‏هل قمة ماليزيا هي الحل الأنجع لحل مشاكل الأمة؟
السبت, 21 ديسمبر, 2019 - 11:10 مساءً

 
هناك جدلٌ واسعٌ حول دعوة إيران في المؤتمر الإسلامي المصغر الذي استضافته ماليزيا وحضره تركيا وإيران وقطر، وكان من المفترض أن تحضره أيضا أندونيسيا والباكستان ولكن أعتذرتا في آخر لحظة قُبيل إنعقاده.
 
وقد صاحب هذا المؤتمر جدلٌ واسعا بين أوساط الكُتّاب والصحفيين حول مشاركة إيران وحضورها البارز، فمنهم من كان مؤيداً ومنهم من كان رافضاً بسبب انتهاكاتها وبث الفتن ودعم المليشيات في سوريا والعراق واليمن، ليس ذلك فحسب بل بعضهم لوح عن علاقتها الخفية المشبوه مع اسرائيل.
 
المؤتمر عُقد لملء الفراغ الذي أحدثه عجز منظمة الدول الإسلامية، فما كان من مهاتير محمد إلا أن دعا لعقد هذا المؤتمر حتى يبقي ولو يسيراً من جسد الأمة الإسلامية بعدما مزقه خلافات الإخوة في الدين والعقيدة.
 
ولكن من الصعوبة بمكان إعتبار هذا المؤتمر اسلامياً لعاملين، أولاهما أن معظم الدول علمانية ماعدا قطر وهذا نتجاوزه، وثانيهما دعوة إيران التي لا تدين بإسلامنا وهي من تم دسها في المنطقة من قبل الغرب لوأد أي مشروع إسلامي، دولة تمارس صنوف التعنت والإضطهاد مع معتقدي المذهب السني، وتدس الفتن وهي من تمول وتمون المليشيات المشبوهة في اليمن والعراق ولبنان وهي من تدعم بعض الأنظمة الدكتاتورية مثل النظام السوري.
 
ما نراه حقيقة ونعتقد إعتقادا جازما أن هذا المؤتمر هو مؤتمر تكتلات وبناء تحالفات إقليمية، وخصوصا أن ماليزيا دولة صغيرة لا تستطيع حماية نفسها بأي حال من الأحوال، لذا كانت الحاجة لقوة إقليمية حتى تحتمي بها من الضغوطات التي تُمارس عليها من بعد اعتلاء مهاتير محمد سدة الحكم وإلغاءه لمعاهدات التي أبرمها سلفه.
ولكن هل إيران هو الحليف الأمثل وهو من سيحمي حمى الإسلام لو افترضنا جدلاً أن هذا مؤتمراً إسلامياً مصغراً ؟ ... لا نعتقد ذلك أبداً، فهي تحمل أيديلوجيات تنافي أفكار ومعتقد كل من أردوغان ومهاتير محمد، فلابد أن ينشأ معها خلاف في القريب العاجل بسبب التجاذبات الإقليمية التي هي ساس المشكل بها، ونخشى أن يغدو مصير هذا المؤتمر  مثل أسلافه من المؤتمرات التي يتم فيها تبادل فن الخطابة فحسب.
 
طبعا الدسائس والمؤامرات لن تألوا حتى تطيح أو تقوض خطط وتأملات شعوب المؤتمرين، وما حدث مع اندونيسيا وباكستان كان أحد نتائجه الأولية والقادم ربما أكثر. فالمؤتمر في الواقع الأمر أحدث ربكة سواء في أوساط الدول الإسلامية، أو حتى لأمريكا والغرب عموما.
 
ونخشى أن يكون هذا المؤتمر آخر مسمار يُدق في نعش منظمة الدول الإسلامية. كما أنه لا يمكن أن يجتمع الحق مع الباطل وهذا ما حدث في اجتماعهم ونِقاشهم مع رأس الفتنة جمهورية إيران الغير إسلامية، وماذا سيكون رد تركيا وماليزيا للشعوب التي انهكتها هذه الدولة المارقة وسرقت استقرارها وأمنها، هل من الممكن أن يكون التحالف مع الشيطان مجديا، أَمّ أن المصالح الخاصة ألقت بظلالها على سياساتهم في ظل التجاذبات السياسية الإقليمية وضعف وتشرذم الوطن العربي، الذي من المفروض أن يكون حاضنة الأمة الإسلامية.
 
وهنا لا نقصد أن فتلة الدين مقصورة على العرب، فالدين دين الله يعز به من تمسك وعض عليه بالنواجذ.
 
وأما ما تمخض به هذا المؤتمر من قرارات زاد في الأمر حيرة، وخاصة قرار العمل على استقرار البلدان الإسلامية، التي أحد المخربين فيها هي إيران، اجتماع المُصلح والمُجرم لإصلاح الأمة لا يمكن أن يأتي بنتائج ترضي الطرفين، كل يرى الوضع بعين طبعه.
 
حجروا بعض المطبلين واسعا لغاية في نفوسهم من كلا الطرفين المؤيد والرافض وأدلوا بأرائهم مسبقا وافتراضا، ولكن ما نراه حقيقة أن الرؤوية ضبابية في ظل توحدهم مع إيران، لذا سيكون الأمر صعبا للغاية لجعل إيران تتخلى عن تصرفاتها العدوانية في المنطقة.
 
والتحدي الأكبر الذي يواجه قمة ماليزيا الملف اليمني والسوري الذي عاثت بهم إيران وأفسدت كل نواحي الحياة المدنية فيهم، هذا هو التحدي الحقيقي، فهل ستنجح جهود هذه القمة لرأب التصدع الذي أحدثته هذه الدولة.
 
أن تَحيّد بعض الدول العربية عن هذا المؤتمر لن يجدي نفعاً، بل يزيد الأمر تأزماً أكثر مما هو عليه. كان من المفترض أن تكون قمة لإزالة الخلافات وتوحيد الصف ضد الأخطار التي تحدق بالأمة، كان من المفترض أن يكون توجههم هو الجلوس والنقاش مع كل دولة نهجت منهجاً معادياً وإعادتها إلى جادة الطريق وقطع فرصة التدخل الغربي الذي يعمل دائما لصالحه، ذكر ذلك صراحةً وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كسنجر حينما قال : " إن أمريكا لا تهتم لحل مشاكل العالم، بقدر إهتمامها الإمساك بخيوط اللعبة ".
 
فمن هذا المنطلق يجب أن نُغلّب الأولويات على الفرعيات، ونعالج الشوائب تحت مظلة الأمة الإسلامية لا تحت مظلة الأمم المتحدة المرتهنة من قبل خمس دول تعمل ضمن مصالح مشتركة، لا تتقاطع مع مصلحة المسلمين البتة، وكلنا يحذوه الأمل بأن تركيا وماليزيا يقودا الأمة إلى ما يوحد الصف الإسلامي ويضمد جراح الأمة المثخنة، والضغط على إيران لتوقف عبثها وسحب مليشياتها من الأحداث الجارية في المنطقة. والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
 

التعليقات