فيصل علي

فيصل علي

إعلامي وأكاديمي يمني.

كل الكتابات
الموت والمنفى
الاربعاء, 28 سبتمبر, 2016 - 11:34 مساءً

ليلة حزينة وفي منتهى الكآبة، أن تجد أحبابك يبكون كالأطفال حزنا  فقدا وغربة وقلة حيلة، وأنت لا تستطيع فعل شيء، إنه القهر المترتب على وضع البلد الذي أحدثه صبيان المغامرات والانقلاب  اللعين.
 
نحن هنا في أخر الدنيا، استغرق وصولي إلى كوالالمبور في أول زيارة على رحلة الأربعاء المشئوم تقريبا 16 ساعة مابين صنعاء دبي - دبي جاكرتا- جاكرتا كوالالمبور، اللعنة على هذه "الودافة "كيف لو هزني الشوق كيف سأعود هل ساقطع نفس هذه المسافة؟ لقد استمعت للقرآن كله، والأغاني كلها، ولم أعد أذكر عدد الوجبات ومرات الوضوء على متن اليمنية، وهي واحدة من اسواء خطوط الطيران التي عرفتها، إلا أنها كانت مجانية على حساب العمل، والبلاش ماحد يسخى عليه، جلست المضيفة المصريه في الكرسي الخاص بها قبالي تماما، ايه هو انت قلق ليه؟ قالت، فقلت لها هذا أطول سفر في تاريخي اللعين، حتى الخضرة من سومطرة إلى كوالالمبور لم تلفت انتباهي، وأنا الفلاح البسيط الذي يفرح برشة مطر.
 
تعرفت في ذلك المنفى كما أسميته بعد الوصول على الحبيب سنان علي، سكنا معا حوالي شهر، ودرسنا معا لغة، الشاب الأسمر حاضر البديهة المولع بالسياسة والتاريخ والقادم لدراسة الهندسة، قلت له ماحد يدرس خارج ولعه إلا أنت، هذا الرجل الذهب الذي لا يتغير مهما تغيرت الظروف، الليلة وجدته باكيا لفقد والده، يريد العودة لإلقاء نظرة على جثمان العم علي الرجل النشيط والذي يعرفه يقول أن الموت لن يقترب منه، ليذهب الموت للكسالى، لكنه الحق الذي لا بد منه.
 
بجواره الشاب الآخر الذي قدم بعد سنان احتضنته باكيا وحاولت ان أشد ازره بكلام العقل، وسنحان كله عقل، لكن العقل مع فقد الأب ما قيمته عند سماع الخبر؟ 
 
أن يبكي الأحبة   فهذا يعني الكثير الكثير، هذه السماء الليلة أيضا تبكي والأرض عندما لا تحاول إيقاف بكائها تكون قد فعلت عين العقل.
 
أيها الحزن القادم من صنعاء توقف، ترفق، فالقلوب هنا لا ينقصها الحزن، فأخبار الدمار والشهداء لا تنقطع، لكن خبر وفاة الأب لأولاده في المنفى وقعه أشد، هل صحيح أنهم لن يروا اباهم ثانية، الن ينتظرهم عند العودة، الن يحضر فرحة التخرج وأفراح أخرى مرتقبة؟ لا شيء سوى الحمد لا شيء سوى الشكر لله، على كل حال.
 
العودة السريعة من هنا شبه مستحيلة في الظروف العادية، فكيف بظرف الحرب؟ هاه يا عبد الملك أبو خمسين هل علمت ماذا صنع الانقلاب وجنون الحمير تبعك؟ هل فهمت أن قطع الأرحام والتواصل والتشرد تضاف لرصيدك يا أغبى صبيان صعدة، اعلم أنك لست بشر ولا حتى مجرد لوح وإلا كنت أدركت ماذا أحدثت من مصائب بعدك لبلد لا تنقصها مصائب أصلا، أشهد لله انك اتيت بما لم يستطعه  حتى صاحبنا عاقر الناقة، لقد عقرت جمهورية بسبب نزوة إيران التي تضحي بالعرب وبالحسين والحسن وعلي والرسول والإسلام لتكون الوكيل الحصري للشيطان الأكبر في الشرق الأوسط، أعرف أنك يا ابن السافلة لا ولن تفهم  وأنا هنا اغني بجوار اصنج.
 
طيران اليمنية صار كمن يطلب المستحيل والرحلات فل الى ما بعد اشهر، البعد ليس قطعة من نار أو من عذاب بل النار والعذاب معا، ودول العدوان الشريف لم تفكر لحظة بتسهيل مرور اليمنيين عبر أراضيها، قررت الحرب ولم تقرر بعد أن هناك احتياجات شعب تبدأ من الخبز وتنتهي بالحاجة إلى السفر، أنا أثق أن فوق هذه السحب الماطرة سماء، وفوقها رب يعلم كل شيء وبيده الأمر وله الشكر في كل حال.
 

التعليقات