الحرب في اليمن: نزاع داخلي أم دولي؟
الثلاثاء, 28 يونيو, 2022 - 07:10 مساءً

ينظر المجتمع الدولي إلى الأزمة في اليمن، على أنه "نزاع مسلح داخلي"، ولذا تأتي التقارير الحقوقية والدولية بمسميات تؤكد هذا الأمر، لاسيّما اللجنة الدولية للصليب الأحمر، المعنيّة بتطبيق القانون الدولي الإنساني خلال النزاعات المسلحة، والتي كان لها دورًا كبيرًا في المساهمة في الإفراج عن عدد من الأسرى والمختطفين في اليمن، أخرها الصفقة التي أعلنت عنها مطلع مايو الماضي. حيث أعلنت عن قيامها بتسهيل الإفراج عن 134 محتجزًا لدى السعودية، وعودتهم إلى مناطق إقامتهم. وكان السؤال المطروح هو: لماذا أطلقت اللجنة الدولية على المفرج عنهم "محتجزين"، ولم تطلق عليهم أسرى حرب؟ والجواب يرجع إلى تصنيف النزاع في اليمن. فبحسب وجهة نظر اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأنه "نزاع مسلح داخلي"، ومصطلح "الأسرى" يطلق في حال النزاع المسلح الدولي.
 
ومن المهم في هذا الصدد، الإشارة إلى الفرق بين النزاعات المسلحة الداخلية والدولية، من خلال ما نصت عليه اتفاقيات جنيف الأربع 1949م، والبروتوكول الملحق بها 1977. حيث يعرف "النزاع المسلح الدولي"، بأنه "الحرب العسكرية التي تندلع بين دولتين مستقلتين وجيشين نظاميين". وهذا التعريف يشير إلى أن مصطلح "النزاع المسلح الدولي" يشير إلى توافر كل حرب -لكي يطلق عليها نزاع مسلح دولي -توافر عنصرين هما: الأول العسكري، والآخر الدولي.
 
في هذا السياق، نصت المادة (2) المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع 1949م، على أن "تطبق الاتفاقيات في حالة الحرب المعلنة، أو أي اشتباك مسلح آخر، ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى ولو لم يعترف أحدهما بحالة الحرب. كما تنطبق أيضا في جميع حالات الاحتلال الجزئي، أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة. وإذا لم تكن إحدى الدول طرفا في هذه الاتفاقيات فإن دول النزاع الأطراف فيها تبقى مع ذلك ملتزمة بها في علاقاتها المتبادلة. كما أنها تلتزم بالاتفاقيات إزاء الدولة المذكورة إذا قبلت هذه الأخيرة أحكام الاتفاقيات وطبقتها".
 
وفي الوقت الذي أشارت فيه المادة (4/1) من بروتوكول جنيف الإضافي الأول لعام 1977، فقد أقرت أنواعًا أخرى من النزاعات المسلحة باعتبارها نزاعات مسلحة دولية تنطبق عليها الأحكام الواردة في اتفاقيات جنيف الأربع، وأحكام البروتوكول الإضافي الأول، وهي: النزاعات المسلحة التي تقوم بها الشعوب ضد الاستعمار، وكذا المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الأجنبي، إضافة إلى مقاومة الشعوب ضد الأنظمة العنصرية، فهذه النزاعات تدخل في إطار النزاعات الدولية.
 
أما "النزاع المسلح الداخلي" أو غير الدولي، فقد عرفتها المادة (1) من بروتوكول جنيف الثاني 1977، بأنها "النزاعات التي تدور على إقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قواته المسلحة، وقوات مسلحة منشقّة، أو جماعات نظامية مسلحة أخرى تمارس تحت قيادة مسؤولة على جزء من إقليمه من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسّقة".
 
وهذا النزاعات تنقسم إلى نزاعات مسلحة دولية، يتواجه فيها جيش الدولة النظامي مع فصائل مسلحة وطنية، ونزاعات مسلحة داخلية بين فصائل وطنية متناحرة، وعادة ما تؤدي هذه النزاعات إلى نزوح وتشريد مجموعات كبيرة من السكان المتأثرين بتلك النزاعات المسلحة، حيث تعد الصراعات المسلحة بشقيها الداخلي والدولي، واحدة من أهم أسباب النزوح واللجوء في العالم، ومنها اليمن الذي يشهد صراعا مسلحا للعام السابع على التوالي، ساهم في نزوح أكثر من 4.3 مليون شخص، وفقا لتقرير الأمم المتحدة.
 
وقد ساهمت اتفاقيات جنيف الأربع 1949م، في إعادة بلورة وتنظيم النزاعات المسلحة الداخلية، أو غير الدولية، حيث كانت قبل هذا التاريخ بعيدة عن التنظيم، ولا يحكمها أي اتفاقيات ملزمة، للحد من الانتهاكات التي تسبّبها هذه النزاعات. وجاءت اتفاقيات جنيف ووضعت مبادئ وقوانين ملزمة تحكم هذه النزاعات، حيث ألزمت المادة (3) المشتركة من اتفاقيات جنيف على كل أطراف النزاع تطبيق الحد الأدنى من مجموعة الأحكام التي تضمن مجموعة من الحقوق الأساسية للإنسان، وحظر مجموعة من الانتهاكات.
 
واشتملت الحد الأدنى من هذه الأحكام على: (1) جميع الجرحى والمرضى والغرقى وضرورة الاعتناء بهم. (2) الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض، أو الجرح، أو الاحتجاز، أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون أو الدين أو المعتقد أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل أخر. ولهذا الغرض تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن: (أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب (ب) أخذ الرهائن (ج) الاعتداء على الكرامة الشخصية وعلى الأخص المعاملة المهينة والحط بالكرامة. (د) إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلا قانونيًا، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.
 
ويرى عدد من فقهاء القانون الدولي، بأن النزاع يتصف بأنه غير دولي، إذا توافرت فيه المعايير التالية:
 
1-         أن يملك الطرف المتمرد قوة عسكرية منظمة وسلطة مسؤولة عن أعمالها، تعمل على بقعة من إقليم معين ولديها القدرة على احترام أحكام اتفاقيات جنيف، وإجبار عناصرها على ذلك.
 
2-         أن تكون الحكومة الشرعية مضطرة لاستدعاء الجيش النظامي لمحاربة المتمردين.
 
3-         أن نكون الحكومة قد اعترفت للمتمردين بصفة المحاربين، أو أنهم يدّعون أنهم محاربون، أو أن تعترف لهم الحكومة بهذا الصفة فيما يتعلق بتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني، أو إذا كان النزاع قد رفع إلى مجلس الأمن، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة على أنه نزاع يهدد الأمن والسلم الدوليين، أو يُشكّل حالة عدوان.
 
4-         أن يكون للمتمردين سلطة توافرت بها خصائص الدولة، وأن يمارس المتمردون السلطة على جزء من المواطنين في بقعة معينة من الأرض، وأن تكون قواتهم المسلحة تحت إمرة سلطة منظمة قادرة على التقيد بأعراف الحروب وقوانينها، وأن تعترف هذه السطلة بأنها مرتبطة بالأحكام الواردة في هذه الاتفاقيات.
 
بعد ذلك، جاء بروتوكول جنيف الثاني 1977 بشأن النزاعات المسلحة غير الدولية، ووسع من نطاق حماية المدنيين أثناء النزاع، بحيث تسري أحكامه على الدول الأطراف، والجماعات المسلحة المتورطة في النزاع المسلح.
 
وأخيرًا، رغم القواسم المشتركة التي قد تشير إلى أن ما يجري في اليمن صراع دولي، بحسب ما نصت عليه الاتفاقيات المذكورة آنفا من جهة، وكذا علاقة الأطراف الدولية الفاعلة في حرب اليمن من جهة أخرى، وتحديدًا السعودية وإيران؛ إلا أن المجتمع الدولي لا يزال ينظر إلى الصراع في اليمن على أنه صراع داخلي. وأيا يكن هذا الصراع داخلي أم دولي، يبقى السؤال: هل ستكون الهدنة التي تم تجديدها برعاية أممية النقطة التي ستبنى عليها عملية السلام في اليمن، بعد سبع سنوات من الحرب، بُدّدت فيها كل أحلام اليمنيين وتطلعاتهم، أم أن للأطراف الدولية رأي أخر؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
 

التعليقات