هل من مخرجٍ لليمن من معتقل المجاملات؟
السبت, 31 أغسطس, 2019 - 09:12 صباحاً

ما حصل بعدن والتفريط بها أحدث معادلة محيرة جعلت السعودية في وضع محرج جدا، وخصوصا أوشك ظهرها الجنوبي أن يكون مكشوفا على الجبهات الموالية لإيران التي تسعى منذ أن جاء ولاية الفقية إلى سدة الحكم بإعادت أمجاد القرامطة الذين تعدوا على الحجيج وأزهقوا أرواح ما يربوا عن ثلاثين ألف شخصا، واقتلعوا الحجر الأسود ونقلوه إلى منطقة الاحساء، وكان ذلك عام (317هـ - 908م).
 
كما أنها أدركت بأن زوال حكومة هادي هو زوال شرعية تواجدها في حربها ضد الحوثيين، لاسيما أن تحالف الإمارت مع إيران أعطى مؤشرا خطرا عمل على خسارة حليفا يمثل تواجده صمام الأمان. وفي المقابل سكوتها على تصرفات الإمارات العبثية في جنوب اليمن أشبه بالذي يحفر قبره بنفسه، لاسيما أن عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الإنتقالي يوالي إيران، وقد قضى بعض الوقت ليس بالقليل في ضيافة حزب الله في الجنوب اللبناني، فيما لاشك فيه قد تأثر بأفكارهم الإثني عشرية، تماما كما حدث لبدر الدين الحوثي حينما مكث لفترة ليست بالقليلة في الحوزة الدينية بمدينة قم بإيران.
 
إن ما يحدث في اليمن هي جريمة تشترك بها الأمم المتحدة على سكوتها الغير مبرر، غير أنها أطلقت تصريحات هزيلة لا ترقى إلى مستوى الحدث الجلل. دولة يُعتدى عليها عيانا بيانا من دولة كان من المفترض أن تناصرها، وبدلا من ذلك شرعت بتمزيقها بذريعة محاربة الإرهاب. فحقيقة الأمر اتخذت هذه الحيل لمد جسر لتحقيق مآربها الدنيئة، والسيطرة على مواردها وموانئها الجيوستراتيجية.
 
ما حدث في عدن كان من المفترض قرأنا مؤشراته من بداية المبادرة الخليجية التي تم فيها إختطاف ثورة الشعب، وتعين هادي رئيسا إنتقاليا بإيحاء من المخلوع حتى يستخدمه سلما للرجوع إلى سدة الحكم مرة أخرى، ولكن أظهر فخامة الرئيس هادي حنكة غير متوقعة حينما بدأ بإرساء مباديء دولة إتحادية قوية، قد تشكل تهديدا لدولة مجاورة اقتصاديا لموانئها المزبرقة على ضفاف مضيق هرمز.
 
فما كان من محور الشر إلاّ اختلاق فتنة لقلب طاولة الاستقرار على هادي لدعم الفجرة من الكهنوتيين القابعين في كهوف الجبال والتعاون مع المرتزقة الخونة قليلي المروءة من الداخل لإسقاط صنعاء وإنهاء حكم هادي. ولولا أن انتقال الحكم في دولة ما من رعيلٍ إلى رعيلٍ آخر وانتفاءهم من مخطط الشر لذاب هادي وأصبح من التاريخ. ولكن مصائب قوم عند قوم فوائده.
 
لا يريدون هادي وحكومته التي تمنعت في تمرير مآربهم التي اكتسبوها من المخلوع، والتي كانت سببا في هيجان الناس بثورتهم للضنك الذي أصابهم، نتيجة بيع مقدرات الدولة بأبخس الأثمان ضاربا مصلحة الشعب بعرض الحائط. فاليمن منذ قديم الزمان تكابلت عليها حكومات وأفراد لا تعي من السياسة غير ملء جيوبها.
 
فاليوم الإمارات تسعى إلى عهد زمام الأمر في الجنوب إلى حكومة منبطحة وموالية لها، وهذا مالا تراه في حكومة هادي. وفي الجانب الآخر أن ما جرى أحدث ربكة في حسابات السعودية الغير متوقعه، والذي سيتيح لإيران الفرصة لتنفيذ مخططها الإجرامي على نطاق أوسع لتمزيق المنطقة وسيطرتها على الحرمين، وهذا ليس بسهل المنال.
 
والآن بعدما سقطت ورقة التوت وبانت عورات الإمارات وجب على هادي أن ينفض غبار التحالف من على جسد حكومته وأن يرتقي بسياساته أفضل من ذلك، وترتيب أوراقه المبعثرة التي أدخلت اليمن في متاهات كانت في غنى عنها. يجب على هادي أن يعمل جاهدا لتحرير نفسه من معتقل المجاملات والنظر إلى أبعد من ذلك لمصلحة اليمن، فكلمة الحق لا يمكن أن تنغمص في ألوان الطيف الغير واضح. ما حدث من قتل وتمزيق الجيش والتمثيل بأفراده من قبل المرتزقة لم نسمع للسعودية أي تعليق حياله، وهذا ما يجعلنا مرتابين وقلقين على مستقبل اليمن.
 
قضية اليمن دخلت في نفق مظلم لا نرى له نهاية تُذكر، فقرارات التحالف متباينة أشبه كالماء لا لون له ولا رائحة. وهذا ما سيعقد الأمور أكثر في الأيام القادمة. وهنا لزاما على شرعيتنا أن تكون شرعية فعلا وتَقْدُم على خطوات شجاعة وتنزع إرتهانها، وإلاّ لن يفرط شرفاء اليمن في كرامة دولتهم أكثر من ذلك، ولا غرابة إن كَوّنوا تحالفا حكوميا جديدا ناجما من صناديق الإقتراع أممياً. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
 

التعليقات