التنظيمات المؤدلجة تأكل أبناءها متى أرادت، بمبرر وبدون مبرر، لا تحملوا القضية تفسيرات كبرى، إنها جماعات تشتغل بعقلية التنظيمات السرية، حيث الفكرة الجماعية أهم من الفرد، والأيدولوجيا فوق السياسة، قد تتخلص منهم؛ ليس لأنها تخافهم، بل لمجرد أنها لا تحبهم كثيرًا ، أو لمجرد أنها لا ترتاح لهم بشكل مطلق، وفي حالات كثيرة لمجرد وجود توجس هامشي ولو بنسبة1% منهم.
لقد مر وقت طويل والأجواء خامدة داخل مناطق سيطرة الجماعة، ولا يوجد مهدد داخلي يشتغلوا عليه لتعزيز صلابة الحكم السلالي، وهذا ما يدفع الجماعات السرية؛ لاستحداث جريمة تنعش فكرة الخطر في الوجدان العام، وكان حسن زيد أسهل طعم هذه المرة.
نحن أمام جماعة لا يوجد ما هو أرخص من الدم في نهجها، ولا قرار أبسط من تصفية إنسان، قريب أو بعيد منها، لا يهم ، تنظيم يرى منطق الجماعة أشبه بمنطق الآلهة، وتحاول صهر الجميع كصوت واحد ، ولا يعيش فردا داخلها إذا ما امتلك صوتًا خاصًا، حتى لو كان خافتًا وداخل الإطار ذاته.
لم يكن حسن زيد يمثل خطرا على الجماعة؛ لقد كان عاطلًا أو معطلا من قبل أن يقتل ولم يعد يؤدي دورًا معتبرًا يحتاجه التنظيم وقد أحكم قبضته على الجميع. اغتيال حسن زيد، يبدو لي تحصيل حاصل، لا يحمل أهدافًا سياسية كبرى، بقدر ما هو تخلص من شخصية لا يعني لهم ولاءه شئيًا كما لا يمثل طبعه السياسي المراوغ والبراجمااتي تهديدًا حقيقيًا للجماعة.
حسن زيد ليس ناشطًا في منظمة مدنية، هو بالأخير وزيرًا هامشيًّا في حكومة فاشية لا صوت يعلو فيها على صوت الحزب، لربما كانوا ضجرين منه، والضجر دافع أصيل خلف الجريمة، جريمة تنشأ من الملل النفسي، أو الضغينة الشخصية أكثر منه تخلص من خطر محدق أو تصفية أقطاب داخلية.
إن كان هناك من فكرة عامة يمكن تأكيدها من حادثة الإغتيال، فهو أننا أمام جماعة يزداد توغل التيار المتطرف فيها أكثر وأكثر، وصولًا للتخلص ممن يلاحظ عليه ميول ولو نسبي بسيط في مستوى نزوعه النفسي نحو السلام أو حتى ايمانًا عامًا بالفكرة.
الأمر الذي يستفزك في سلوك الجماعة، هو قدرتها على استثمار أي جريمة، حتى تلك التي تشير أصابع الإتهام فيها للجماعة نفسها، لكنها توظفها لتوحيد صفها أكثر واستثمار الدم لاستثارة مخاوف الناس بكونها جماعة مستهدفة، وهو ما يحقق لها تلاحم شعبي ويساعدها في تسويق أوهامها أمام الناس وتقديم أنفسهم كأبطال ومشاريع شهادة في سبيل الوطن، وطن السلالة الخاص بالطبع.
بالأخير فكرة الاغتيالات قذرة، غير أننا أمام شخص اغتيل بأدوات أصحابه، وفي كل الحالات يتحملون مسؤولية قتله، قانونيا وجنائيًا، وما يجعل الجماعة متهمة بشكل أكبر، هو أنها لم تعمل شئيًا لحسم ملفات اغتيالات كثيرة سابقة لقيادات محسوبة عليها، رغم سيطرتها على كل أجهزة الاستخبارات وقدرتها على كشف كل ملابسات القضايا السابقة، لكنها لم تفعل شئيًا وهو ما يعزز فكرة مساهتمهم في الحوادث وفي طمسها.