الإمارات وإعادة إنتاج الواقع البريطاني في جنوب اليمن
الاربعاء, 14 أكتوبر, 2020 - 05:53 مساءً

التشابه المريب في الآليات والسياسات التي اتبعتهما كل من الإمارات وبريطانيا في بسط نفوذهما على جغرافيا اليمن الجنوبية، يدعو للتوقف ودراسة هذه الحالة التي تهدد سيادة واستقلال اليمن، وتبعث القلق على مصير الوحدة اليمنية، وكرامة وحق اليمنيين في حكم أرضهم وإقامة دولتهم.
 
الأدوات التي استعملها البريطانيون ضمن السياسة الاستعمارية تكاد تكون هي ذاتها الأدوات التي تستخدمها الإمارات اليوم للتمكين لنفوذها في جنوب اليمن، وعندما تنظر في الوضع القائم فإنك ستلاحظ أن الإماراتيين استنسخوا التجربة البريطانية ذاتها وهذا أمر بقدر ما يعقد الأمر فإنه قد يسهم أيضا عند إدراكه في ابتكار وتطوير آليات المواجهة معهم، ويعود انتهاج الإماراتيين لتلك الأساليب البريطانية ربما لأن الإماراتيين أدركوا فعالية الأدوات التي استخدمها البريطانيون من قبل، بالإضافة لوجود ظروف ومعطيات يمنية قديمة وحديثة لا مجال للحديث عنها في هذا السياق، لكنها تتعلق بالذهنية القابلة للاستعمار التي تحكم النخبة التي تتصدر المشهد الجنوبي اليوم أكثر من كونها تتعلق بالشعب الذي يثبت يوما بعد آخر أنه أكثر وعيا ومسؤلية من نخبته الحاكمة، ولكن هذه المعطيات المتداخلة جعلت الإماراتيين الذين يعيشون حاليا داخل ذهنية المستعمر القوي يرون أنهم باتوا يمتلكون المؤهلات الكافية لغزو الشعوب الأخرى وتقرير واقعها ومصائرها - خصوصا بعد الإعلان عن تطبيع العلاقات الإماراتية الإسرائيل، والتحالفات الخفية التي سبقتها على أكثر من مستوى – أن يتدخلوا في اليمن بهذه الطريقة القسرية والعبثية.
 
محاولة الإماراتيين إعادة إنتاج الواقع البريطاني في جنوب اليمن يدفع باتجاه التكهنات التي تؤكدها كثير من المستجدات على الساحة اليمنية في أن البريطانيين لابد وأنهم يقفون وراء هذا الدور التخريبي الذي تمارسه الإمارات في اليمن، خصوصا بعد أن بدأت خيوط تلك المؤامرة بالتكشف مع وجود البريطاني مارتن جريفيت على رأس المنظومة الأممية في اليمن، كما تؤكد ذلك أدواره المشبوه في إدارة مختلف ملفات الأزمة اليمنية.
 
باستعراض الأدوات التي استعملتها كل من الإمارات وبريطانيا لفرض وإدامة وجودهما في جنوب اليمن؛ نستحضر شركة الهند الشرقية التي أحكمت بريطانيا من خلالها السيطرة على عدن إبان احتلال جنوب اليمن الذي بدأ عام 1839 واستمر130 عاما، واليوم نحن نشاهد كيف استغلت الإمارات شركة موانئ دبي العالمية للتواجد في عدن من خلال عقد تأجير ميناء عدن لها أثناء حكم الرئيس علي عبدالله صالح، ووصولا بها لإيقاف العمل فيه وتخريب بنيته التحتية بعد إعلان عاصفة الحزم الذي أتاح لها أن تتواجد بشكل مباشر بقواتها العسكرية في عدن.
 
بالنظر للأهداف التي أعلنتها بريطانيا قديما والإمارات حديثا لكي تبرر وجودها العسكري في جنوب اليمن؛ لا بد وأن نتذكر الشعارات المثالية التي رفعها كلاهما، والتي بدت متشابهة إلى درجة كبيرة، إذ كانت قد بدأت في صورة أهداف إنسانية وخطابا إعلاميا جذابا، لكنها ما لبث أن كشفت عن حقائق وحشية ترفع الغطاء عن طبيعة وجودهما العسكري ودوافع أطماعهما الخفية؛ وانتهت في كلا الحالتين بإحكام السيطرة على المواقع الجيوستراتيجية، وسرقة موارد وثروات اليمنيين، ففي حين كان هدف الإماراتيين المعلن للسيطرة على السواحل والموانئ والجزر اليمنية هو الحصول على فرصة لحماية حركة الملاحة الدولية نجد أن البريطانيين تاريخيا كانوا قدموا ذات الأسباب، وتحت مبرر حماية طريق أساطيلهم التجارية الضخمة في البحار والمحيطات، وكما ذهب البريطانيون – على سبيل المثال - لسرقة  مناجم الفحم على جزيرة "ميون" التي كانت أهم مصادر الطاقة حينها؛ يذهب الإماراتيون اليوم لاحتلال منشأة بلحاف الغازية ونهب مواردها.
 
بينما قامت بريطانيا بتغذية النزعات الانفصالية والصراعات البينية في المناطق التي وجدت فيها جنوب اليمن؛ تمارس الإمارات اليوم الأسلوب نفسه، إذ تتعمد تمزيق النسيج الاجتماعي وتفكيك التلاحم الوطني، وإثارة النعرات المناطقية الضيقة والأضيق، وكما تعمدت بريطانيا اتباعها سياسة التفرقة والعزل، بهدف تقسيم أرض الجنوب إلى سلطنات ضعيفة وكنتونات متنازعة يقودها رجال لا يملكون قرارهم ويعيشون حالة ارتهان واستلاب كاملين للبريطانيين؛ نجد اليوم الأمر ذاته يتحقق في جنوب اليمن على يد الإماراتيين، الذين يدعمون شخصيات هامشية، أعادت بعث الدعوات الانفصالية ذاتها التي شهدها جنوب اليمن أثناء الاحتلال البريطاني؛ حيث تبرز الأحاديث التي يتفنن الذباب الإلكتروني الإماراتي في إخراجها عن رغبات متزايدة في انفصال المحافظات الجنوبية، واستقلال كل محافظة عن بقية المحافظات الأخرى، بالإضافة لإشراف الإماراتيين على تشكيل جيوش محلية من المرتزقة بمسميات مختلفة لخدمة مصالحها وتثبيت وجودها، تستخدمها ضد اليمنيين من أبناء المحافظات الجنوبية الرافضين لمشروعها التخريبي، الذين قد تتوقع أنهم قد يهددون مستقبل وجودها العسكري في اليمن.
 
لكن ومع كل تلك المعطيات المقلقة التي تشهدها الساحة اليمنية لا يمكن لليمنيين أن يتناسوا أبدا أنهم سبق وغيروا مسار التاريخ، وخلقوا وجودا يمنيا حرا من عدم الفرصة الضائعة، وكان تلك الثورة اليمنية الخالصة قد قامت حينها في وجه أعلى المستعمرين في الأرض حينها وأثبتت مهارتها أمام كل إمكانيات القوة وعوامل البطش وسياسات التوغل التي كان يتسحوذ عليها خصمها، لا ينبغي لليمنيين تجاهل أنهم اجترحوا انتصارات مذهلة على أعدائهم في لحظة تاريخية كانوا فيها الحلقة الأضعف والفاعل الأقل حضورا بين كل القوى المتصارعة ، وهم اليوم قادرين أكثر على تكرار تلك الملاحم الوطنية وليس في جولات عديدة فحسب، بل  وحتى بالضربة القاضية.
 

التعليقات