دائما في الإختلاف يكون هناك اتجاهين متضادين للمفاهيم رؤيتين مختلفتين او مبدئين متناقضين، ويحدث الإشكال عندما يخرج الخلاف من كونه خلاف جدلي عقلاني ليتحول إلى صراع متفاقم قد يصبح ملحاً أو وجوديا عند البعض.
ونتيجة لهذه الصراعات يتم تجنيد الطاقات العقلية والجهود البدنية والإمكانيات المادية من قبل كل طرف لكي تنتصر رؤيته أو يسود مفهومه.
وسواء كان هذا الإختلاف حول مفاهيم منطقية وفلسفية أو حول أنماط حياتية او مسائل مادية او معنوية فإنه جزء من طبيعة البشر منذ أن أوجد الله الخلق وعليه فقد تنوعت وتشعبت الاختلافات البشرية وأمتلك البشر دائماً مسببات وحجج للإختلاف والصراعات ألتي قد تصبح دامية ومدمرة ومكلفة لهم ، عادة ما ينجر البشر للصراع عند التباين بغض النظر عن المسببات والجدوى المرجوة في حالة الإنتصار.
فالبشر بالأغلب لا يقومون بدراسات جدوى للإختلاف بل ينجرون وراء الحماس الذي تولده حالة الإختلاف، ولو فعلوا لاختلفت طريقة حياتهم وطريقة نظرتهم للأمور، للإختلافات بعدا ثالث يخفف من الضغط المتولد من الإتجاهات المختلفة ويصرفها بإتجاهات تسودها العقلانية وتتسم بإمكانية إيجاد قاعدة للتفاهم تقضي على أسباب الصراع.
ولكي يصل العنصر البشري للبعد الثالث فهو يحتاج لمن يوحي له بشيئ من سلبيات الإختلاف وإيجابيات الإتفاق على حياة ورفاه البشر ومجتمعاتهم وأوطانهم وكل ما يهتمون له.
في الإختلافات السياسية تختلط المفاهيم ويصر قادة هذا النوع من الاختلافات في إستغلال جميع الإمكانيات لخدمة وجهة النظر التي يتبنونها مستغلين الحاجات الفكرية والمعنوية والمادية للبشر ومسخرين مايمكن إستخدامه من أدوات الفكر والمادة لخدمة إختلافاتهم وصراعاتهم، تزداد الحاجة للبعد الثالث كلما زادت حدة الإختلاف ويصبح البعد الثالث ضرورياً كلما أُنهك البشر من صراعاتهم.
في واقعنا اليوم مآسي يمكن التخلص منها بالقبول بالبعد الثالث، سواء كانت هذه الصراعات على مستوى الفرد او المجتمع او أعمق من ذلك.
أنهكتنا الصراعات السياسية المتعددة في منطقتنا العربية وأصبح من الضروري أن نتخذ خياراتنا معتمدين على دراسات عقلانية تحدد مسارات وإتجاهات الخلاف والقبول بالبعد الثالث للإختلاف كلما كان ذلك ممكناً،
وعلى عقلاء العرب ومثقفيهم وإعلامييهم أن يكونوا رسل البعد الثالث لمجتمعاتهم.
معتمدين في إرساء مداميك التفاهم على العقلانية والواقعية والأطروحات المنطقة.