البروفيسور أحمد أويصال

البروفيسور أحمد أويصال

أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول مدير مركز يونس أمره الثقافي التركي بالدوحة

كل الكتابات
البحر الأحمر.. بين فوضى خلاقة وصراع جيوسياسي
الاربعاء, 31 يناير, 2024 - 09:44 صباحاً

يعد البحر الأحمر ممرًا بحريًا دوليًا مهمًا يمر عبره 10 بالمائة من التجارة العالمية. ويربط في أحد طرفيه البحرين الشرقي والغربي عبر البحر الأبيض المتوسط بقناة السويس، بينما في الطرف الآخر يتصل بالمحيط الهندي عن طريق باب المندب وينفتح على الشرق. رغم أهميته في الماضي، إلا أنه بعد افتتاح قناة السويس، زادت أهميته بشكل أكبر، حيث أصبحت تلك القناة أحد الأسباب الرئيسية وراء رغبة بريطانيا والغرب في السيطرة على البحر الأحمر وتدمير الإمبراطورية العثمانية، كما أشار إليه مصطفى باشا كامل في كتابه تحت عنوان «المسألة الشرقية». لذلك، في الوقت الحالي، تشكل سيطرة أي طرف على هذه المنطقة قضية جيوسياسية مهمة. بالرغم من استمرار النفوذ الغربي في المنطقة بشكل عام، إلا أن روسيا ايضا لديها اهتمامٌ طويل الأمد بالمنطقة، وكذلك يتزايد اهتمام الصين والهند.
 
وبالمقارنة مع منطقة الخليج، البحر الأحمر والمناطق المحيطة به أقل انتشارًا للصحراء وأكثر كثافة سكانية. وتتمتع دول المنطقة بموارد طبيعية كثيرة، وحتى إذا لم تكن لديها موارد، يمكن لتجارة وخدمات اللوجستيات أن تشكل مصدرًا رئيسيًا لتحقيق العيش. حيث يحتل السودان ومصر موقعًا متميزًا بفضل مياه النيل والأراضي الخصبة، مما يمنحهما إمكانيات زراعية هائلة. اذ يعتبر ضمان سلامة الغذاء قضية رئيسية لكل دولة، خاصةً مع تصاعد قضايا الاحتباس الحراري وتفشي وباء كورونا. وبالإضافة إلى قطاعي النفط والغاز، تكمن إمكانيات كبيرة للطاقة المتجددة في المنطقة، وذلك بفضل التوفر الكبير لأشعة الشمس. كما تتيح المنطقة أيضًا لكل دولة فرصًا كبيرة في مجالي الشحن وصيد الأسماك.
 
واليوم يبدو أن البحر الأحمر ومحيطه قد تعرض لدمار كبير عبر الإرهاب والانقلابات والصراعات والحروب الأهلية: الصومال واليمن وإثيوبيا والسودان وفلسطين وربما ليبيا ايضا..فالحرب الأهلية والتدخل الأجنبي في الصومال، المعروف باحتوائه على اليورانيوم والمعادن الثمينة والنفط والغاز الطبيعي بالإضافة إلى الموارد البحرية، مستمر منذ التسعينيات. وعلى الرغم من تحقيق استقرار نسبي بفضل الدعم الدولي الذي قدمته تركيا، إلا أن خطر الإرهاب والانقسام وبالتالي الحرب الأهلية لا يزال مستمرًا. كما أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمارس تأثيرًا كبيرًا على الطرف الشمالي من البحر الأحمر في تلك المنطقة.
 
وجود اليمن على الجانب الآخر من باب المندب يمنحه إمكانيات تجارية وصناعية كبيرة. بالإضافة إلى النفط والغاز، يحتوي على مناجم للموارد الصناعية مثل الذهب والحديد والنحاس والحجر الجيري والجبس، ويتمتع أيضًا بإمكانيات قوية في مجال صيد الأسماك. بينما كان اليمن فقيرًا في الماضي بسبب سوء إدارة علي عبد الله صالح، إلا أنه اليوم يعاني من انقلاب الحوثي والحرب الأهلية. يُلاحظ أيضًا أن الحوثيين يؤثرون على حركة المرور في البحر الأحمر، خاصة فيما يتعلق بحرب غزة. من عجيب المفارقات هنا أن الإعلام الغربي كان يدعم الحوثيين أثناء استمرار الصراع بين الحكومة الشرعية اليمنية والحوثيين في مدينة الحديدة في عام 2021، واليوم تعبر نفس الحكومات الغربية عن قلقها من تصرفات الحوثيين في البحر الأحمر.
 
إثيوبيا، التي تعد دولةً قريبة جغرافياً من منطقة، على الرغم من عدم إطلالها مباشرة على البحر الأحمر، فإنها لا تزال تتأثر بالأحداث في المنطقة وتؤثر فيها. ويشهد الصومال توتراً أثناء محاولته فصل ولاية أرض الصومال عن الصومال. بالإضافة إلى ذلك، فإن العلاقات مع مصر، وإلى حد ما، مع السودان، متوترة بسبب سد النهضة. أيضا حرب تيغراي في عام 2022 وما قد تفضي إليه من خطر الحرب الأهلية والتوترات مع الجيران، التي يمكن أن تندلع هناك في أي وقت، لا يزال قائما، وإلى الشمال، هناك أيضاً علاقة مترابطة بين الحرب الأهلية السودانية والأزمة الفلسطينية الإسرائيلية. لقد تم التطرق إلى المعنى الجيوسياسي وانعكاسات كلتا الحربين في مقالاتنا السابقة.
 
نتيجة لذلك، يمكن القول إن الحروب والأزمات المندلعة حول البحر الأحمر لم تنشأ بشكل فعلي من قبل شعوب المنطقة بمبادرة خاصة. باستثناء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تظهر هذه الصراعات عدم اعتمادها على انقسامات عميقة عرقية ودينية. حتى في حالتي السودان والصومال، حيث قد تحمل الأزمتان طابعًا عرقيًا، إلا أن هذا التأثير غير قوي، ولا يتسم بالاختلافات الدينية. وعلى الرغم من وجود اختلافات طائفية في اليمن، فإن الشيعة الزيديين والسنة لا يكفر بعضهم بعضًا حيث عاشوا معًا لآلاف السنين. في جميع هذه الأزمات، بما في ذلك حرب غزة، يشهد النزاع تدخلًا من قبل القوى الكبرى والقوى الإقليمية، مما يُضيف إلى تعقيدات الوضع.
 
وبما أن البحر الأحمر يهم العالم أجمع، فإن دولًا مهمة لها تواجد عسكري في المنطقة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا واليابان وتركيا والصين والهند. وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية ومصر، كدولتين إقليميتين، تشعران بالقلق إزاء هذه التطورات، إلا أنه لا يُنظر إليهما على أنهما تلعبان دورًا كبيرًا في حل الأزمات. وفي أزمة اليمن، تركت القوى العظمى الحكومة السعودية دون دعم فعّال. ورغم محاولات السعودية في التوسط في أزمة السودان، إلا أنها لم تسفر عن أي نتائج.
 
إذا لم يتم حل هذه الأزمات، قد يتأثر مشروع نيوم الضخم أيضًا. وباعتبارها دولة تجارية وصناعية، تركيا تراقب عن كثب التطورات في المنطقة. ينبغي على تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر أن تلعب دورًا أكثر نشاطًا في التوسط وإيجاد حلول سياسية من أجل الاستقرار الإقليمي، وخاصةً فيما يتعلق بالمجتمعات الإسلامية التي تجد نفسها في صراع. حيث تستفيد هذه الدول من الاستقرار والتنمية، وليس من الفوضى. الفوضى تُعَدُّ عاملاً ضارًا لا يقتصر تأثيره على الدول المتأثرة بها فقط، بل يمتد أيضًا للدول المجاورة.
 
*نقلا عن صحيفة الشرق القطرية
 

التعليقات