ثمانية.. والعيد تاسعهم
الاربعاء, 13 يوليو, 2016 - 09:36 مساءً

خمسة آلاف و400 ثانية.. أي تسعون دقيقة.. أي ساعة ونصف فقط، هي المسافة الزمنية التي كان يعتقد العيد أنها ما أن تنقضي حتى تنعم عبير وقرنائها السبعة بفرحته كباقي أطفال الأمة العربية والإسلامية. كان العيد يراقب قلوب الأطفال العامرة بالحب والمكتسية بفرحة قدومه، وكانت عبير محمد مهيوب ابنة الاثني عشر ربيعا ومن هم من حولها من الأطفال السبعة من ضمن أولئك الأطفال الذين يرقبهم بصمت مبتسما وهو يرى الفرحة تطرز ملامحهم.
 
ثمانية أطفال لم يتجاوز أكبرهم عامه الخامس عشر، صالح عبدالله الأحمدي ولم يتعد أيمن حميد عامه الخامس. كانوا يعدون الثواني، منتظرين متى ستعلن مأذنة مسجد  حي الزراعة بمدينة مأرب انتهاء شهر رمضان وحلول عيد الفطر المبارك. كانت اللهفة تجرفهم لسماع أول حرف ينطقه مؤذن المسجد. كان الفخر يملأ تفاصيلهم؛ لأنهم صاموا أيام القضاء الأربع التي حرص اطفال اليمن ممن لم يصل إلى سن التكليف على صيام نهارها، كي تكتب لهم أجر صيام رمضان. كان للخيلاء نصيبا من ملامحهم؛ لأن كل طفل منهم واثق بأنه سيفاجئ باقي أطفال الحي بكسوته الجديدة، وأن الجميع سوف يعجب بمظهره وأناقته.
 
ثمانية أطفال، لم يعترهم الخجل وهم يقومون بحسبة مَن مِن الأهل والأقارب والجيران سوف يعايدهم بمبلغ من المال، كما هي عادة اليمنيين، ولعل كل طفل منهم قد أعد كشفا في مخيلته يرتب فيها أسماء من اعتاد أن "يعسبوا" العيد من الأكثر إلى الأقل.
 
لكن ما لا يتوقع حدوثه كان هو الأقرب من العيد بالنسبة لأطفالنا الثمانية وأسرهم وعدد من سكان حي الزراعة؛ بل ولمدينة مارب كاملة إن لم يكن لليمن عموما.. فما أن أعلنت عقارب الساعة بدء العد التنازلي لانقضاء التسعين دقيقة المتبقية حتى شق كبد سماء محافظة مارب صاروخ أطلقه قاتل فرحة، يدين بالولاء لجماعة تعشق الموت وتحترف وأد الفرحة في قلوب الآخرين، ليصل الصاروخ إلى طرف مدينة مارب، وبالتحديد حي الزراعة المأهول بالمدنيين، ليصنع مجزرة تُدمى لها القلوب وتعتصر من قسوتها الضمائر.. مجزرة مزجت لون الحناء الفاتح الذي كان على كفي عبير بلون دمائها.. مجزرة سرقت من العيد تلك النقوش التي كانت تزين ساعدي عبير، وحولت كل تلك المقتنيات التي ابتاعها ضحاياها إلى مجرد ذكرى مؤلمه..!
 
أطفال ثمانية وفرحة.. جميعهم راحوا ضيحة نزوة شخص شاذ نفسيا، يدمن القتل ويعشق الحزن. أطفال ثمانية ومن ورائهم ثمان أسر ثكلى ومدينة بأسرها تم وأد فرحتها في يوم عيد. لم يشفع لمارب ــ الجغرافيا والإنسان ــ أنها أدخلت الفرحة إلى قلوب 6 أسر قبل ثمانية وعشرين يوما فقط من تاريخ ارتكاب هذه الجريمة، حين أفرجت عن ستة أطفال، جاؤوها مقاتلين ضمن صفوف مليشيا الموت والإجرام. أليست مفارقة أن يكون جزاء المدينة التي تصدر الفرحة مطلع شهر رمضان المنصرم هو انتزع عيدها ووأد فرحتها عبر ذبح طفولة سكانها؟!!
 
مات العيد بموتكم أطفالي الثمانية ،وزهقت الفرحة يوم أن زهقت أرواحكم.. فمن يستطيع أن ينساك يا عبير وينسى الحناء ولونه، وهو يزين كفيك وقدميك الرقيقتين؟ ومن منا تقوى الأيام على محو نقوش الخضاب على ساعديك؟ كيف لنا ألا نتذكرك أنت وبقية أقرانك الذين جمعتك بهم طفولة بريئة ورحيل مؤلم؟ إن الدموع لا تنضب حزنا عليكم، فناموا ولا نامت أعين قاتليكم.
 
 

التعليقات