ما بعد تصفية جمال خاشقجي: ملاحظات
الخميس, 25 أكتوبر, 2018 - 10:05 صباحاً

ما كانت تصفية جمال خاشقجي (رحمه الله والهم عائلته الصبر) لتقع بالأساس لو كان الموقف من حرية الرأي والإعتقاد والحق بالمعارضة مكفولا في بلادنا. الحق في التعبير هو الحق الطبيعي في جانب كبير من العالم، لكن عالمنا العربي، كما تؤكد حادثة قتل جمال خاشقجي، إعتاد ان يواجه الرأي الحر بالعنف، لهذا السبب نحن في ذيل البشرية في مؤشرات التنمية والحرية والعدالة، ولن نخرج من هذه الهاوية كعرب من محيطه لخليجه ابدا إلا بالعودة لقيم التسامح والحرية المصحوبة بقيم تنمية الإنسان اولا. إن الهمجية لا تبني أوطانا.
 
لقد قتل خاشقجي لأجل الحرية، لكن القضايا التي آمن بها وسعى اليها لم تتغير. مع الوقت سيصبح موت جمال خاشقجي مصدر الهام لحراك الحرية في الوطن العربي كما وفي وطنه الذي احبه ومات من أجله.
 
إن الجريمة التي أودت بحياة خاشقجي خلقت زلزالا كبيرا هز أرجاء العالم: مقتل صحافي حر في قنصلية بلاده أصبح على كل لسان. لقد تشكلت عند لحظة إغتيال جمال خاشقجي وفي الايام التي تلتها حالة دولية نادرة الوقوع. فتصفيته بهذه الطريقة أدت لاستفزاز قوى كثيرة ومجتمعات غربية وشرقية مما أعاد للاذهان الاسباب التي دفعت العالم العربي للثورة عام 2011. لم ينتج الربيع العربي بالاساس سوى عن حادثة بوعزيزي البائع المتجول في تونس، وقبله وقعت قصة خالد سعيد في مصر والذي قتلته الأجهزة للتغطية على حوادث فساد، لكن قصة سعيد أدت للثورة المصرية في كانون الثاني/يناير 2011.
 
إن جزءا كبيرا من ردة الفعل العالمية على مقتل جمال خاشقجي والتي ركزت على المملكة العربية السعودية مرتبطة بكون جمال صاحب رأي وموقف سلمي متزن، والأهم ان ردة الفعل مرتبطة بالإعلام الحر في العالم وبطبيعة الجريمة ووحشيتها. لكن الموقف الدولي إرتبط بأمور أخرى يزداد النقد حولها: كحرب اليمن الدامية والاعتقالات التي اثرت على عدد كبير من الامراء ورجال الاعمال، وحالة حرية الصحافة والتعبير وحصار قطر الذي دمر التعاون الخليجي، والازمة مع كندا. صراعات كثيرة أحاطت بالمملكة، بل يبدو ان مقتل خاشقجي بهذه الطريقة الوحشية، كما تؤكد الكثير من التقارير، هي «القشة التي قصمت ظهر البعير».
 
في التاريخ الحديث قلما نرى دولة تعتمد أساسا في علاقاتها مع الادارة الأمريكية على زوج ابنة الرئيس والرئيس الأمريكي المتقلب المزاج في ظل إهمال واضح لكل العلاقات الهامة الأخرى التي تتشكل منها الولايات المتحدة مثل الكونغرس الأمريكي ومؤسسات صنع القرار والرأي العام والإعلام ومراكز العلم والجامعات. وبما ان زوج ابنة الرئيس حليف لاسرائيل نستطيع أن نفسر طبيعة التعقيدات في هذه العلاقة، وبما ان الرئيس وخاصة نائبه حليف للانجيليين المسيحيين نستطيع ان نفسر مدى التزامهم بحلفائهم العرب إلا في اطار بيع الاسلحة واستنفاد الموارد.
 
السعودية هي الدولة العربية والخليجية الأكبر والأهم الباقية في حلبة الوجود وذلك بعد إنهيار سلسلة من الدول العربية كالعراق وسوريا وتراجع دور مصر. ليت المملكة توخت الحذر عند السير في حقل الالغام العربي والعالمي وتفادت الانجرار لصراعات ومعارك جانبية. ما حصل مع إغتيال جمال خاشقجي: سيؤثر على حرب اليمن، سيفيد إيران بكل تأكيد، وسيضر بالتنسيق العسكري السعودي الأمريكي كما وسيؤثر بوضوح على العلاقة بين الرأي العام العالمي والأمريكي والصحافة العالمية والمملكة. سنجد في الكونغرس الأمريكي تحركات لإعادة تقيم العلاقة، وسنكتشف بعد ايام واسابيع أن اكثر من سبعين عاما من التأثير والتفاعل الأمريكي السعودي الايجابي قد سقط بسرعة قياسية بسبب مقتل جمال خاشقجي. لقد جعل جمال بموته كل من ساهم بتصفيته يندم على الامر من أوسع باب.
 
على المملكة العربية السعودية ان تخطط لاستدارة سياسية تسمح لها كدولة عربية مركزية بتنفيس الكثير من الاحتقان الذي أحاط بها. هذا يتطلب أولا إيقاف حرب اليمن ووضع خطة اعادة بناء ومصالحة حقيقية، وإيقاف موقفها السلبي تجاه كل ما له علاقة بالتغيير والحريات والتيارات الإسلامية السلمية في المنطقة العربية.
 
 يجب إعادة النظر بموقفها من النشطاء السعوديين والعرب والإخوان المسلمين وعملهم السلمي، وعليها ان تجد طريقها لإيقاف الحصار عن قطر والسعي لحل متفق عليه. المطلوب إستدارة سعودية توقف التدهور وتحصن السعودية مع جمهورها العربي والإسلامي وشعبها بما في ذلك في مجال القضية الفلسطينية والقدس. ومطلوب بنفس الوقت تهدئة وفتح حوار مع إيران، وإيقاف مقاطعة او إبتعاد المملكة عن حماس والتعامل بعقلانية مع حزب الله، إذ يحق للمملكة ان تكون ضد سياسات وسلوكيات حزب الله في سوريا ولكن يجب ان تجد طريقا للتعامل معه في ظل توازنات لبنان وتموضع الحزب في جنوب لبنان. هذا يتطلب مرونة مع المحيط، والايمان بقوة الدبلوماسية والحجة والعدالة وفوق كل شيء قوة الحرية والحقوق.
 
إن القضية التي ضحى جمال خاشقجي من أجلها قد اكتسبت بمماته التراجيدي الكثير من الأنصار، فهل يكون مماته بداية تحول كبير في بعض السياسات الرسمية؟ أم يتحول مماته لذكرى الهام لنشطاء المرحلة القادمة من الخاشقجيين الجدد ممن يتبنون ذات الموضوعات والقضايا التي أثارها؟. سنشهد تحولا ما في السياسات لكن سنشهد بصورة اوضح إنبثاقا كبيرا في حراك الناس والنخب الواعية والشعوب المهمشة نحو تثبيت المشاركة والحريات. لقد فتح موت جمال الوحشي مرحلة جديدة في علاقة الانسان العربي بالحرية.
 
*نقلا عن القدس العربي

التعليقات