كشف تقرير جديد صادم تلاعب منظمات ومراكز أبحاث بـ"مئات الملايين من الدولارات" لتلميع الحوثيين دولياً.
تحديدا كشفت منصة "فرودويكي" (Fraudwiki) في تقرير حديث عن تورط منظمات ومراكز أبحاث في دعم ميليشيا الحوثي عبر التلاعب بأموال المساعدات الدولية، وتوجيه الخطاب الإعلامي والسياسي العالمي بما يعزز شرعنة الجماعة كسلطة أمر واقع في اليمن.
التقرير الذي حمل عنوان "شرعنة مليشيا الحوثي من خلال لوبيات السلام الزائف والأبحاث الموجهة"، أعدّه الدكتور عبدالقادر الخراز، رئيس حملة "لن_نصمت"، وسلّط الضوء على تجاوزات خطيرة في توظيف أكثر من 32 مليار دولار من المساعدات الإنسانية التي دخلت اليمن خلال العقد الماضي، إلى جانب مئات الملايين من الدولارات التي تم تحويلها إلى منظمات ومراكز أبحاث متهمة بالفساد واستغلال التمويل في إعادة صياغة الخطاب الدولي بما يخدم مصالح الحوثيين.
وأشار التقرير إلى أن هذه الجهات أسهمت في تحميل الحكومة الشرعية والتحالف العربي المسؤولية الكاملة عن الأزمة الإنسانية، متجاهلة الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها الميليشيا.
كما أشار إلى أن بعض هذه المنظمات قدمت قيادات حوثية كأطراف مستقلة ومفاوضين للسلام، رغم إدانتهم بجرائم حقوقية، مستعرضا مثالا على ذلك بمشاركة القيادي الحوثي عبدالقادر المرتضى – المدرج في قوائم العقوبات الأمريكية – كمتحدث رسمي في مجلس حقوق الإنسان في جنيف عام 2020.
ووفقاً للتحقيق، تحركت تلك الجهات على أربعة مسارات رئيسية لتعزيز شرعية الحوثيين:
تطبيع الانقلاب.
إعادة تقديم القيادات الحوثية كفاعلين دوليين.
التأثير على الخطاب الدولي لصالح رواية الحوثيين.
توظيف تقارير الأمم المتحدة بشكل انتقائي لتخفيف الضغوط الدولية.
التقرير أورد اتهامات مباشرة للمبعوث الأممي إلى اليمن بلعب دور سلبي في تعطيل قرارات البنك المركزي بعدن، ما سمح باستمرار الحوثيين في نهب الإيرادات وتمويل عملياتهم العسكرية.
كما كشف التقرير الصادم عن أسماء مؤسسات بارزة تورطت في هذا السياق، من بينها:
منظمة "إنسان" التي يديرها أمير الدين جحاف.
مؤسسة "Arwa" التابعة لأحمد الشامي.
مركز "DeepRoot" بقيادة رأفت الأكحلي.
"برنامج حكمة" الذي تقوده عبير المتوكل.
منظمة "مواطنة" التي ترأسها رضية المتوكل.
وأشار إلى أن مؤسستي "مواطنة" و"مركز صنعاء للدراسات" تتلقيان تمويلاً سنوياً من رجل الأعمال اليهودي "جورج سوروس"، كما وجهت اتهامات لشخصيات حكومية سابقة، مثل نادية السقاف، وزيرة الإعلام السابقة، وخلدون باكحيل، المستشار في مركز جنيف لحوكمة الأمن (DCAF) بتقديم دعم إعلامي وسياسي للحوثيين.
التقرير تناول أيضاً دور مركز صنعاء في استبعاد الأصوات اليمنية المستقلة، والتلاعب بالسردية العامة بشأن النزاع، وعرقلة القرارات الدولية التي تستهدف الجماعة، وتنسيق الأدوار بين مراكز البحث والمنظمات المدنية في إدارة التمويلات وتوجيهها نحو أهداف سياسية.
وضمن الأمثلة التي أوردها التقرير، انتقد أداء مؤسسة "مساءلة لحقوق الإنسان" في حادثة انتحار أحد السجناء في مأرب، متهماً إياها بتضليل الرأي العام عبر التركيز المفرط على أخطاء الحكومة الشرعية دون تقديم صورة متوازنة.
اكد التقرير أيضا أن أي عملية تسوية سياسية لا تستند إلى استعادة الدولة ومساءلة مرتكبي الانتهاكات، ستُعد تكراراً كارثياً للمشهد القائم، وتمهيداً لمزيد من الفوضى والصراعات في المنطقة.
واختُتم التقرير بالدعوة إلى فتح تحقيق دولي عاجل في مصادر تمويل هذه المنظمات، ومحاسبة كل من تورط في دعم الحوثيين أو التلاعب بالمساعدات الإنسانية، محذراً من أن استمرار هذا الدعم يهدد فرص السلام ويُكرّس سيطرة المليشيا المسلحة على حساب مستقبل اليمن واستقراره.
طبعا هكذا عندما يصبح "الحياد" أداة للابتزاز نرى مأساة التمويل في زمن التلميع الحوثي. وهو الزمن الذي يتسول فيه أطفال ونساء وكهول اليمن كسرة خبز، فيما تتعفن فيه أحلام الأمهات في طوابير المساعدات، وبالمقابل تتفق عقول بعض "الخبراء" و"الباحثين" في المراكز اليمنية والدولية عن خطط عبقرية لصرف مئات الملايين من الدولارات على تلميع الحوثيين، وتدوير صورتهم لتبدو كأنها نبتة سلمية زرعتها الملائكة في جبال صعدة، لا عصابة مسلحة انقلبت على الدولة وقتلت الحلم اليمني.
على إن هذا التقرير الجديد – وهو بالمناسبة ليس أول تقارير الصدمة ولا سيكون آخرها – كشف كما ترون عن عمليات "كشط ناعمة" للضمير الإنساني، تمارسها منظمات ومراكز أبحاث يمنية وعالمية بمباركة وتمويل سخي من دول وجهات تزعم دعم السلام، لكنها تتغذى في الواقع على استمرار الحروب كفرصة استثمارية.
والحق يقال إنه التمويل المشبوه باسم "السلام"
فالتقرير كشف أن تلك الأموال الضخمة لم تُستخدم لتجفيف منابع الصراع أو دعم العدالة، بل لتلميع صورة مليشيا الحوثي في المحافل الدولية، وتقديمهم كطرف "معقول" و"مظلوم" يستحق الشفقة أكثر من المحاسبة.
مركز صنعاء مثلا، لعب دور المايسترو في توزيع الأدوار واستبعاد الأصوات اليمنية الحقيقية، تلك الأصوات التي تزعج الممولين لأنها ببساطة… صادقة.
فيما يبدو أن الصدق صار عيبا في زمن التقارير المنمقة ومصطلحات "إعادة تشكيل السردية". والسردية الجديدة تقول: ال..حوثي ليس انقلابيا بل شريك سلام محتمل، أما الشرعية فهي "معقدة"، و"غير ناضجة"، وربما بحاجة لإعادة تأهيل سياسي – في أحد منتجعات جنيف، طبعاً.
أما عندما يصبح الانتحار خطيئة الضحية لا النظام فلا يتوقف العبث هنا. ففي حادثة مأساوية لانتحار سجين في مأرب، تفرغت مؤسسة "مساءلة لحقوق الإنسان" لنقد الحكومة الشرعية بشغف يفوق شغفها بالحقيقة. لم تسأل: لماذا انتحر؟ ما الظروف؟ بل ركزت العدسة على "أخطاء الحكومة"، تاركة القاتل الفعلي – منظومة الحرب والمليشيا والإرهاب – خارج الإطار.
على إنها العدالة المُنتقاة، فيما يُحاسب من حاول إنقاذ السفينة، ويكرم من أحدث فيها ثقبا.
ولكن السؤال هل هي مراكز أبحاث أم صالونات تجميل سياسية؟
نعم ، كيف نفهم أن مركز جنيف لحوكمة الأمن – لحوكمة الأمن! – يدعم مليشيا تزرع الألغام وتنهب البنوك وتختطف النساء؟ كيف يمكن لمستشار مثل خلدون باكحيل أن يوفر دعماً إعلامياً وسياسياً لكيان يزرع القبور أكثر مما يزرع المدارس؟
ربما علينا أن نعيد تعريف الأمن: الأمن في نظر هذه المراكز هو أن يصمت الجميع عن جرائم ال..حوثي، ويتحدث الجميع عن "ضرورة إشراكه" في الحل السياسي. الحل؟ أي حل؟ الحل الذي يتطلب تجاهل آلاف القتلى وملايين الجوعى؟
والشاهد أنها الوقاحة كمنهج سياسي فيما أخطر ما كشفه التقرير ليس فقط حجم التواطؤ، بل وقاحة أدواته. لقد تحولت المنظمات الحقوقية من ضمير عالمي إلى وكالات علاقات عامة، تروّج للمجرمين وتقصي الضحايا.
بل إن هناك تنسيقاً دقيقاً – ليس عشوائياً – بين هذه المراكز والمنظمات في توزيع التمويلات، وفق أجندات تُعد سلفا في الغرف الرمادية.
نعم ، هناك قائمة مشاريع، وقائمة ممنوعات. والممنوع الأكبر: أن تقول الحقيقة عن الحوثي.
وعليه فإن هناك دعوة للتحقيق، ولكن من يحقق؟
التقرير يدعو إلى تحقيق دولي عاجل. جميل. ولكن من سيحقق؟ اجيبوا ؟
بمعنى أدق من سيُمسك بأطراف التمويل؟ ومن يجرؤ على محاسبة أصحاب البدلات الأنيقة والكروش في مراكز القرار؟
فلقد صار المال هو اللغة الوحيدة المفهومة، وصار "السلام" مشروعاً قابلاً للتخصيص حسب هوية الداعم وهوى الممول. واليمنيون؟ مجرد خلفية للعرض، كإحصائيات تزين شاشات البورصة السياسية.
هكذا ببساطة شديدة ثمة تاريخ يشوه ومستقبل يُباع بينما في هذا المشهد الملتبس، يغيب السؤال الأهم: ماذا عن اليمن؟ عن الدولة؟ عن العدالة؟ عن الجرح الذي لا يريد أن يندمل لأن هناك من يتربح من بقائه مفتوحاً؟
نعم ، أي سلام لا يُبنى على استعادة الدولة، ومحاسبة من قتل وخطف وشرد، هو وصفة جاهزة لحربٍ جديدة. بل هو حرب مؤجلة بربطة عنق. فالتاريخ لا يُنسى، حتى لو غيرنا السردية.
لنخلص إلى أننا نحن الذين نقول ونرصد ونشهد… لن ننسى. لا تقاريركم، ولا مؤتمراتكم، ولا مؤسساتكم التي باعت المبدأ باسم الحياد. لن ننسى كل ما كُتب لتجميل القبح، وكل دولار صُرف لتشويه الحقيقة.