منذ سبع سنوات ونحن نطالب المنظمات الأممية بالانتقال إلى عدن كعاصمة لكل اليمنيين وتعتذر بحجة انعدام الأمن وكلما مضى أسبوع يصرّ قطاع الطرق وعصابات الاغتيالات على صبغها بمدينة الفوضى والانفلات الأمني وآخرها محاولة اغتيال أكبر عقل أكاديمي ورمز قدم حياته كلها من أجل أبناء عدن ورفض كل المغريات من الشرق والغرب ليخدم مدينته التي نشأ وترعرع فيها هو البرفسور محمد عقلان نائب رئيس جامعة عدن للدراسات العليا.
إن محاولة اغتيال الهامة الأكاديمية سببت الهلع في الأوساط الأكاديمية وسارعت كل الجامعات في عدن ومختلف المحافظات باستنكار هذه الحادثة المروعة التي تكشف مدى حقد الجماعات المسلحة على مشاعل النور في عدن..
البرفسور محمد عقلان الذي أحبه أبناء عدن وبادلهم الوفاء .. حصل على المرتبة الأولى في جمهورية اليمن الديموقراطية في الثانوية العامة ثم ابتُعث إلى ألمانيا لدراسة الطب وعاد بشهادة الدكتوراه بامتياز .. عاد إلى عدن ورفض كل العروض المقدمة من أكبر الجامعات الأكاديمية في ألمانيا .. نعم عاد ليخدم مدينته وأهله فتعين رئيسًا لمستشفى عدن ورفض فتح عيادة خاصة به لأنه نذر نفسه وجهده وعلمه لأهله.. عمل وكيلاً للصحة في عدن ورفض كل المغريات التي قدمها صالح وحين انتقل إلى المجال الأكاديمي سلم شقته وسيارته وكل عهدته ليخرج من الوزارة كما دخلها .. حصل ذات مرة على مكافأة من منظمة ألمانية قدرها 200 ألف دولار للأبحاث التي قدمها حين كان رئيسًا لمشفى عدن ورفض استلامها وأثث بها قسماً طبيًا متكاملاً .. سيخبركم عنه جيرانه وزملائه الذين عرفوا نزاهته وطيبته وسمو روحه النقية ..
سألته ذات مرة لماذا لم تفتح عيادة وشهرتك في كل أرجاء اليمن، ومرتبات الطبيب لا تفي بمتطلبات الحياة في الوقت الحالي.. فرد بقناعة: تكفي.. تكفي إذا اقتصدنا واستغنينا عن بعض الكماليات .. وأنا طبيب .. والطب مهنة إنسانية سامية.. والعيادة تحتاج إلى عقل تجاري وقد تؤثر على حبي وشغفي بمهنتي.. فأنا إما أن أعمل جراحًا ومداويا للمرضى البسطاء في المشافي الحكومية أو أن أعلم الطلاب هذه المهنة .. وها هم اليوم طلابه ينقذوه بعد أن كادت رصاصات الغدر تخطفه منا لولا لطف الله .. وحب الناس له إذ تسابقوا لإنقاذه إلى أقرب مستشفى .. وفرّ القتلة والمجرمون الذين لن يفتلوا من العقاب بإذن الله.
ترى المنظمات بأن عدن تلك المدينة المدنية التي كان يعلو فيها القانون ويسودها الأمن والاستقرار قد خفت شعاعها .. ولم تعد مدينة لأبنائها بل تحولت إلى مرتعٍ للفوضى ومع كل بارقة فجر حادثة ترعب أهلها وما بين حادثة وأخرى فجوة كبيرة وهالة رعب تبثها عصابات الموت والارتزاق واللصوص وقطاع الطرق القادمين من خلف أسوار التاريخ لتشويه مدينة السلام والمحبة.
صبغة مناطقية رخيصة تضيق حتى بالمفكرين .. ظلاميون يكرهون التنوير .. وعصابات إجرامية خبيثة لا تأوي غير المجرمين وتدعي حب عدن ..
لكن ثمة شباب أنقياء في عدن الحبيبة يعملون ليل نهار من أجل عدن وأبناء عدن ويسعون بكل صدق إلى تطبيب جراحها ونشر الطمأنينة والسكنية رافضين لكل هذا العبث وسينتصرون بروح السلام ..
وتبقى الأسئلة المفتوحة.. لماذا كل هذه الفوضى في عدن؟ ومن هي الجهات التي تريد نشر الفوضى في عدن لتعطيلها كأهم مركز تجاري لموقعها الاستراتيجي الهام في الشرق الأوسط.. ومتى تتوقف هذه الأموال القذرة التي تغذي الفوضى والإرهاب ؟!
ومتى يتنفس الناس في عدن وينعمون بالاستقرار ؟ ومن هي الأيادي الآثمة التي ترتهن لعصبات الإرهاب الدولي وتستغل طيبة أهل عدن لتحولها إلى غابة سوداء لا يقطنها إلا المفسدين ؟