تعد تدخلاته مغلفة بلياقة ودبلوماسية الدولة العظمى في المنطقة، بل أضحى تدخلا سافرا يحمل دلالات عن مدى الهيمنة والتحكم الفعلي بالقرار اليمني.
تكشفت هذه الحالة مع الأحداث والمحطات الكارثية التي مرت بها البلاد ضمن مرحلة تعد الأسوأ على الإطلاق. وسط مراحل انهيار الدولة وحالة الاستلاب والارتهان غير المسبوق للقيادات الشرعية، يبدو السفير آل جابر وهو يمارس دور الوصاية على اليمنيين بطريقة فجة، مثل انتقاده قوات الجيش اليمني على خلفية مناورة عسكرية في محافظة أبين في مارس الماضي.
كانت صيغة النقد مستفزة، وجاءت بصيغة الآمر والناهي، إذ قال في تغريدة منشورة له إنه "ليس من المقبول أن تكون هناك قوات تابعة للشرعية تجري مناورات عسكرية في شقرة ويتحدث قادتها العسكريون عن ساعة الصفر في ظل اتفاق الرياض".
ولم تخلُ لغته من التعريض بالجيش الوطني اليمني على غرار ما تفعله شبكة المغردين السعوديين والإماراتيين التي تبرئ التحالف من الإخفاق والفشل في إدارة المعركة مع الحوثيين.
تواظب هذه الشبكة على توجيه النقد للجيش الوطني بزعم أنه يدير ظهره للحوثيين ويركز على محاولات استعادة المناطق الواقعة تحت سيطرة مسلحي وعناصر المجلس الانتقالي. لا يلتفت السفير السعودي إلى مسؤولية بلاده في رعاية "اتفاق الرياض" الموقع بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، ولا آلية التسريع بتنفيذه والتي تبدو مظاهر شكلية لواقع مغاير على الأرض.
وليس ثمة ما يخفى على الأجندة المفضوحة للرياض في محافظة المهرة وسقطرى وغيرها من المناطق الحيوية والاستراتيجية بعد ما يقارب ست سنوات من الحرب. لقد ظلت تحركات الرياض كتغطية على سياسة أبو ظبي، كما العكس تماما في عملية تبادل أدوار وأجندات ضحيتها اليمنيون.
وتعد التحركات العسكرية السعودية والإماراتية "جريمة عدوان ضد دولة ذات سيادة" ما يترتب عليها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان"، هكذا تخلص العديد من التقارير الحقوقية.
من بين تلك الانتهاكات، تعرض معتقلين يمنيين في مناطق السيطرة السعودية والإماراتية للاستجواب والتعذيب الشديد.
ثمة قصص مروعة، سبق أن أشارت إليها تقارير محلية ودولية، لكنها لم تجد سبيلا إلى تحريك ملف الدعوى القضائية في المحاكم الدولية. صورة أخرى أكثر قبحا، حين بدا السفير السعودي في مقدمة مستقبلي الرئيس عبدربه منصور هادي لدى وصوله محافظة المهرة في أغسطس 2018م، وهو ما عده مراقبون ليس تجاوزا للبرتوكولات المعمول بها فحسب، بل إهانة بالغة للشرعية.
ولن يكون نائب رئيس البرلمان، عبد العزيز جباري، آخر المسؤولين المحترمين لكي يؤكد بأن السفير آل جابر هو المتحكم الفعلي بالقرار في حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي وأنه يتعامل مع اليمنيين كأتباع. كما يشير جباري إلى إن السعودية ضغطت على الرئيس هادي لتعيين معين عبدالملك رئيس وزراء في الحكومة القادمة قيد التشكل.
لا مفاجآت في ذلك، إذ عادة ما يوصف معين عبد الملك بأنه الأداة الطيعة للسعودية وللسفير آل جابر شخصيا، وقد نشأت علاقة رابحة بين الاثنين منذ أن كان الأول وزيرا للأشغال.
أما مجال هذه العلاقة فتتركز حول ملفات الاغاثة وإعادة الإعمار في اليمن، وقد أدار السفير السعودي الملف بشيء من الاستعراض الممجوج، كما أثارت تحركاته موجات نقد واستفزاز لمشاعر الجوعى والمعذبين جراء الحرب. حين قدم السفير السعودي روايته المثيرة لكيفية إخراج اللواء علي محسن الأحمر من صنعاء عقب اقتحامها من الحوثيين، لم تثر انتباه المراقبين تلك الطريقة الدراماتيكية للرواية.
الأكثر إدهاشا، كان السؤال التالي: كيف تمكنت السعودية من التغلغل في البلد إلى هذا الحد، فضلا عن قدرتها على التحكم بكل الأطراف اليمنية في أدق اللحظات عصبية على اليمنيين؟. لقد تعاقب على مناصب السفارة السعودية في اليمن منذ بداية ستينيات القرن الماضي تسعة سفراء.
كانت السفارة خلالها وكرا للمؤامرات والدسائس ضد النظام الجمهوري، من بينها التورط في اغتيال أهم الرؤساء شعبية في تاريخ البلاد.
لكن يبدو أن تدخلات السفير آل جابر بلغت درجة عالية من الصفاقة. بينما تقود بلاده حربا مدمرة ومعلنة لاستراد الشرعية في صنعاء، ترعى انقلابا آخر في عدن تحت ستار "اتفاق الرياض" وآلية تسريعه وتنفيذه.
ويظهر السفير آل جابر بين فينة وأخرى متجاوزا لمهمته في الدفاع عن سياسة المملكة باليمن والتي لم تفعل شيئا حقيقيا على الأرض لمنع الانقلابيين من تطبيع الواقع.
في الوقت ذاته، يتصدر ملف إعادة الإعمار بشكل استعراضي في بلد مدمر ومنهك، وهو الملف الذي تثار حوله الكثير من الشبهات بعد سحب إدارته من يد الحكومة اليمنية وجعله سعوديا خالصا أمام المانحين والمؤسسات النقدية الدولية.