الإصلاح ومشكلة القبول بالآخر
الأحد, 12 سبتمبر, 2021 - 04:32 مساءً

لعل إحدى التحديات الفكرية للإصلاح، حل مشكلة " القبول بالآخر" نظريًا يقول الإصلاحيون: نحن نقبل بالأخر، عمليًا لا يحدث هذا كثيرًا. فما إن يكتب شخص فكرة تعارضهم إلا ويحتشد أنصار الحزب بشكل عفوي للفتك به. ثم لا ينسون التنويه، عن قبولهم للنقد والترحيب به. ولا يدري المرء، أين ومتى وكيف يتجلى قبولهم هذا..؟
 
لديّ أصدقاء كثر مثقفين وشعراء وكُتّاب لا يحملون ضغينة تجاه الإصلاح، بل ومستعدين لإنصافه في مواضيع كُثر؛ لكنهم يحتفظون بملاحظات نقدية مهمة تجاه الحزب.. وإذا ما حدث أن قالوها بكل تجرد وصدق، سرعان ما يجدوا أنفسهم محاصرين بحشود عنيفة تصب عليهم كل أنواع التهم والتسخيف والتشكيك بدوافع ما يقولونه.
 
تُواجه الإصلاحيين تهمًا كثيرة ومخاوف من طريقة تعاملهم مع الأخر، لا يكفي أن تُكرر القيادة تطمينات علوية، ومرونة فكرية تؤكد تسامحهم مع الأخر، فجوهر التحدي يظل قائمًا، التحدي القادم من قواعدهم، حيث الحشود الجاهزة لافتراس كل من يفصح عن فكرة مناهضة لهم. صائبة كانت أو خاطئة لا يهم.
 
وهنا تكمن حل مشكلة القبول بالآخر. انتزاع جذورها الفكرية، فالقبول الحقيقي بالأخر، يحتاج اشتغال فكري متواصل، تمرين نفسي ومراس ذهني دائم وصولا لتحقيق قابلية ذاتية متأصلة تجاه ما يخالفك، وليس مجرد الإعلان الفوقي عن القبول الشكلي بالأخر.
 
تلعب التربية التنظيمية الصارمة، دورًا في تنشئة جيل ذو رؤية أحادية ومغلقة للحياة، تصور مطلق تمتزج فيه شحنة العقيدة بالموقف السياسي؛ فينتج لنا بشر لا يكادون يتصورون وجود أي رأي سليم خارج موقف الحزب والجماعة. وهكذا ، حين يركز المرء على نقد ما يعتقد بعدم صوابيته؛ يعجز عن رؤية الخطأ فيما يؤمن بصوابه. ذلك أن محاولة تدمير فكرة الأخر، تؤدي دورا في تعزيز فكرتنا عن أنفسنا وبشكل يُجردك من أي إمكانية الشك بها.
 
يحتاج الإصلاح، لتخفيف هذا السلوك التربوي الحاد، على الأقل فيما يخص الجانب السياسي، يحتاج لتطعيم منهجه بكتب فكرية تُفسح مساحة للأخر، تُعلم أنصارهم الشك بأكثر المسلمات ثباتا وإطلاقية. يحتاح أن يرسخ لديهم قناعة مركزية بإن الشك جزء من الإيمان، وليس نقيضًا له بالضرورة.
 
ليس هذا العنف سلوك باعث للتباهي، ولا يعكس تلاحمًا تنظيميًا صحيًا، ذلك أن المنطق السليم والسلوك المدعوم بقوة الحجة، لا يحتاج لشحنة عاطفية إضافية لحراسته، وحدها المواقف المهتزة، تستدعي عاطفة ملتهبة لتعويض النقص في متانتها.
 
بالأخير : لا يتبقى مسافة فكرية كبيرة، بين منطق الكنيسة والرهبان في القرون الوسطى وبين منطق تنظيم مدني، يصرخ كل يوم: أهلًا بالرأي المضاد، ثم يحتشد العشرات والمئات من أنصاره، للتبليغ بصفحة ناشط، كتب منشورًا يعترضهم فيه. لا أقول أن الحزب يفعل ذلك أو أنه شديد الانغلاق بهذه الصورة، فهو بالطبع قطع شوطًا جيدا في التحديث واستعداده للشراكة المدنية عالية؛ لكنه يظل مسؤولًا عن تلك الطاقة العنيفة في قواعده، وعليه خفضها بكل الطرق الممكنة.
 
شخصيًا، في اللحظة التي يزعجني فيها قول الأخر، حتى لو كان قولًا مستفزًا، في هذه اللحظة أشك فيها بمتانة فكرتي، وأتوقف طويلا مع هذا الرأي المستفز وبما يمكنني من التعاطي معه بهدوء، تفكيكه والرد عليه أو حتى التسليم به متى تلمست منطقًا فيه. نحن ننمو بهذا التدافع الحر للأفكار، بدون هذا يتعطل الوعي وينمو بشكل متطرف وصولًا للقطيعة أو الدم.
 
*هاتوا شكاويكم يا شباب، كل من تعرض للتنمر من قبل الإصلاحيين، يطرح مظلمته هنا، كي لا يكون حديثنا عنهم تهمًا عمومية مشاعة في الفضاء دون تدليل واقعي.
 

التعليقات