مقبل نصر غالب

مقبل نصر غالب

كاتب وأديب وشاعر يمني

كل الكتابات
كنتُ وكانت تعز (5)
السبت, 09 أبريل, 2022 - 01:47 صباحاً

مقبل نصر في حلقته الخامسة يتحدث عن: إنشاء منتزه تعز وأول انتخابات نيابية وقدوم البيحاني من عدن ونصائح النعمان وسجن يوسف الشحاري وجدل إنشاء البنك المركزي
 
مطلع السبعينيات، فصلت عزلتنا (جبل أيفوع أسفل) عن مديرية مذيخرة التابعة حاليا لمحافظة إب، وجرى ضمها إداريا إلى ناحية السلام شرعب، وهي مديرية جديدة استحدثت، تجمع عزلا من العدين وشرعب والمخلاف، وتعز أقرب لنا من إب، حيث المسافة بين قريتي (وادي كحال)، وتعز، حوالي 40 كم، كنا نمشيها عشر ساعات على الأقدام.
 
الطريق التي شقت أيام الإمام، باتجاه مذيخرة، كانت توفر لنا نصف المسافة والزمن لمن يملك أجرة الركوب، وأذكر أن والدي، رحمه الله، مشي عليها في 1958م، أثناء عودتنا من عدن، وأنا طفل صغير لا يتجاوز عمري الخامسة، وفضل أن أكون مع القافلة على حمار يوصلني إلى القرية مباشرة، ولا تعب المشي معه خمس ساعات في جبال وعرة.
 
أما الطريق التي شقت من تعز، إلى مركز ناحية السلام شرعب، وفرت لنا ثمان ساعات، فلا نمشي غير ساعتين إلى القرية، وقد تعودنا عليها، ومشيت عليها أنا وخالي "أحمد"، حيث جاء خالي من عدن هو وزوجته الحضرمية العظيمة وابنه الوحيد "نبيل"، ورافقتهما من تعز، وكانت الجرافة لازالت في منطقة النجدين، ولم تصل مركز الناحية.
 
وتنقلنا عليها ذهابا وإيابا، طوال عام 1969، ثم جرى شق طريق تعز وادي نخلة، لنمشي ساعة واحدة، للقرية، ثم شقت طريق أخرى من نخلة إلى سوق الجمعة، وكنا نمشي ربع ساعة إلى القرية، وفي سوق الجمعة اشتغل معلم واحد وهو درهم قاسم علي، لتدريس جميع المواد عدة سنوات، ومن ضمن طلابه أخي "غالب"، فلما تم ضمها إلى تعز، تأسست مدرسة كاملة.
 
كان عام 1970، حافل بالمنجزات التربوية، حيث المعاهد الأولية تشتغل في إعداد معلمين، وكانت ثلاث سنوات بعد الابتدائية، ولاعتبارات عديدة كان التعليم ممتازا، فالطالب مجتهد والمعلم مجتهد، ومن الصعب أن تجد طالبا تخرج من الابتدائية يخطئ في الإملاء أو القراءة، كان عيبا ونشازا، والجميع يساعده على تلافي الأخطاء النحوية والإملائية، وكان خريج الابتدائية يستطيع تدريس ما دونه وخريج الثانوية كفاءة غير عادية، وكانت أجسام الطلاب كبيرة أيضا.
 
ولهذا كانت هناك إشارات وبشارات تسوق عبر القوى التقدمية، أنه سيتم الاستغناء عن التربويين من مخرجات زبيد وجبلة والمدرسة الشمسية والعلمية ودار الحديث، ولن تقبل الخدمة المدنية، غير المؤهلات العلمية الحديثة، وفق السلم التعليمي المعروف، ابتدائي، إعدادي، ثانوي.
 
وتردد أيضا أن أي معادلة لهذه الشهادات ستكون جامدة بلا بدلات في الراتب، ولا علاوات ولا ترقيات، وربما الاستغناء عنهم، ما جعل الأساتذة العلماء والفقهاء يتقدمون لامتحان الثانوية العامة قسم أدبي، كلهم جملة واحدة.
 
وما أجمل مذاكرتهم وهم يلتقون العصر في ديوان خالد محمد سعيد، ويأتي ياسين عبدالعزيز، يشرح لهم كتاب التوحيد الذي ألفه الشيخ عبدالمجيد عزيز الزنداني، لأن فيه مواد علمية، ومحمد حسن قائد (صديق ياسين)، يشرح لهم المواد الفلسفية، وإسماعيل مسعود، في اللغة الانجليزية، رغم أنها لم تكن متطلبا أساسيا، يمكن أن ينجح الطالب بالمجموع بدونها، وهذا النظام كان معمول به في عدن أيضا، ونجحوا، والعام الذي يليه انتسبوا إلى كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء، وكنت أنوب عن بعضهم في خطبة الجمعة، عند الذهاب إلى صنعاء، لأداء الامتحان حتى يعود، وحصلوا على الشهادة الجامعية، وبعضهم أكمل دراسات عليا فيما بعد.
 
أما الشباب الذين تولوا أعمالا بعد الثانوية، حصلوا على منح إلى الخارج، وتم تعيين بدلاء عنهم، ومنهم عبدالله سعيد الذي تعين سكرتيرا للمدير العام في مكتب التربية، وقائد علي العديني، في مدرسة الثورة الابتدائية، وأحمد ذياب غانم، في مدرسة ناصر، وأحمد ناصر، في مدرسة الصديق.
 
حكاية منتزه تعز
 
في هذا العام (1970)، جرى تعيين عبدالملك الطيب محافظا لمحافظة تعز، وعبدالسلام العنسي، وكيلا للمحافظة، وقد اختلف المحافظ، مع التيار التقدمي حول منتزه تعز، فأعلنها ثورة مدوية في ميدان الشهداء، بمناسبة عيد الثورة، بأن المنتزه بني من ضريبة التعاون لعدة سنوات بمليار ريال، كان المبلغ كافيا لبناء مائة مدرسة مكتملة في محافظة تعز أو ثلاثين مستشفي بكل معداتها، أو عشرة مصانع عملاقة، أو سفلتة كل شوارع تعز، وشق الطرق إلى كل ناحية، والمجاري، لكنهم لم يجدوا غير بناء مسرح ومسبح وكازينو للرذيلة!
 
قطعوا عليه الميكرفون في المنصة، فتقدم نحو الجماهير ورفع صوته، ونحن بدورنا نظمنا مسيرة نحو المنتزه ودخلناه، فذهلنا من الصرح الشامخ، والمبنى الباذخ، والمسبح الراسخ، والحدائق الغناء والورود، فقال الشيخ عمر، لا تلمسوا شيئا، يبقى منجز وطني، وما يهمنا هو عدم فتح المرقص والبار، الذي كان يقال إنه قيد الإنشاء، أما السينما فمعنا ثلاث سينمات في تعز منافسات لها وأرخص.
 
ثم جرى الوضوء وصلاة الظهر في صرح المنتزه، ورجعنا بيوتنا ومازلنا في ذهول، كيف أن هذا الترف مبكر جدا في دولة تفتقر للبنية التحتية كاملة وأساسيات التنمية.
 
وفي الصيف، نظمت التربية، دورات تدريبية للمعلمين والمديرين من محافظات تعز وإب والحديدة، بالتعاون مع منظمة دولية، وتم التكفل بالإقامة، والغذاء، والسكن، والتنقل.
 
وحدث إنشاء أول معهد أهلي معترف به من وزارة التربية، ومعترف بشهاداته، وكان يتبع الأستاذ التربوي القدير عبدالله عبدالعزيز المجاهد، وشكلت عدة لجان، وفي لجنة الشباب تم تكليفي بالتنسيق والمتابعة في إدارة الندوات.
 
ومن الشباب الممتازين، أحمد قائد الحداد، حمود الصلوي، عادل عبدالوهاب العريقي، ثابت العريقي، داوود عبدالملك الحدابي، مطهر الحدابي، صادق الشميري، أحمد ناجي أحمد، عبد الكافي الجرافي، محمد علي البتول.
 
وفي هذا العام، انتقلنا للدراسة في مدرسة الشعب الصناعية الإعدادية، وكانت تسمى صناعية لأننا كنا ندرس ونطبق فيها حصتين نجارة وحصتين حدادة، والمدرسون من روسيا، والمترجم روسي.
 
مشروع التغذية كان يوزع لكل طالب كأس حليب وساندويتش إلى الفصول الدراسية، والمدرسة كانت روعة في النظافة والحدائق والفصول.
 
درسنا مادة التربية الإسلامية الأستاذ محمد الغالبي، أمين مكتبة المركز الإسلامي، وهو شقيق حسن الغالبي، إمام وخطيب جامع البخاري، كانت المحافظة تعهد إليه بتوزيع مساعدات القمح للفقراء والمساكين من مدافن "الحدبة".
 
واستقبلنا دفعة من المدرسين العراقيين، في عدة مواد، كان بعضهم يقضي نصف الحصة في مدح العراق والمبالغة في منجزاته إلى درجة مضحكة، ونقد التخلف في اليمن، ومسبباته البورجوازية والإقطاع والرجعية، ونحن نركز على المادة الدراسية، وكان لهم المركز الثقافي العراقي، يقوم بأنشطة في هذا المجال، لا يختلف عن المركز الثقافي السوفييتي.
 
أول انتخابات نيابية
 
عاشت تعز، زخم أول انتخابات للمجلس النيابي، وفق الدستور الدائم، وكانت المنافسة على مقعدين في البرلمان، جاء الظهر وقد مالت الكفة لصالح عمر أحمد سيف، والناصري عبده نعمان عطاء، ففقد التيار التقدمي الثوري أعصابه، وخرج بمكبرات الصوت يجوب الشوارع بالسيارات والصراخ، ويستحلفون المواطنين أن لا ينتخبوا عملاء الرجعية والامبريالية، ولا يدوسون على دماء الشهداء، "انتخبوا ممثلكم الثوري عزالدين ياسين خير من يمثلكم".
 
فاز الشيخ عمر، وعبده نعمان، وعلى الشيخ عمر، أن ينتقل إلى صنعاء، في 1971م، ويفارق تعز، ويورث منبر الجامع وإمامته ابنه الأكبر أحمد عمر.
 
وقد ترك ثغرة في غيابه لم يسدها غير الشيخ العلامة المجتهد المؤلف الشاعر محمد بن سالم البيحاني، حيث نزح من عدن، ضمن النزوح المتواصل، وترك جامع العسقلاني في عدن، والمعهد الإسلامي.
 
واحتفلنا به احتفالا يليق به، وأنا كنت قد عرفت مكانته من عدن، وخطب الجمعة التي كانت تبثها إذاعة عدن، والناس يتابعون خطبه ويعملون بفتاويه.
 
وخرج ضمن هذا النزوح، والدي، رغم أنه لم يكن برجوازيا، لكنه يبيع الفواكه، وقد تم منع استيرادها من الخارج.
 
وكدت أترك الدراسة للبحث عن عمل، للقيام بشؤون الأسرة، فتدخل الأستاذ خالد محمد سعيد، ووظف الوالد حارسا لمدرسة تحفيظ القرآن الكريم، وعمل لي عقد عمل، للتدريس في الفترة المسائية، في مدرسة معاذ بن جبل.
 
أحمد محمد نعمان رئيسا للحكومة
 
تولى رئاسة الوزراء الصانع الأول لقضية الأحرار الأستاذ أحمد محمد نعمان، وأول قرار اتخذه أن يكون الدوام فترتين، صباح ومساء، ومنع تناول القات أثناء الدوام الرسمي.
 
قبله محسن العيني، قرر تحريم القات على موظفي الدولة، ولم يستطع تنفيذه لعدم قدرته مراقبة منازل كل الموظفين.
 
قدم النعمان، برنامجه السياسي إلى مجلس الشورى، بإعلان إفلاس الدولة، وأن الدولة عليها ديون مليار ريال، ولم تكن مديونة أيام الإمام، ولا يريد إرهاق كاهل الأجيال القادمة بديون جديدة ليست استثمارية، وطالب المواطنين بالتبرع للدولة وتقليص النفقات إلى أقصى حد، ولذلك قال عبدالله هاشم الكبسي:
 
فيني بقايا إحساس
شانزنزه بالوسواس
واخرج أصيح بين الناس
معلن قرار الإفلاس
 
رحلتي إلى صنعاء
 
في صيف 1971م، رشحني مكتب التربية لحضور دورة تدريبية في صنعاء، لمعلمي التربية الإسلامية، لأن الدورات في تعز عامة مخصصة للمواد، وهو أول صيف تخليت فيه عن الزراعة، حيث كنت استغل الصيف في القرية للزراعة، والسلوق، وتعهد الزرع، وبناء الجدران التي هدمها السيول.
 
استمتعت برحلتي على باص الخطوط البرية، والفطور في مطعم بسباس في إب، وصعود الجبال الشاهقة والغبار المتطاير من جانبي الباص وخلفه، حيث الطريق لم تسفلت بعد.
 
وصلت صنعاء الساعة الحادية عشرة، توجهت الوزارة فورا إلى شعبة العلوم الإسلامية التي كان يديرها عبدالمجيد الزنداني، استلم مني إرسال المكتب وعمل لي رسالة إلى إدارة الدورة التدريبية في المدرسة الفنية، وفيها سكن المتدربين والغذاء والتدريب، المتدربون من كل المحافظات عدا تعز وإب والحديدة دوراتها في تعز.
 
وفي صنعاء شعب متخصصة في كل مادة في الإعدادية والثانوية، غير شعبة التربية الإسلامية، وفيها مختصون في المواد من تعز والحديدة وإب، في شعبة العلوم الإسلامية يحاضر فيها عدد من مؤلفي كتب التربية الإسلامية، كل في مؤلفه، فالزنداني، يدربنا في التوحيد وطرق تدريسه في الصفوف الإعدادية، والأستاذ حسن الذاري مؤلف السيرة النبوية يدرسنا علم النفس الإسلامي من كتاب محمد قطب (شقيق سيد قطب)، دراسات في النفس الإنسانية، والأستاذ حسن جابر، في الفكر الإسلامي وخطورة بروتوكولات حكماء صهيون، ويحيى محسن الحمزي، في التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية.
 
تعرفت على العلامة أحمد بن أحمد سلامة، إمام وخطيب الجامع الكبير، لأول مرة، وهو مشارك في تأليف كتب الفقه، وتعرفت على المقدم أحمد الأكوع، إمام وخطيب جامع السلام، وكان الزنداني، إمام وخطيب جامع قبة المهدي، وتعرفت على الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، لأول مرة، وأمين عام مجلس الشورى عبدالسلام خالد كرمان.
 
افتتح الدورة التدريبية رئيس الوزراء أحمد محمد نعمان، وترجانا ألا نعامل طلابنا كما عامله أساتذته في زبيد، قال كان الأستاذ (يغطه عشر غطات) حتى يكاد يهلكه ويقول له اقرأ، ولا يعلمه ماذا يقرأ كما فعل جبريل.
 
وأنه لازم نفتخر اليوم أن معنا 60 مدرسة في اليمن، هذا إنجاز غير عادي، واليوم 400 معلم يمني في هذه الدورة التدريبية وحدها، غير عددهم في دورة تعز، وغير الذين لم تشملهم الدورات، وعليكم أن تتحملوا إذا تأخر الراتب إلى الشهر التالي في سبيل الوطن.
 
أما الوزير أحمد جابر عفيف، وعدنا بأن الكتب المدرسية عما قريب ستكون يمنية خالصة في جميع المواد، وانتهى الحفل، وبدأنا التدريب بشوق واهتمام، وكان معنا الطالب محمد المؤيد، طالب نشيط وخفيف دم، يمر على المنامات كلها وقت أذان الفجر لإيقاظ الجميع للصلاة.
 
كان مدير التربية في محافظة صنعاء الأستاذ أحمد بن أحمد هاشم الشهاري، هو مدير الدورة التدريبية، ونائبه الأستاذ محمد عبدالله الشامي مدير المدرسة الفنية.
 
استخدمت خبرتي في تنسيق الندوات في تعز، فقمت بتنسيق ومتابعة قيام ندوات أسبوعية للمتدربين بعد صلاة المغرب، بنفس التنظيم التعزي، وأحضرت العلماء للمحاضرات، والنقاش بعدها.
 
الزنداني ورسالة التهديد
 
في إحدى الندوات، طالت المناقشة مع الزنداني، فطلب سريرا للمبيت في المدرسة، فسألته هل المتر "الدراجة النارية" حقك بدون بترول؟ فقال لا، بل تلقيت رسالة تهديد (إذا واصلت الخطب في المسجد عن الماسونية فلا تلومن إلا نفسك)، وأن أفضل وقت لاصطياده الآن حيث باب النهرين مظلم إلى باب بيته.
 
كلمت الشيخ عمر أحمد سيف، اليوم الثاني، فطلب مني أن أدله على بيت الزنداني، فذهبت معه، وصل يظهر الفرح (مرحبا بالشهادة، وهل هناك أجمل من الشهادة؟ دعني أخطب بدلك وليقتلوني أنا)، فقال الزنداني من باب خذوا حذركم، سنشكل وفدا إلى رئيس المجلس الجمهوري، نقنعه يحدد حارسين لكل عالم، رد الشيخ عمر (يحرسك ويحرسنا الله وإذا أراد لك القتل سيقتلك حارسك، نحن مع الله ولا نخاف أحدا من خلقه).
 
في الشهر الثاني من الدورة التدريبية، تأخر صرف مبلغ المنظمة (خمسون ريالا في الشهر)، فاحتجينا وقلنا: سكتنا على تأخر راتب الوزارة بسبب إفلاس الدولة، أما إكرامية المنظمة لا نقبل تأخيرها وسوف نعمل إضراب عن التدريب.
 
جاء وزير التربية أحمد جابر عفيف، في العصر، ومعه طقم عسكري، وقال (تهددونا بالإضراب، من أنتم؟ هل أنتم عمال السكك الحديدية ستوقفون حركة البلاد وتخسرونا ملايين أم عمال الطيران العالمي، نخسر بإضرابكم ملايين الدولارات؟ أنتم 400 معلم، طز فيكم، سأجيب بدلكم ضعف العدد من مصر والعراق، لقد تدلعتم كثيرا وما حد يدلع تافهين، غدا سوف أجيب معي طقوم عسكرية ومن وجدناه خارج الصف التدريبي فقشنا رأسه)، اعترض واحد فقال للطقم العسكري خذوه، وثاني وثالث إلى السادس، فسكتوا كلهم، وأخذ الستة إلى سجن الرادع.
 
أنا كنت غائبا في زيارة الأستاذ عبدالملك الطيب، في منزله، حيث أهداني كتابين، الأول لعبة الأمم، والثاني الصنم الذي هوى.
 
عدتُ في المساء، شرحوا لي ما حصل، حيث تم اعتقال عبدالملك مرشد الشيباني، وداوود فتيني... الخ، قلت أنتم فعلا تافهين، لو سكتم، فجلسنا نخطط لعمل مذكرات شكوى بالوزير (كتبتها بخطي) إلى رئيس المجلس الجمهوري، وإلى رئيس الوزراء، وإلى القائد العام للقوات المسلحة الفريق حسن العمري، وإلى رئيس مجلس الشورى، وشكلنا لجانا لإيصالها، وبقية المتدربين يخرجون موكبا واحدا أمام الوزارة بانتظار الردود ولا يجلس أحد في المدرسة، حتى لا يبطش به الوزير.
 
وما إن وصلنا إلى شارع جمال، إلا وبعدنا الآلاف من الشارع، وهتافات، لا إفلاس بعد، اليوم، ولافتات رجعوا السلال يا سرق، لا ندري من كتبها ومتى كتبت؟!
 
وصلنا باب مجلس الشورى، وقد التحرير مليان متظاهرين، وزاد الطين بلة، العقيد يوسف الشحاري (نائب رئيس مجلس الشورى)، امتطى جدار المجلس يخطب في الجماهير (ليس هناك إفلاس لو خفضوا ميزانية المشايخ إلى النصف وألغوا ميزانية العاهرات في بيروت والقاهرة).
 
قتلوها وأمعنوا في البكاء
وأحالوا الربيع فصل الشتاء
كل شيك في جيبهم كان يعني
شهداء تهوي على شهداء
 
قلتُ لأصحابي خرجت من أيدينا وكبرت علينا، انسحبوا فورا، المظاهرة وصلت باب القيادة تم إطلاق الرصاص عليها وتفرقت.
 
وقد عادت اللجان حقنا بأوامر صارمة للوزير على إثر المظاهرة، وجاءوا في الليل يصرفون لنا المبلغ، وانتظمت الدورة وتم إطلاق أصحابنا ونزع الحصانة عن الشحاري، وإرساله لسجن نافع في حجة.
 
جدل على البنك المركزي
 
الشهر الثالث، وصلتنا رحلة من المتدربين في تعز، فقررنا عمل رحلة متبادلة لمن يرغب، والوزارة استجابت، جهزت الباص ولوازمه وكان معنا في الرحلة عبدالمجيد الزنداني، يتداول الميكروفون مع عمر الضرير، في الشعر والأدب والقصص، ولأول مرة أسمع قصيدة الزبيري السينية من الزنداني، وقصيدة صوت صفير البلبل من عمر الضرير.
 
وعند عودتنا من تعز، وصلنا لمنطقة كتاب مع المغرب، أوقف السائق الباص وقال انزلوا صلوا المغرب، قلنا يجوز جمع التأخير وأفتاه الزنداني بذلك، قال والله وتالله إلا تصلوها جمع تقديم، فنزلنا وصلينا جمع تقديم، والسواق لم يصلي معنا، ولما رجعنا إلى الباص، شمينا رائحة كريهة تفوح من فم السائق، فقلنا هذه بالتأكيد رائحة خمر، فأبعده الزنداني، عن القيادة، وساق الباص إلى نقيل يسلح، وما قدر يطلع بنا النقيل، يفحط، يعجز، ينطفئ عدة مرات، فقام السائق وقال ابعد يا زنداني مش كل حاجة تتفاضل فيها تصلح لك، وشغل السائق الباص وصعد النقيل، وأوصلنا إلى صنعاء، بسلامة الله.
 
في الشهر الرابع، انتهت الدورة التدريبية وقبل العودة إلى تعز، قررت أن أودع العلماء وهم مخزنين في ديوان أحمد الأكوع، مع الكتلة البرلمانية حق الإخوان، للاتفاق على رأي واحد، حول قانون البنك المركزي المطروح على مجلس الشورى.
 
الزنداني، يقول يجب أن يكون بنكا إسلاميا، وكرمان يقول لا وجود للبنوك الإسلامية، عادها نظريات في كتب، الزنداني يرد: اتق الله يا كرمان لا تكن مع العلمانيين تقودنا إلى الكفر.
 
كرمان يسأل، مع من يتعامل البنك الإسلامي الوحيد وكل العالم بنوك ربوية؟ فقال الزنداني يتعامل مع الله، فانفجر الديوان في الضحك.
 
وحسم الجدل أحد الحاضرين، بالقول إن هذا بنك دولة، يجمع الإيرادات ويصرف مرتبات أجهزة الدولة، وليس بنكا تجاريا للقروض الفردية وإيداعات أفراد.
 
اليوم الثاني ذهبت لتوديع الجمعية العلمية (الاسم الفني للإخوان)، وهناك تعرفت على شاب جديد، ساكت على طول، وهو عبدالملك منصور.
 
وجدتهم في اجتماع، برئاسة الزنداني، يناقشون قضية عزم القوات المسلحة على إنشاء نادي الضباط، وكيفية السيطرة عليه وأسلمته، فقلت لهم أنا مسافر، والقرار الذي تتخذوه بلغونا.
 
خرجت وخرج معي علامة من منطقتي، وهو أحمد مقبل بن نصر، مدرس في الحديدة، إمام وخطيب جامع وشيخ فاضل، طلب أن أرفقه إلى الحديدة، واستضافني يومين، بعدها توجهت إلى تعز، وكلي شوق لها، وللأستاذ البيحاني.
 
يتبع في الحلقة القادمة.

*خاص بالموقع بوست

التعليقات