بضعة أيام تفصلنا عن الذكرى السنوية لاتفاق الرياض الذي ولد ميتً وأعقبه بشهور اتفاق آخر سمى باتفاق " تسريع تنفيذه" ، فهل تسير الأمور لافتراضية الى الرياض ثلاثة لتسريع آخر للاتفاق.
وعلى خلفية ما يتداول مؤخرا عن احتمال إعلان الحكومة التي كان يفترض قبل عام ان يتم يدور حديث مؤخراً بأن هذه الحكومة قد تشكل خلال ايام قليلة يستبقون فيها حلول الذكرى السنوية لاتفاق الرياض حتى يحركون المياه الراكدة والجمود السياسي في المشهد اليمني الجنوبي.
يحاول طرفي اتفاق الرياض ما يسمى بالشرعية ومسئولي الانقلاب المستنسخ والمسنود من التحالف إيهام الرأي العام اليمني بأنه مجرد إعلان الحكومة سيكون مدخلاً للاستقرار والتنمية وتحرير المحافظات التي تحت سيطرة الحوثي .
وكأن الخلاف ينحصر في الحكومة المفترضة المناصفة جهويا وشطريا وحزبيا ، مع ان بؤر عربية مشابهة بدأت تتخلى عن الحكومات الحزبية والمناطقية.
ومعلوما بأن رئيس الحكومة المرتقبة قد تم إعادة تعيينه بإيعاز من التحالف نفسه حيث صرح مصدر سعودي قبل أشهر بأن المملكة لن تتعامل مع رئيس وزراء غير معين عبدالملك مع ان حكومته الأولى فاشلة ولم تحقق شئ .
والسؤل هل نجح معين في حكومته السابقة بل وهل مارست عملها في عدن باستثناء ايام قليلة من اجل تسهيل دفع مرتبات الانقلابيين ومن ثم تم ترحيل.
كيف ستعمل الحكومة الجديدة وعدن وسواها غابة من الأسلحة المكدسة التي زودت به الإمارات على مدى خمس سنوات.
اللافت ان الشرعية اليمنية المرتهنة منذ أكثر من خمس سنوات قد منحت التحالف صك وشيك على بياض بالتحرك السياسي والعسكري وكذا تفاصيل ادارية واقتصادية والتدخل في كل صغيرة وكبيرة.
كذلك تتعامل مع المبعوث الدولي الحالي وهو الثالث "مارتن قريفت" وكأنه قدرا مكتوب على اليمن مع انه بإمكان اليمن طلب تغييره من الأمم المتحدة بناء على مسوغات واقع الحال.
والراصد والمراقب لنفوذ التحالف في المحافظات الجنوبية تحديدا والى حد ما في محافظات اخرى في الساحل الغربي يلاحظ الامارات بأن دور الامارات اكثر وضوحا وصراحة من السعودية التي يتوهم البعض بأنها تريد الخير لليمن واستقراره وامنه ، والواقع ان التحالف بطرفيه لا يريد يمن مستقر ولا حتى شطرين بل يريد ان يستنزف كل القوى وينتهي الأمر بدول الطوائف المتناحرة وتستجدي مساعدتها من الممول الرئيسي لتدمير اليمن فمهما اختلفت الأطراف كالشرعية والمتمردين من الانتقالي كلهم تحت عباية الرياض.
التحالف من خلال إدارة هذه الحرب كأنه يرغم اليمنيين على القبول بالحوثي وهذا يقوي نفوذ الانقلاب المستنسخ في عدن الذي حظي والمسنود من التحالف وليس فقط الامارات.
من يرى عدن وما آلت إليه الأمور بعد أكثر من خمس سنوات على "التحرير" المزعوم وما جرى من اغتيالات وتراجع البنية التحتية وحياة الفاقة والعوز وسوء الخدمات من شبكه مياه وكهرباء ومجاري الخ وكأن التحالف تريد ان يقنع بقية أبناء اليمن بأن الحوثي أفضل من الشرعية والانتقالي.
ومعلوماً بأن صمود الحوثي وقوته نتيجة ضعف خصومه وتباين الرؤى بين الأطراف المناهضة للحوثي .
وبداهة فالشرعية كشعار فضفاض لا يكفي لخلق صورة إيجابية عن محاسن الشرعية المفترضة فهي لا تؤمن خائف ولا تطعم جائع ولا تكسي عاري بل إنها وعلى النحو الذي سارت طيلة الحرب قوِةّ من شوكة الطرف الآخر ، والشرعية على هذا النحو ليس مرحباً بها بأي حال من الأحوال إلا من قبل الانتهازيين والوصوليين .
حيرة القوى اليمنية المرتهنة والعميلة ومن ورائها التحالف بجناحيه السعودية والامارات هي البحث عن مخرج سياسي في تسوية شاملة تخرج التحالف من مأزق ومستنقع الحرب في اليمن متوازيا مع حلول ومخرج قانوني في قيادة الدولة الصف الاول الرئيس ونائبة والحكومة والبرلمان ودور هذه المؤسسات الدستورية في سيناريو الحلول المفترضة.
اللافت ان الشرعية تتعامل مع التحالف والمبعوث الدولي لليمن مارتن كريفت ، كأنهما قدراً محتوماً لليمن وتتماهى مع أطروحات المبعوث الدولي وبالطبع التحالف وكأنها مسلمات لا تقبل النقاش او التفاوض.
لعل اهم محطات ضعف الشرعية التي تنامت بالهرولة للمفاوضات والتي أنتجت اتفاقات هشة أبرزها : اتفاق السلم والشراكة غداة سقوط صنعاء ، ثم اتفاق استوكهلم واتفاق الرياض .. متزامنا مع محطات سقوط في أكثر من جبهة حجور ، نهم ، ومؤخرا الجوف ..
كل هذا بسبب موافقة الحكومة الشرعية ان تكون في نظر كلا من التحالف والمبعوث ألأممي والمجتمع الدولي ان تكون مجرد طرفا في الصراع اسوة بالحوثي وربما غيره من الميلشيا كالانتقالي في عدن الذي هو الأخر فرض واقعا مستجدا بإيعاز من التحالف.
ولهذا غدا المجتمع الدولي والأمم المتحدة من خلال مبعوثها ينظرون للشرعية نداً لميلشيا الحوثي والانتقالي وان لم يصرحوا.
كل هذه مسوغات واقع الحال كانت نتيجة لضعف الشرعية وتأمر وتخاذل التحالف ، وبداهة فأن اي حديث عن تهدئه الجبهات او مفاوضات ترتعد فرائصنا لان نتائجها معروفة ، عجبي للالية المحبطة والعقيمة في مراوحة الحكومة الشرعية وتعاملها مع ملف الأزمة والحرب منذ نحو ست سنوات ، اي منذ سقوط عمران ومن ثم صنعاء وبداية مسلسل السقوط والذي كان آخرها الجوف .
مع انها " اي الشرعية" لازالت تملك اوراق قوة لم تستخدمها وقد لا تستخدمها اطلاقاً الشرعية على هذا النحو كأنها تعطي شرعية للتحالف لتدمير اليمن.
على مدى الساعة أثبتت يوميات الحرب المؤسفة والتي بدأت غداة سقوط صنعاء وليس ببدأ عاصفة العجز بأن اليمن انزلق للمحظور ليصبح لقمة سائغة للإقليم وتتداعى عليه الأمم كما يتداعى الأكلة على قصعتها.
وعلى خلفية الإيقاع البطئ لقيادة الشرعية وارتهان القرار والسيادة اليمنية للتحالف بحكم بقاء قيادة الشرعية خارج اليمن .
فأن ما كان بالأمس ممكنا أصبح اليوم صعب في إيجاد الحلول وبالمقابل ما هو صعبا اليوم قد يصبح مستحيلا في الغد ..
ما لم تحصل معجزة للشرعية وتدارك الأمر .. وسنصحو يوما على واقع أكثر مرارة ووطن مدمر ويبدو انه لن تنتهي هذه الحرب بصيغتها الحالية إلا بعد شرعنه الحوثي وجعله أمراً واقعاً . فأي حرب في التاريخ بداهة لابد لها من نهاية ومن هنا فهذه الحرب ستضع أوزارها يوما ما لكن نهاية الحرب شئ وإحلال السلام والاستقرار شئ آخر.
مخطط تقسيم اليمن من قبل التحالف العربي لا يعني ان الوحدة مقدسة وبالمقابل لا الانفصال في هذه المرحلة مرحب بها ويظهر وكأن أبناء الشمال هم فقط الوحدويين وبأن أبناء الجنوب يؤيدون الانفصال وهذا مجافي للحقيقة .
لكن أي مستقبل سيفرض نفسه هل بشرعنة كلا الانقلابين ؟ فأي توافق مستقبلي مفترض مع طرفي الانقلاب هو محاولة خروج التحالف من مستنقع حرب اليمن بأقل الخسائر وبماء الوجه.
لا يعقل ان يحدد مصير وحدة أراضيه ومن يحكمه كمكافئة لمن غدر به وخانه مكافئة لطرفي الانقلاب لرسم ملامح مستقبلنا مع أن الأخير له يكون له سوى الفتات وستكون الكلمة الأولى لمن يبسط نفوذه على الأرض.
ومن ثم ينقسم اليمن الى دولتين متحاربتين فواحدة تصطف لهذا الطرف الإقليمي وأخرى لطرف آخر ، وليس كما كنا قبل التسعينيات عندما كان كلا الشطرين يستفيدان من تناقضات الحرب الباردة وتلقي مساعدات من الشرق والغرب زمن الحرب الباردة حتى نهاية الثمانينات.
الفترة مابين اتفاق الرياض والذكرى السنوية التي نحن بصددها شهدت جملة تطورات من جانب الانقلاب المستنسخ اهمها اعلان الادارة الذاتية السيطرة على سقطرة ومحاولات الإمارات المستمرة في تفخيخ الأمن والسلام في هذه الجزيرة الوادعة يفضح نوايا التحالف وفي المقابل يفضح الشرعية التي لا تحرك ساكن مع انه بإمكانها إخراج الإمارات من التحالف بجرة قلم كما حدث مع دولة قطر ، بل وتقعطع العلاقات معها كلياً.
من يوميات الحرب يستنتج بداهة بأنه ثمة محاولة لتفخيخ اليمن بكل عناصر اللإستقرار، وجعل الأمل في عودة الحياة السياسية الطبيعية مستحيلاً. فقد انحرفت الحرب عن هدفها المعلن وكأن استمرارها فقط لتصبح نمط حياة يومية بمدى زمني مفتوح وبلا حدود وليس كأداة لحسم صراع يتعذر حسمه عسكرياً.
نكبة اليمن اليوم هي ان الشعب ضحية التنكيل به من قبل الغازي "الوطني" والخارجي ، بين شرعية ضعيفة وتحالف متخاذل شن الحرب تحت لافتة تختلف كليا عن ما يجري اليوم على واقع المشهد السياسي والعسكري .
* كاتب يمني وسفير في الخارجية