هذا هو السؤال المحوري لدى الكثير من أبناء اليمن ومحبيه، يورد إجابته المؤرخ العراقي الكبير الدكتور جواد علي في كتابه المفصل، بعدما غاص لسنوات عدة في تفاصيل نقوش وآثار وتاريخ اليمن القديم.
في النص القليل الكلمات خلاصة فلسفية كبيرة ونادرة لأهم أسباب ضياع حضارتنا، و!ن لم يشمل كل الأسباب الأخرى.الا انه السبب الاهم.
يقول د.جواد علي في المجلد الرابع الصفحة 70 وما بعدها ما نصه:
(وتاريخ هذا العهد هو تأريخ مضطرب قلق، نرى "الشرح يحضب" يلقب نفسه فيه بـ"ملك سبأ وذي ريدان"، ثم نرى خصمًا له يلقب نفسه باللقب نفسه، مما يدل على وجود خصومة ونزاع واختلاف على العرش، لا اتفاق وائتلاف. ثم نجد كتابات أخرى تدين بالولاء لـ"الشرح يحضب" ولخصمه معًا, وفي وقت واحد، وفي كتابة واحدة، وهو مما يشير ويدل على وجود اتفاق وائتلاف. وهذه الكتابات تزيد من متاعب المؤرخ وتجعل من الصعب عليه التوصل إلى نتائج تأريخية مرضية مقنعة.
.
وترينا كتابات هذا العهد أن الوضع كان (قلقًا مضطربًا), وأن حروبًا متوالية كانت تقع في تلك الأيام، لا تنتهي حرب إلا وتليها حرب أخرى, وأن (المنتصر في الحرب كان كالخاسر) , فهو ينتصر في حرب ثم يخسر في حرب أخرى؛ وذلك لأن كفاءات مؤججي تلك الحروب كانت في مستوى واحد. ولهذا كان الخاسر فيها لا يلبث أن يعود بسرعة فيقف على رجليه, يحمل سيفه ليحارب من جديد, حتى (كادت الحروب تصير هواية)، أو لعبة مألوفة، أما (الخاسر الوحيد فهو: الشعب), أي: الناس المساكين التابعون لحكامهم، الذين يكونون السواد، لكنه سواد لا رأي له في حكم ما ولا كلمة, يساق من حرب إلى حرب، فيسمع ويطيع؛ لعدم وجود قوة له تمكنه من الامتناع.
.
والمتشاجرون البارزون في تلك المعارك والحروب، هم سادات "همدان"، وسادات حمير، أصحاب "ريدان"، وسادات حضرموت وقتبان، وأقيال وأذواء وأصحاب أطماع وطموح، أرادوا (اقتناص الفرص لتوسيع نفوذهم)، واصطياد الحكم وانتزاعه من الجالسين على عرشه. ووضعٌ مثل هذا، أضعف العربية الجنوبية بالطبع، وأطمع الحبش فيها، حتى صيرهم طرفًا آخر في النزاع، وفريقًا عركًا قويًّا من فرق اللعب بالسيوف في ميدان العربية الجنوبية، يلعب مع هذا الفريق ثم يلعب مع فريق آخر، ضد الفرق الأخرى, وغايته من لعبه التغلب على كل الفرق وتصفيتها؛ ليلعب وحده في ميادين تلك البلاد. لذلك نجد أخبار تدخل الحبشة في شئون هذا العهد وفي العهد الذي جاء بعده، بارزة واضحة مكتوبة في كتابات أهل العربية الجنوبية, ومكتوبة في بعض كتابات الحبش.
.
وقد أصاب هذا النزاع العربية الجنوبية بأسوأ النتائج، فهدمت مدن، وخربت قرى، وتحولت مزارع كانت خضراء يانعة إلى صحارى مجدبة عبوسة.
وتأثر اقتصاد البلاد باستمرار الحروب، وبهروب الناس من مواطنهم ومن مراكز عملهم إلى مواطن بعيدة؛ فتوقفت الأعمال، وسادت الفتن والفوضى. وقد كان المأمول تحسن الأوضاع بعد توسع ملك مملكة سبأ واندماج الإمارات وحكومات المدن فيها وانتقال السلطة إلى ملك واحد ذي ملك واسع، إلا أن هذا التنافس الشديد الذي أثاره المتنافسون على عرش المملكة، أفسد كل فائدة كانت ترجى من هذا التطور السياسي الخطير الذي طرأ على نظام الحكم في العربية السعيدة.) انتهى كلام د.جواد علي.
وما أشبه الليلة بالبارحة
وشر البلية ما يضحك!!