أعلنت دار المزادات الشهيرة «سوذبيز» في نيويورك، قبل أيام، عن عرض واحدة من أندر لفائف «التوراة» اليمنية المعروفة حتى اليوم، وهي مخطوطة «مؤكدة»، كما تقول الدار، بالكربون المُشعّ تُعدُّ الأقدم بين النسخ الكاملة التي خرجت من اليمن ووصلت إلى الأسواق الدولية.
جاء في تضاعيف الخبر المنشور أنّ لفائف التوراة تُصنّفُ في القانون الأميركي باعتبارها ممتلكات دينية خاصة ليهود اليمن، وليست جزءاً من التراث الوطني للدولة اليمنية، ما يتيح بيعها دون أن يشملها الحظر.
اليمن من أقدم معاقل الحضارات في العالم، ولليهود فيه ذاكرة وتاريخٌ خاصٌّ، لكن اليمن اليوم يقع تحت وِزر الحرب بل الحروب، والفِتن الداخلية، وكثيرٌ من مراكزه التاريخية العريقة، مثل ذَمار وصعدة وصنعاء، يملك شأنها «الحوثي»، ولـ«الحوثي» حكايته الخاصّة مع الآثار.
حسين بدر الحوثي، مؤسس الجماعة، و«سيّدها» الذي قُتل 2004 كان يحرّض أتباعه على محاربة الآثار وتحطيم الأصنام، في تماهٍ مع مواقف «طالبان» و«داعش» و«القاعدة».
بموازاة ذلك اشتُهرت الجماعة الحوثية بتجارة تهريب الآثار، وتمويل أنشطتها من خلال عوائد هذه الآثار للعالم، تقاريرُ صادرة في مطلع عام 2021 تشير إلى أن الحوثيين هرّبوا زهاء 4500 مخطوطة وقطعة أثرية، بيعت خارج اليمن في مزادات السوق الدولية المظلمة للاتجار بتاريخ وحضارات الشعوب، شملت تماثيلَ ونقوشاً ومخطوطات عبرية.
لكن الأخطر من ذلك - عِلمياً - حكاية «تزوير» الآثار، وتهريبها وبيعها، هذه كلها «ظُلمات بعضها فوق بعض».
قرأتُ في بعض التقارير أنّه في ديسمبر (كانون الأول) 2024 تمّ الترويج لخمس قطع أثرية مزورة تشمل تمثالاً مصنوعاً من الرخام يقف على قاعدة مكعّبة منقوشاً عليها بالخط المسند، وغيره من القطع.
التزوير شمل أيضاً العُملات القديمة والزعم بأنَّ تاريخها يعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، وإلى عهد تبّع الحميري أسعد الكامل.
ضرر التزوير يكمن في جانبه الأمني المُتمثّل في تمويل العمليات الإرهابية للحوثي أو لـ«القاعدة»، وقُدرات هذه الجماعات.
لكنَّ ثمّة خطراً لا يقلُّ قبحاً، وهو التلاعب بالتاريخ والعلوم، وتمويل الأوهام والأكاذيب، وكل هذا من مظاهر الانفلات وتحلّل سلطة الدولة في اليمن.
أخبرني صديقٌ خبيرٌ بتاريخ الجزيرة العربية أنّه انتشرت مؤخراً جملة من المخطوطات التاريخية المُزيّفة عن نجد والجزيرة العربية، وبيعها على مشتري الأوهام.
وأنا شخصياً سمعت عن تاجر آثار، من قبائل اليمن، يعرض نسخة نادرة من التوراة عمرها أكثر من ألفي عام! وأيضاً سيفاً نادراً للإمام سعود بن عبد العزيز، أبرز حُكامّ الدولة السعودية الأولى... كما زعم ذلك «النصّاب» ولستُ أعلم هل وجد «زبونه» الضحيّة أم لا؟!
إذا ضاع الأمن وتلاشت الدولة، تفشّت الأمراض ومن أعراضها تهريب الآثار وتزويرها.
*نقلا عن الشرق الأوسط