الغرب والإرهاب
الاربعاء, 08 يونيو, 2016 - 04:54 مساءً

الإرهاب الظاهرة الوظيفة الأكثر صموداً حتى اللحظة في أداء وظيفتها رغم انكشافها الكبير والواضح أنها مجرد ظاهرة وظيفية لأداء وظيفتها المتعددة في المراقبة الأمنية على المجتمعات العربية وبقائها تحت السيطرة بغرض تفكيك المجتمعات وتشويش عقيدتها، وخلق حالة انقسام في هذه المجتمعات تسهل من ضرب روح المقاومة في الأمة لمشاريع التفكيك والإذلال.
 
لقد استطاع الغرب بكل تناقضاته وتوجهاته مع حلفائه الجدد والقدماء في المنطقة من تمرير مشروع تفكيك الأمة العربية من الداخل وضرب روح المقاومة والجهاد وتشويه هذا المفهوم وتحويله إلى تهمة يخاف منها الجميع، فيما هم مستمرون في إذلال الأمة وتفكيكها وإضعافها من الداخل من خلال مشروع الإرهاب وأدواته وتعريفاته واستخدامه وتكثير مزيد من هذه الجماعات التي يتم توظيفها في سياق مشاريع الغرب في المنطقة العربية.
 
جمعني قبل أيام بمؤتمر إقليمي في العاصمة الأردنية عمان حول مكافحة الإرهاب، بمجموعة من الخبراء الغربيين والروس، لمناقشة سبل مكافحة الإرهاب، وآلياته، وهالني حجم التسطيح و التظليل الذي يجمع عليه معظم هؤلاء الخبراء والذين وقفوا صفاً واحداً في قضية تعريف الإرهاب، الذي حصروه في قضية الأعمال التخريبية الإرهابية التي تقع في الغرب ومدنه وفقط فيما لا علاقة لهم بما يجري في المشرق العربي.
 
الأهم من هذا، طرحهم فيما يتعلق بالظاهرة الإرهابية وسبل مكافحتها وهي التي اقتصرت في حديثهم عن أشكال تقنية فنية بحتة تقوم على المراقبة الدائمة على المشتبه بهم، و الدفع باستصدار مزيد من القوانيين، لمكافحة هذه الظاهرة بعيداً عن أي قراءة حقيقية لجذور الظاهرة وأسبابها المؤدية إليها والتي لا شك أن ثمة عوامل وأسباب كثيرة سياسية واجتماعية واقتصادية لا يمكن معالجة الظاهرة بدون معالجة وتشخيص هذه الأسباب.
 
لقد هالني حجم هذه التظليل والهروب من الاعتراف بالأسباب الحقيقية للظاهرة الإرهابية التي يأتي في مقدمتها تواطؤ الغرب طويلاً مع الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي، ودعم هذه الأنظمة في قمعها لحريات الشعوب وتزييف إرادتها المكبلة بقيود عدة يأتي في مقدمتها التعاطي الأمني مع كل معارض سياسي لسياسات هذه الأنظمة المستبدة.
 
في الخلاصة، على مدى يوم كامل في المؤتمر الذي نظمته فلدريش أيبرت الألمانية، خرجت بجملة ملاحظات عن رؤية الغرب للظاهرة الإرهابية، وأولى هذه الملاحظات، هو أن الإرهاب إسلامي و إن لم يصرحوا بذلك، لأن المشروع حقق أهدافه بنجاح كبير، من خلال التطبيقات التي حدثت على الأرض وخاصة فيما بعد ثورات الربيع العربي، وتطور ظاهرة الإرهاب بهذا الشكل الذي نراه اليوم، من جماعات باتت تمتلك كل مقومات الوجود كدول بعد أن كانت مجرد جماعات وأفراد مطاردين.
 
ثانيا، الظاهرة الإرهابية خطر أمني وليست نتاج إشكال سياسي بين الشعوب وحكامها، الذين صادروا حقها في الحرية والكرامة، شاهرين سيوف القمع و الإرهاب في وجه كل من يفكر بالحديث عن حقه في حياة حرة وكريمة، ولهذا نرى استمرار التعاطي الأمني لا السياسي لمواجهة هذا الظاهرة المصطنعة والمجسمة بهذا الشكل.
 
ثالثا، الإرهاب هو منتج سني عربي بامتياز و كل ما تقوم به مليشيات الحشد الشيعي بالعراق والحوثيين باليمن وحزب الله في سوريا، فهي ليست أعمال إرهابية، لأنها تتم بموافقة ورضى ومباركة غربية، وتخدم هدف غربي واضح هو الإمعان في عقاب الشعوب العربية المطالبة بالحرية والكرامة، هذا الشعوب التي تعتبر امتداد للأمة بمفهومها الكبير لا الطائفية التي تستخدم كسلاح في يد الغرب في ضرب الأمة الشعب والمشروع والهوية الإسلامية.
 
رابعاً، لم يتطرق أحدُ من الخبراء الغربيين إلى أن ظاهرة الاستبداد السياسي والإعاقة الديمقراطية أنها واحدة من أهم الأسباب المولدة للعنف والإرهاب، وأن المقاربة الأمنية العسكرية هي مقاربة مولدة للعنف والإرهاب أيضاً، و إنما ذهبوا للحديث عن أن الشباب الذاهبون إلى العراق وسوريا يمثلون خطراً على الأمن الأوربي وليس السياسات الغربية التي تتخذ في المنطقة هي التي تمثل خطراً على أمن واستقرار هذه البلدان.
خامساً، تمثل ظاهرة عدم الاندماج الناتجة عن التهمش والإقصاء للمواطنين غير الأوروبيين في بلدان أوروبا بحسب عديد من الدراسات هي واحدة من أهم أسباب ذهاب الشباب المسلم في أوروبا إلى الجهاد في المشرق العربي، ضداً للسياسات الغربية ضد أقلياتهم وضد بلدانهم في المشرق العربي، وليس حباً في الجهاد والاستشهاد، لكن أي من هذا الحقيقة لم يتم التطرق إليها أو ذكرها حتى مجرد الذكر في سياق حديثهم عن هذه الإشكالية المقلقة لهم فحسب وليس ما يتم من تدمير لأسس الدولة والاستقرار في العالم العربي.
 
ختماً، كنت أتمنى أن ينظر الجميع إلى الظاهرة الإرهابية كونها نتاج لأخطاء كبيرة في السياسيات التي تعنننا جميعأ عرباً وأوروبيين مسلمين ومسيحيين، وأننا نعيش في سفينة واحدة كجوار تاريخي وحضاري وأن أي أخطاء هي كوراث على الجميع ولن تصيب قوم دون أخرين، فأزمة انهيار الدولة في الشرق يعني نشؤ أزمة أمنية وعدم استقرار في الغرب، وأن المضي نحو تكريس حالة الخطاء هو بالضرورة السير نحو حالة الانتحار الجماعي حتماً، وإن لا معنى للغرب الديمقراطي بجوار شرق مدمر ومحطم.

المصدر: إيوان 24
 

التعليقات