ما الذي يحدث للموانئ العربية عامة، والشرق الأوسطية خاصة؟ لماذا تحترق أو تنفجر أو تتعرض للأذى والاستهداف بشكل لم يعد خافياً على أحد؟ هل هي ظاهرة بريئة لأسباب طبيعية وإدارية، أم إن الموانئ العربية في المنطقة في خطر حقيقي، وقد كان تفجير أو انفجار مرفأ بيروت بداية اللعبة التي بدأت تطال المرافئ الواحد تلو الآخر بشكل مثير للشكوك وعلامات الاستفهام؟ لا بل إن البعض بدأ يسأل: ما هو الميناء التالي الذي سيتعرض للخطر؟ لا نريد أن ندخل في نظرية المؤامرة، لكن الأحداث التي تطال الموانئ بشكل ملحوظ تدفعنا على الأقل لطرح بعض الأسئلة دون توجيه أصابع الاتهام إلى أحد، ونترك الموضوع للنقاش والتمحيص والتفكير.
في البدء كان انفجار ميناء بيروت، الذي كان أشبه بانفجار نووي لضخامة الحادث وتأثيراته الرهيبة، فقد أدى الانفجار أو التفجير (سموه كما تشاؤون) إلى محو المرفأ التاريخي عن الخارطة تماماً، وهو أحد أعصاب الحياة في لبنان والمنطقة بشكل عام. ولا داعي لذكر الأهمية التجارية والاقتصادية الكبيرة للمرفأ المرحوم. ومازال التحقيق جارياً في أسباب الانفجار، مرة يقولون إنه انفجر بسبب حاويات الأمونيا ومرة يتهمون جهات خارجية بقصفه، ولم يتجرأ النظام اللبناني حتى على توجيه الاتهام لأي جهة خارجية. طار المرفأ وطار معه مصدر دخل هائل للبنان واللبنانيين وحتى السوريين. هل كان انفجار ميناء بيروت حدثاً منفرداً، أم إنه كان أول الغيث في لعبة كبرى لتجريد المنطقة من موانئها، أو وضعها تحت سيطرة جهات خارجية، أو أن هناك مخططاً لضرب بعض الموانئ لصالح موانئ أخرى؟
بعد مرفأ بيروت، بدأ الضرر يصيب ميناء اللاذقية السوري وهو يشكل أيضاً ليس مصدر دخل عظيم لسوريا، بل كمرفأ بيروت يتمتع بأهمية استراتيجية في المنطقة، وهو من الموانئ المبنية بمحاذاة مياه عميقة، وهو بذلك يكون من أفضل أنواع الموانئ لأن البواخر والسفن العملاقة تستطيع أن ترسو على الشاطئ تماماً. ولا ننسى أن ميناء طرطوس السوري أصبح الآن تحت سيطرة روسيا بموجب صفقة بين النظام والروس كثمن للتدخل الروسي في سوريا وحماية النظام.
وقبل أيام، وبالرغم من وجود سابقة خطيرة في بيروت تحتم على بقية الموانئ العربية الاتعاظ بها وعدم تكرارها، إلا أن ميناء العقبة الأردني تعرض إلى حادثة كبرى أدت إلى مقتل بعض الأشخاص وإصابة مئات آخرين، وتسبب انفجار صهاريج مواد سامة في الميناء بأذى إعلامي وتجاري هائل للأردن والميناء، ولا ندري كيف سيتأثر الميناء وكيف ستتعامل معه شركات التأمين العالمية التي تضمن كبريات شركات الملاحة الدولية بعد الحادث المذكور من الآن فصاعداً؟ هل خرج الميناء من المعادلة؟ هل سيضعون عليه إشارة أكس؟ وكيف يعاد تأهيله تجارياً وملاحياً؟
وقبل مرافئ بيروت واللاذقية والعقبة، دعونا لا ننسى أين أصبحت بعض موانئ العراق التي تحول بعضها إلى مكب لسفن صدئة، ورافعات معطّلة، تصطف في المراسي التي كانت ذات يوم مركزاً للتجارة في العراق.
وحدث ولا حرج عن موانئ اليمن التي تتمتع بأهمية استراتيجية. أين هي الآن وما هو مصيرها وما هو مستقبلها وهل ستكون ملك اليمنيين كي لا نقول شيئاً آخر؟ هل نسمع قريباً عن انفجارات ضخمة في هذا الميناء اليمني أو ذاك بحجة الصراع الحاصل في البلاد خدمة لمصالح خارجية؟
ولو تابعت الصحافة السودانية هذه الأيام لوجدت تحذيرات كثيرة تقول: إن موانئ السودان في خطر، فميناء بورتسودان تراجعت سمعته وقدرته على منافسة بقية الموانئ، وميناء سواكن لم يعد مؤهلًا للقيام بدوره الاقتصادي بعد حوادث الحريق والغرق.
هل هناك حرب موانئ مخفية في العالم؟ هل دفع عمران خان رئيس وزراء باكستان المخلوع مثلاً ثمن تطويره موانئ البلاد وربطها بطريق الحرير والحزام الواحد الصيني؟ هل كان ذلك أحد الأسباب التي خلعته من السلطة؟ ألا تزخر منطقة شرق إفريقيا بدورها بعدد كبير من الموانئ البحريّة على طول ساحل البحر الأحمر والمحيط الهندي التي تتنافس القوى الإقليمية والدولية على استغلالها الآن كما تفعل مع بعض الموانئ العربية؟
ومن الجدير بالذكر هنا أن أربعة أخماس تجارة السلع العالمية من حيث الحجم يتم نقلها عن طريق البحر، ويتم شحن نحو 35٪ من إجمالي حجم الشحنات وأكثر من 60٪ من الشحنات ذات القيمة التجارية في حاويات.
ومن الملاحظ في الحالة العربية أن كل بلدان الربيع العربي التي آلت إلى الخراب أصبحت موانئها إما في عين العاصفة أو هدفاً للاستحواذ عليها من قبل قوى دولية وإقليمية. والسؤال الذي نطرحه أخيراً: لصالح من تحترق بعض الموانئ أو تنهار في المنطقة العربية وحتى الأفريقية؟ من هو المستفيد؟ وما هي الموانئ المرشحة لتكون في الصدارة بعد موجة الانهيارات أو التفجيرات التي تطال الموانئ العربية وغيرها؟
*نقلا عن القدس العربي.