“أول المشاهدة نفي الخاطر”
الإثنين, 08 أغسطس, 2022 - 12:04 صباحاً

الصوفية عالم رحب، يصعب الحكم على كل تياراتها ورموزها واتجاهاتها وطرقها بكلمة واحدة.
 
تاريخ التصوف سرديات وطرائق ومدارس ممتدة ابتدأت بما عرف بالتصوف السني ونماذجه عبد الله بن المبارك وسعيد ابن المسيب وتأسس على الالتزام بالقرآن والسنة واعتماد الزهد والتخوشن والذكر والعمل على تحقيق مبدأ الإحسان: إن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تره فإنه يراك”
 
وامتداداته القشيري والمحاسبي والإمام الغزالي وعبد القادر الجيلاني والذي اعتمد على الجمع بين الحقيقة والشريعة وعدها: “علما مع اجتماع وعمل مع اتباع” ويعد الجيلاني من أهم رموز التصوف السني وعلي رأس الطبقة المؤسسة الرائدة ويجيء التصوف العوفاني أو الإشراقي قبل الجيلاني بالطبع تاليا للطبقة الأولى من رموز التصوف السني ونموذجه رابعة العدوية والتي شكلت مرحلة فارقة باعتمادها لغة نسقية خاصة في التعبير عن العلاقة بالذات الإلهية تحدثت عن العشق والحب الإلهي بصورة مربكة ومجاوزة للوعي العام.
 
ليأتي إثرها ما عرف بالتصوف الفلسفي والذي جاء عبر أقطاب من ثقافات مختلفة أسهموا في إسقاط خلفياتهم على التصوف وأسهموا في إعطائه صبغة فنوصيه واضحة، ومن نماذج التصوف الفلسفي: الحلاج وابن سبعين وأبو يزيد البسطامي والسهروردي وابن عربي وابن عبد الجبار النفري وذو النون المصري وآخرين غيرهم. ومعهم بدأت المقولات الإشكالية الكبرى المثيرة للريبة وللقلق والالتباس والجدل المتواصل كالقول بوحدة الوجود والحلول والاتحاد والفناء، وانقسم المجتمع الإسلامي بين الرفض والقبول واتهم العديد منهم بالكفر والمروق والزندقة. وتعرضوا للقمع والمطاردات والمحاكمات وأحكام القتل والصلب التي بدأت بالحلاج وصولا إلى السهروردي ومن المهم هنا الإشارة إلى أن كثيرا من المتصوفة كانوا شعراء وأدباء وهو ما أتاح لهم الاختباء في اللغة حيث عملوا على إيجاد نظام تعبيري خاص بشبكة من رموز ومصطلحات لا يفهمها إلا العارفون. كما أبدعوا إشعار ونصوص عرفانية لافتة هي وحي تجلياتهم ومكابداتهم وترددهم بين الحال والمقام وما يعرض لهم من واردات ومكاشفات في الطريق. كما عملوا على صب خبراتهم ومقولات وحكمهم في جمل وعبارات آسرة مصقولة هي بعض سحرهم الباعث على الافتتان والدهشة،. وفي هذا المسار يبرز كذلك التصوف الطرائفي كما في النقشبندية والقادرية والجيلانية والشاذلية والختمية في السودان وغيرها وصولا إلى التصوف الدراويشي والذي صار محض دروشة وشعبذة وأعمال مجاذيب وهرطقة وغرق في الخرافات والممارسات الغريبة المنكرة البعيدة عن جوهر الدين وحقيقة التصوف
 
وبرغم ما شاب التصوف ومع كل الانتقادات والتحفظات والمآخذ على تياراته وتوجهاته ورموزه المختلفة، لا يسعنا إنكاره وعدم الاعتراف بما له وعليه، بأمانة وإنصاف وبعلم ورؤية شاملة ومن الطرق التي توصف بمشربها السني: الطريقة القادرية والجيلانية والعلوية رغم ما يداخلها من أداءات يعدها مخالفوهم شرقيات كزيارة الأضرحة والتبرك بالأولياء والاستغاثة وطلب المدد وهي قضايا محل خلاف والدارس المتجرد لتاريخ التصوف عموما يجد عالم هائل فيه الكثير مما يمكن الاستفادة منه وفيه كذلك الكثير مما يستدعي الانتباه واليقظة والمقاربة الواعية المعتمدة على معرفة عوالم القوم إدراك مفاتيح أسرارهم ويمكن هنا استدعاء الكثير من النماذج الملهمة التي أثرت وما زالت تؤثر في الاجيال المتعاقبة
 
لا يمكننا اعتبار كل هذا التاريخ محض مؤامرة. هذا جزء من عمرنا وخبراتنا في الطريق إلى الله. حيث “الطرائق بعدد الخلائق”
 
والصوفي آمن بقدرة الروح على الوصول بغير زاد، إذ الزاد لا يتحصل من الطريق “بحسب النفري.
 
من المهم قراءة هذا الميراث بوعي وتفهم دون خوف أو حمولات ودون أحكام مسبقة إذ إن:” أول المشاهدة نفي الخاطر “
*من حائط الكاتب على فيسبوك

التعليقات