لا تبتئسوا القادم أفضل
الأحد, 28 أبريل, 2019 - 08:11 مساءً

علمتنا الحياة أن العناد يولد العناد، فلم تكن السياط حلاً على الاطلاق لإخماد ثورات الشعوب، بل هو العدل الذي حادت عنه بعض الانظمة العربية والاسلامية التي طغت وتجبرت على شعوبها. فهذا عمر بن عبدالعزيز الذي ثار الناس أمامه فأخمدهم بعدله ... فأين نحن من هذا المبدأ.
 
فنهضة الامة لن تزدهر إلا اذا تحررت العقول من القيود التي تكبلها وتحجب ابداعاتها، بدل إشغالها بقرارات وفرض رسوم وضرائب لإسعاد حفنة من الناس لا تأبه إلا لرفاهية نفسها. يبثون شعارات مدلسة واهنة ليس لواقعها من نصيب، أخمدوا الشعوب بها لسنوات طوال حتى إستمرأت العبودية. ولو قرأنا سيرة هؤلاء لأدركنا أننا عشنا في إكذوبة نهبت خيرات البلاد والعباد، و سهلوا مهمة أعداء الامة للإفساد بإسم التنوير والتطوير وهم أبعد بعد البون عن ذلك. غيروا من هوية معظم البلدان العربية حتى أصبحت الامة تتخذ الغرب نبراساً يُحتذى بهم في سقط أخلاقهم ومجونهم.
 
الغرب لا يريدون اوطانا منافسة لهم، بل يريدون شعوباً وأوطاناً تبعا لهم تستهلك ما ينتجون، ولن يتأت لهم ذلك إذا عم العدل في أوطاننا. لذا دأبوا في تعين من ينفذ اجندتهم. فقد قالها صراحة مؤسسة الصهيونية العالمية تيودور هورتزل : " سنولي على الشعوب العربية سفهائهم ليستقبلوا الجيش الاسرائيلي بالورود والريحان"، وهاهي خطته تكاد تقترب من النجاح طالما إستمرينا كشعوب خامدة نطبل للطغاة وكأنهم آلهة لا يخطأون. فوالله الذي خلق السماء بلا عمد، إن تمكنوا منا فلن تأخذهم بنا رحمة، فالتاريخ خير شاهدٌ على ذلك.
 
وما يحدث الان في ليبيا لهو دليلٌ على ذلك بيّن. فبعد أن إعترفوا بحكومة الوفاق أممياً ممثلة للدولة، إنقلوبا على أمرهم وجندوا المارق حفتر بعد إدراكهم أن العدل سارٍ في الامة. أما الجزائر والسودان تكاد تكونا عصية عليهم، وندعو الله أن يكلل ثورتيهما بالنجاح.
 
فتصفية القذافي لم تكن إلا عندما خرج من تحت عباءتهم، فكاد أن يفلس حسابات روتشيلد في البنوك الافريقية بصك عملة نقدية من الذهب، لاستخدامها في الإتحاد الإفريقي، الذي كان مزمع إنشاءه. ولا ننسى الرئيس ابراهيم الحمدي الذي خرج عن منحى الآلة العسكرية المعروفة بإنتهاجها العجرفة والتجبر، فكان أيقونة عصره بين الحكام. فنهضت اليمن وتحولت تحول جذري من دولة فاقدةً لاقل سبل الحياة إلى دولة غدت تسدد إلتزاماتها للبنك الدولي مثلها مثل الدول الغنية. فاغتالته أيادي الغدر لإرجعاع اليمن إلى المربع الأول. وبطبيعة الحال شتان بينه وبين القذافي الذي عُرف الأخير عنه بدكتاتوريته، فأجج الغرب عليه الشعب الحانق منه، وتم إغتياله على أيادي حفنة قليلة من شعبه حتى ادخلوا العسى في دبره إهانة له لما إقترفه في حق الليبين.
 
وما يحزنني هو أن من ينفذ خطط الصهاينة هم من بني جلدتنا الذين كان من المفترض أن يصونوا أوطاننا ومقدراتنا، لا أن ينقلبوا على أعقابهم خاسئين أمام شعوبهم ويتساقطون الواحد تلو الأخر كلما انتفض الشعب. بالامس القريب ودعنا بوتفليقه ثم تلاه البشير بعده بأيام قلائل، والحبل جرار و ليس هناك أحد من الحكام منزهٌ منها. فهناك من يعتقد أن شعبه راضيٍ عنه و لا يدرك أن المطبلين والمتزلفين في مجالسهم وأمام الاعلام والجرائد هم اول من سيقف في وجوههم عندما يقع الفأس على الرأس.
 
و الأخطر من ذلك أن المتأمرين من أنظمتنا يمهدون للصهاينة مزيدا من التمكين في المنطقة، وذلك بهرولتهم للتطبيع المشؤوم مع هذا الكيان السرطاني المزروع في خاصرة الامة، و أصبح يسري في دمائها كالجرثومة حتى اصبحت معتلة. أؤكد لكم دوام الحال من المحال طالما هناك من شرفاء الامة المدافعين عن الحق وإعلاء كلمة الله. فالدنيا دوليك يوم لك ويوم عليك، والقادم لنا بعد أن عشنا الذلة والمهانة، فأصبح دم العربي أرخص من حبة الرصاصة، يقتل كما يقتل الفأر دون إكتراثاً له.
 
سألني والدي عام 1996م عن مستقبل اليمن، فكان ردي تلقائياً أن اليمن مقبلة على ثورة شعب تقتلع الرئيس علي عبدالله صالح. فعهده كان سيء للغاية. إنتشر الفساد في كل بقاع اليمن، فأصبحت الرشاوي منتشرة على مستوى جميع أجهزة الدولة، وهذا حال الخمس دول التي قامت بها ثورات الشعوب. و من المفارقات أن هذه الدول يحكمها العسكر الذين يشتركون بنفس الايديولوجيا الفارغة من الانسانية والحكمة والعدل. فهي معول للخيانات وعونا للأعداء منذ ثورة عبدالناصر ضد الملكية، ومن يومها بدأت تتكابل علينا المصائب الواحدة تلو الاخرى بإسم نعارات القومية.
 
قال سبحانه وتعالى :{ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ? وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ? كَذَ?لِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ? فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ? وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ? كَذَ?لِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ }... سورة الرعد... فهذه الثورات التي تظهر بين حينة وفينة هي لاجتثاث الزبد الذي لا ينفع، بل اصبح ضارا وهذا هو حال الانظمة العربية الحالية إلا من رحم ربي. وما نراه هذه الايام من ثبات الشعوب في الجزائر والسودان حتى أجتثاث كل رموز الفساد مبشرا للغاية، ولا ننسى انتصارات جيش الله البواسل في ليبيا ضد حفتر وأعوانه من الصهاينة هو ايضا بشارة خير، والقادم بإذن الله افضل. فإن حبل الباطل سينتهي مهما طال وحينها سنهتف "جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا". والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

* نقلا من صفحة الكاتب بالفيسبوك

التعليقات