إعقلوا يا قوم!
السبت, 12 ديسمبر, 2020 - 10:08 صباحاً

العقل لا يتعب، بل يزداد بالتعقل قوة. (أرسطو).
 
الأوضاع من حولنا لا تخلوا من واحد من ألوان ثلاثة: أبيض وأسود ومنطقة وسطى رمادية. والعاقل يستطيع التمييز بينها.

وعلى كل حال تدرك الأشياء بالعقل، والأكيد أن العقل هو رأس الأمر ومحور الفهم، والخيال عامود الفكر. فالتفكير بطبيعته مزج بين الخيال والعقل، ويتداخل بينهما الإحساس وهو بوابة الفهم والعلم، وتجارب الإنسان ماهي إلا إحساس أولا، ثم التخيل ثانيا، ثم التفكر فيها ثالثا، وهنا يأتي دور العقل في التمييز بين المتخيلات (المظنونات) يمحصها ويفندها، فنحن نستطيع أن نتخيل أشياء ونكون لها صوراًً أمامنا، ثم نحكم على صحتها أو خطئها، ومن ثم نعقلها في فكرة أو اقتناع.
 
والعقل من ناحية النشاط نوعان: عقل فعال وهو رمز السمو، وعقل منفعل وهو رمز التهور!
 
ومن ناحية الوظيفة نوعان كذلك: عقل مدرك، وعقل بليد حالم يسبح في الأهواء بلا منطق أو دليل.
 
فالإنسان حين ينظر في الواقع حوله فله أن يستخدم عقله، أو يركنه.. وللأسف الشديد الكثير من الناس لم تعد تستخدم عقلها، أو ربما نسيت أنها من جنس البشر الذي حباه الله وكرمه وزينه بالعقل، ولذلك قالوا: العقل زينة.
فيا ترى ما هو السر وراء اختفاء العقول؟
 
في الحقيقة لا أدري على وجه الدقة، لكنني ألمس هذا واقعا في مفكرينا ومثقفينا.. في رجال الدين والسياسة.. في أعضاء الأحزاب وقياداتها، في حكوماتنا المتعاقبة. ونقص العقل أو جموده بادٍ بشكل واضح في سلوكياتهم وكتاباتهم.. وفي كلامهم وصمتهم.
 
فمن ناحية الفعالية: لا تجد لها أثرا فيما يدعونه أنهم رجالات زمانهم كل في مكانه ومجاله، بل على العكس تجدها عقولا إما بليدة أو منفعلة، كل تفاعلاتها ردود فعل خاوية من أي سلوك نبيل أو فكرة سامية.
 
وإذا نظرنا إليهم من ناحية الإدراك فستجد عقولهم مغيبة، لا تعي مايدور حولها، ولا مايصنع بها.. ولا تعلم ما يحاك ضدها وضد وطنها وشعبها. فأكثر ما ينطبق عليها من توصيف هو البلادة والانفعال، يقادون كالخرفان، إذعان لا مثيل له، وخنوع لا نظير له بين الشعوب.. بنفذون ما يؤمرون به بتفان عجيب وإخلاص مريب.
 
ورد أن الإمام الشافعي قال:
 
كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي
وإذا ما ازددت علماً زادني علماً بجهلي.
 
إنه لأمر غير معقول بتاتا! كل هذه السنين والأحداث لم تؤثر فيهم، ولم تعلمهم، ولم تغيرهم؛ ولم تحيي غيرتهم، أو توقد شعلة كرامتهم، بل هم من سيء إلى أسوأ، ومن قبح إلى أقبح، ومن خزي إلى أخزى. لا أدري بمن يتشبهون، ولا من أي مصدر يشربون. لا أحد يعرف ما الذي يجبرهم على هكذا سلوكيات منحطة متوالية: من عار إلى عار، ومن عمالة إلى عمالة، ومن خيانة إلى خيانه.
 
أي خيال يتوهمونه ويسيطر على قواهم العقلية؟ وأي أحاسيس ومشاعر تنتابهم، وتوجه إختياراتهم العفنة النتنة؟
 
البعض يرخص نفسه فيعبد الأشخاص ويقدسها، والبعض يبيعها ويعمل لصالح الأجنبي على حساب وطنه وشعبه.. وآخرون يفترشون الصمت ويلتحفون بالخنوع.
 
أتراهم أناسا طبيعيين هم حين يسلكون هكذا مسالك؟ هل تنطبق عليهم كلمة "عقلاء"؟
 
أتمنى لو أعرف ماذا يتخيلون، وأي نتائج يتصورون حين يطيش سلوكهم ويجاورون سكان المصحات العقلية والأمراض النفسية؟
 
ألا يدركون مغبة أفعالهم، ويفكرون بمآلات شعوبهم وأوطانهم؟
 
حتى أحاسيسهم ومشاعرهم تبلدت، وماتت معها ضمائرهم التي ربما لم تكن موجودة بالأصل.
قال الفيلسوف اليوناني أفلاطون: (الشبيه يدرك بالشبيه).
 
فماهو الشبيه الذي يتقمصون شخصيته؟ ومن هو المثل الأعلى الذي يقتفون آثره ويقلدونه؟!!! عجبي!
 
إن كانوا يتشبهون بالغرب فالغرب قد بلغ عنان السماء علماً وفكرا وسياسة وحريات وحقوق مواطنة وعدالة ونمو حضاري لا يضاهي ولا يبارى.
 
وإن كانوا يتشبهون بمن ثارت عليهم شعوبهم فقد خابوا وخسروا. وهل كانت الشعوب ستثور عليهم لو كانوا زعماء وقادة صالحين؟
 
للأسف يفاجؤوننا كل يوم بجديد مدمر للوطن والشعب، وكلما استبشرنا خيرا بالقادمين، إذا بهم يكونون أتعس وألعن من سابقيهم،
 
حتى الأحزاب! بعد أن كفرنا بالقديمة وهللنا للجديدة، إذا بنا نجد الخيانة والعمالة تجري في عروقها بالفطرة.
 
وكذلك بعض المثقفين الذين ظننا بهم خيرا، وحسبناهم مجددين للفكر، وسوف تحيي كتاباتهم الأمة، إذا بأغلبهم يسقطون، فتجدهم عبيدا يقدسون طاغية هلك، ويمجدون عهدا بائدا حالكا ولى وتلف، ويتمنون رجوعه.
 
ناهيك عن عبدة نار فارس، وأتباع إمارات المهالك، أو خدام نجدات الخيانات الأشاوس.
 
إعقلوا ياقوم!
 
لم نقبل بعد بكبار الاستراحات، فإذا بهم اليوم يجهزون لنا أطفال الساحات.. ونحن؟؟؟
 

التعليقات