في انتظار جولاني اليمن!
الخميس, 10 يوليو, 2025 - 01:37 مساءً

الحياة فرص، والفرص لا تأتي للمرء كثيراً، وإن قال المتشائمون إن الفرصة لا تأتي في العمر سوى مرة واحدة!
 
والفرصة جاءت لزعيم جبهة النصرة فقام من فوره باقتناصها، لينتقل من الجولاني إلى أحمد الشرع، ومن رئيس فرقة إلى الرئيس السوري، بينما القوم في اليمن ينتظرون قراراً أمميا لهم بالتحرك، وقرار تنصيب من البيت الأبيض، والصحيح أنه عندما تلقي الحرب أوزارها، سيلتفت لهم الحوثي من جديد، وقد نجح بصواريخه أن يعيد انتاج نفسه، وأن يظهر للدنيا أنه قادر على الوقوف في وجه المجتمع الدولي، وقد أكد للعالم الإسلامي أن قضية فلسطين على رأس جدول أعماله، فعندما كان قادة وزعماء دول يفتقدون للجرأة لإدانة العدوان على غزة، كانت صواريخ الحوثي تهز تل أبيب، وتتعرض للسفن الأمريكية والإسرائيلية، فهل من مزايد؟!
 
في بداية تدخل الحوثي على خط نصرة المقاومة في غزة، سألت أحد الزملاء اليمنيين إن كانت هذه فرصة لأن يلين جانب القوم لإخوانهم في اليمن، وها هي الحوادث تعيد التأكيد على أن هناك مشترك، يجمع بين اليمنين، وهو القضية الفلسطينية؟ فأجابني بأنهم سيكونون أكثر تشدداً في شروطهم للمصالحة، فقد فعلوا ما لم يفعله غيرهم من الخصوم في اليمن، والمنتصر هو من يملي شروطه!
 
بيد أن الأحداث تغيرت، فتم شل حركة حزب الله، وقصف طهران، وبين ذلك تحرك زعيم جبهة النصرة، على قواعد “وما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غلابا”، فإذا بالجيش السوري كأنه هشيم تذروه الرياح، وإذا بالأسد بكل شراسته يهرب، وإذا بالقصر الرئاسي في دمشق يفتح ذراعيه لاستقبال الساكن الجديد.
 
الاعتراف الدولي
 
يتردد أن الجولاني فكر في التحرك قبل الضربات المؤلمة التي تلقاها حزب الله، وبالتحديد قبل ستة أشهر من تحركه، لكن الأتراك حالوا دون ذلك، باعتبار أن تحركه في هذه اللحظة ليس عملاً أخلاقياً، وبدا واضحاً أنهم لا يثقون في نجاحه، ولهذا كانوا يتقربون من الأسد، بينما هو يتمنع، وقد بدا أن محيطه العربي يخطب وده، ليكون تحرك الجولاني في الوقت المناسب، ليفرض نفسه على الإرادة الدولية، التي حمت إجرام بشار الأسد كل هذه السنوات، لأنه الاختيار المناسب لإسرائيل، والتي لم تعثر على بديل بعد!
 
وها هو الاعتراف الدولي يأتي تباعاً، فيلتقيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وترفع العقوبات عن سوريا، ثم تشطب جبهة النصرة من قائمة الإرهاب!
 
وهناك من لا يمكنهم استيعاب كل هذا لأنه فوق قدراتهم المحدودة على التخيل، فيرجعونه إلى نظرية المؤامرة، فلا شيء يحدث على ظهر البسيطة بعيداً عن الإرادة الأمريكية ابتداء، وكأن قتال الجولاني للجيش الأمريكي في العراق كان تمثيلية، وكأن وضعه وحركته على قوائم الإرهاب أيضاً تمثيلية، ولا يمكنهم استيعاب أن الأمور لا تؤخذ على هذا النحو من البساطة، لكن هؤلاء أيضاً هم من اعتبروا الثورة الإيرانية فعلاً أمريكياً، واسقاط رجل أمريكا الشاة هو من تخطيط البيت الأبيض، وأن اختطاف الثورة الإيرانية للرهائن الأمريكيين تمثيلية، وفرض الحصار على إيران كل هذه السنوات أيضاً تمثيلة، وأن دكها بالصواريخ هو حلقة في حلقات هذه التمثيلية!
 
والحقيقة أن حديث التمثيلية توقف مع دوي الصواريخ المتبادلة، وعند وقف إطلاق النار، عاد من جديد، فما صح في الأذهان شيء، إن احتاج النهار إلى دليل!
 
فرص حزب الإصلاح في اليمن
 
ما علينا، فالسؤال الأهم كم فرصة أتيحت لحزب الإصلاح في اليمن، ليفرض إرادته؟
 
لعل أهم فرصة كانت سانحة ليتقدم الجولاني اليمني (إن كان له وجود)، هي عندما حدث انهيار حزب الله، وسيطر الإحساس على الحوثيين أنهم مدركون، ومع ذلك لا جولاني هناك ليتحرك، فاستعاد الحوثيون لياقتهم. وعاودوا لقصف تل أبيب من جديد!
 
لا أحرض في هذه السطور على شيء، بل أحاول قراءة طبيعة المشروعين، السوري ممثلا في أحمد الشرع، واليمني ممثلاً في جبهة الإصلاح، والأول امتلك زمام المبادرة، والثاني مثلنا يتابع تطور الأحداث عبر نشرات الأخبار، وأحيانا تتم الدعوة من جانبه لمظاهرات لنصرة القضية الفلسطينية فإذا بها تسد عين الشمس، وفي استعراض قوة لافت، لكن ماذا بعد؟ وهل هناك بعد؟!
 
الحوثيون باستهداف حركة الملاحة بالبحر الأحمر في عداء مع كثير من الدول، فلماذا لا تفكر هذه الدول في التمكين لخصومهم في اليمن؟!
 
أمريكا نفسها لا تملك حق تقرير المصير في اليمن، وبعد إطلاق صواريخها باتجاه جباله، لم تتمكن حتى من شل حركة الحوثيين، والذين عادوا من جديد يستهدفون تل أبيب، ولو ينتظر الملأ في اليمن قراراً أمريكيا بتمكين حركة الإصلاح فإنهم سينتظرون طويلاً، كما ينتظر نجل شاه إيران، وكما ينتظر خليفة حفتر في ليبيا، وقد تتعامل واشنطن مع واقع فرض نفسه، لكنها لا تخلق هذا الواقع، ولا تبدو أن هناك رغبة دولية أو إقليمية بالانتقام من الحوثي بفرض الإصلاح، ولو عن طريق محاولة فاشلة، وهنا تأتي لبيت القصيد!
 
التلاميذ النجباء
 
فالبديل اليمني، من خلفية فكرية مختلفة عن الجولاني، يفتقر للمبادرة وروح المغامرة، وهو ينتمي لتجمع واسع عابر للقارات، يحب أن يراه العالم مؤدبا كما سلوك بعض التلاميذ في الفصل (ربما على أيامنا)، ولديهم استعداد لتقديم التنازلات الكبرى لإثبات حسن النية، والعالم لا يقيم وزناً للتلاميذ النجباء، انظر ما حدث في تونس، فلا يجوز أن تكون هذه نهاية الشيخ راشد الغنوشي في السجن، دون إدانة دولية تهز أرجاء الكون!
 
هل قلت تجمعاً واسعاً عابراً للقارات؟  قد يكون هذا مما يخصم من البديل اليمني، والشرع جاء من ثقافة مختلفة تهتم بقاعدة بؤرة الضوء في منطقة محددة على محاولة انارة العالم، ومشروع الجولاني الفكري غير قابل للتمدد، فلا حديث عن تصدير الثورة، ولا كلام عن أستاذية العالم، ولا تشغله فكرة الخلافة الجامعة؛ لأن حركة الإصلاح وأخواتها هي جزء من حالة ظهرت بعد سقوط الخلافة، لكن الأفكار الجهادية هي وليدة أنظمة الاستبداد، والاستبداد هو ما دفع بها بعيداً!
 
وفي مصر فإن تنظيم الجهاد كان ينطلق من أن مقاومة عدو الداخل مقدمة على مواجهة العدو الخارجي، لكن تجربة التعذيب في السجن دفعت به لجبال تورا بورا، الأمر نفسه حصل بالرجل الثالث في تنظيم القاعدة، ومن سمي بوزير مالية أسامة بن لادن؛ مصطفى أبو اليزيد!
 
وإذ قمت بتحقيق صحفي حول شخصية أبو اليزيد عقب ظهوره مباشرة، وبدا شخصية مجهولة، فقد توصلت إلى أنه في فترة الدعوة والتسجيل للجهاد الأفغاني في السبعينات لم يكن مشغولاً بالأمر وكان يستعد للزواج!
 
وقد حدث بعد سنوات أن تعرض وزير الداخلية السابق حسن أبو باشا لمحاولة اغتيال، وبينما كان يؤدي العمرة، سمع أن اسمه ضمن المتهمين فغادر إلى أفغانستان، ليمثل ظهوره بعد سنوات مفاجأة، فلم يتعرف عليه سوى خبير واحد في شؤون الجماعات الإسلامية، قال عبر احدى الشاشات إنه يعرفه جيداً، وأنه من شبرا. ولم يدل بمعلومة واحدة صحيحة بشأنه!
 
فما حدث بعد ذلك هو مرحلة ارتباك الأفكار، التي لا يسأل عنها الاستبداد وحده، ولكن معه الفوضى العالمية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية في عهد عدد من الرؤساء الأمريكيين تحول لدائرة جهنمية في عهد بوش الابن!
 
حالة ضبط المصنع
 
الآن، فإن الشرع عاد لحالة ضبط المصنع، فكل ما يهمه هو سوريا، ولا يبدو مكترثاً كثيراً بالتحرش الإسرائيلي به، ربما تؤجل المواجهة لمرحلة تالية، لكن الآن فإن أموره طيبة، ومصدر أمان، فلا مبرر غربيا للعداء معه، لأنه لا يهدد إسرائيل، وهذه هي أفكاره وليست نتيجة عمالة، ولا مبرر إقليميا للخوف منه فهو لا يدعو لتصدير ثورته، وليس لتنظيمه امتداد خارجي، وأيضاً لو أسقطته الثورة المضادة، فلن يجد من هذا التجمع من يبكي عليه، إلا في حدود الخوف من الفوضى التي قد تكتوي إسرائيل بنارها.
 
والأهم أنه أخذ بزمام المبادرة، وغيره يهدرون الفرص، في انتظار ما لن يحدث حتى وإن كان البديل هو الخطر الحوثي، الذي فهم مبكراً أن صواريخه لن تؤثر على شرعيته سلبا، وأن استكانته لن تمكنه من الحصول إلى أبعد من سهام رمحه!
 
إن اليمن بلا جولاني هو محلك سر، وإن تواترت الفرص!
 
المصدر: الجزيرة مباشر
 

التعليقات