كانت اليمن توصف بالسعيدة على مر العصور وتوالي الحضارات، بل وبلد الفقه والعلماء. لكن الأحوال لا تدوم للسعيدة أن تبقى سعيدة، ذلك أن الصراع المذهبي كان حجر الأساس في التكتلات والحرب والاحتراب منذ وصل يحيى بن الحسين الرسي الزيدى من الرس التي هي من أعمال المدينة المنورة وأسس مذهب الزيدية الذي تحول لعدة دعاة، فكانت هناك أكثر من زيدية وهم وفق موسوعةالويكيبديا: المطرفية، السالمية، القاسمية، المؤيدية، الصالحية، البترية، السليمانية، الناصرية، الجارودية، الحريرية، الهادوية) ومع هذا ساد التعايش بين المتمذهبين زيدية وشافعية، وكما رأيت في الجامع الكبير في صنعاء الناس يصلون خلف بعضهم.
زرت اليمن عام 1406هـ رفقة الدكتور عبدالله الحديثي رجل الأعمال المعروف والزميل عبد الله محمد آل الشيخ، وكان المضيف لنا رجل أعمال يمني وزعيم عشيرة تعرفنا من خلال تجولنا في صنعاء وأسواقها وسد مأرب وحجة التي تسمى القاهرة وهي قلعة من الحجر على قمة جبل، حيث يحبس فيه الإمام رهائن من اليمنيين حتى لا يعارضه أحد من القبائل، فكان اسم القاهرة متولد من القهر والحبس وتقييد الحرية والإرهاب الإمامي من أجل البقاء في السلطة الدينية والمدنية.
والحال اليوم وقد زال الحكم الإمامي الكهنوتي واستقرت اليمن سياسيًّا بعد عدة انقلابات عسكرية، عاش اليمن طوال حكم عبد الله على صالح فترة قامت فيها أحزاب عدة وصحف متعددة، وتوقفت مطامع كانت تضمر لبلادنا عداوات تنتهي بالانتصار عسكريًّا وسياسيّا من خلال تعامل القيادات السعودية المتتالية من الملك المؤسس عبدالعزيز رحمه الله ومن خلفه من القيادات حتى عهد الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان أذكر أن رئيس وزراء سابق ووزيرا للمواصلات ومعه وزير الأشغال زارا بلادنا وقاما بزيارة ومقابلة الأمير سلطان رحمه الله وكنت في معية وزير المواصلات حسين المنصوري رحمه الله والدكتور ناصر السلوم سلمه الله.
رحب الأمير سلطان بالوزيرين وبدأت جلسة ورد الوزير الذي كان رئيس وزراء سابق، ما تقدموه يا أخ سلطان هذا واجب عليكم ولا نطلب بل أنتم تعطون وهذا هو الواجب رد الأمير اسمع يا أخ عبد الله الكرشمي لقد عاصرت اليمن سلمًا وحربًا، ونعرف متى نقوم بالواجب والمملكة يسعدها أن تقدم كل عون لليمن دون منة لأن اليمن عمق لنا. ما يحصل اليوم في اليمن من عودة الحكم الكهنوتي من خلال الحوثيين هو انتكاسة لليمن في كل المسارات والخسارة لكل ما تحقق من اعمال وإنماء كان لبلادنا اليد الطولى في الدعم والمساعدة في بناء الطرق والمطارات والمدارس والمشافي كما كان ذلك حال دولة الإمارات العربية المتحدة، وكنت حاضرا تدشين الشيخ زايد رحمه الله تعمير سد مأرب.
وصف عالم الآثار المصري الدكتور أحمد فخري حال اليمن وفق ما قال الثعالبي: (اليمن جوهرة في يد فحام) وقد أحسن الصديق الزميل الإعلامي البارز تركي الدخيل ثم السفير حاليا، وصفا موسعا لليمن من خلال حوارات له في قناة العربية عام 2007م حيث سجل تلك الحوارات مع أربعة من رموز اليمن وهم د. عبد العزيز المقالح، عبد المجيد الريمي، الحبيب الجفري وأبو جندل. ناصر البحري الحارس الشخصي لأسامة بن لادن- وهما وبن لادن من مواليد السعودية، والدكتورة أمل الباشا، حيث أصدر الاستاذ تركي الدخيل كتابه وسماه: جوهرة في يد فحام – رحلات ومقابلات صحافية في اليمن السعيد وأنقل هنا وصفًا لليمن وأحواله اليوم كما كان قبل ربع قرن:
(المقلق في اليمن، أنه البقعة التي تمد الأمم بالطاقة، ولا تستطيع انعاش نفسها، لهذا بقيت الدولة الأكثر إثراءً، والأقل ثراءً، مع إنها ذات طبيعة غنية وساحرة. كان باستطاعة المجتمع اليمني الخروج من شبح الفقر، عبر فرص كثيرة، ولولا التوتر السياسي، الذي لم يهدأ حتى اليوم، فمعادلة «الاتصال والانفصال»بين اليمنين تؤرق كل المتابعين. واليوم يسهم التمرد الحوثيين في بعثرة أوراق السلطة وإرهاق الأمن الاجتماعي، وإعادة شبح الكوارث مع مئات الألوف من المهاجرين داخل بلادهم).
*نقلا عن صحيفة الوطن السعودية.