لن نوجه الإتهامات، ولن نشكك في الدوافع، ولن نبحث في صدور الناس عن النوايا.
بل حتى أننا سنتعامل مع الصيحات المنادية بتغيير أو عزل الرئيس هادي على أنهم يريدون تحسين الوضع والخروج من حالة فشلنا بالإنجاز العسكري، وتحسين حالة الناس في المناطق المحررة، والخروج من المأساة التي يعاني منها كل اليمنيين سواء الذين في ظل الشرعية السائبة أو تحت قبضة الحوثي المتينة.
هل يستطيع اليمنيون تناول هذا الموضوع بعقل بارد؟
**
أولا: الرئيس غير موجود
**
الرئيس يعيش في قصر الملك سعود ضمن مباني قصر المؤتمرات في الرياض، فما هو الذي سيتغير داخل اليمن إذا غيرت المملكة السعودية تغيير مكان إقامته؟
والسعودية ممكن أن تقول له- ببساطة- أنت ضيفنا على الرحب والسعة، لكن من الآن فصاعدا، لا تدلي بخطابات في المناسبات القومية ولا تتكلم عن المرجعيات الثلاث.
بلحظة البرق، سينتهي كل شيئ وستتحقق أحلام الحوثي وإيران وخيالات البعض منا بالتخلص من الرئيس هادي.
**
ثانيا: الرئيس والسعودية
**
مادامت السعودية، هي العامل رقم واحد لبقاء الرئيس هادي، إذن فالمملكة هي التي تستطيع إزاحة الرئيس هادي في يوم واحد ولن يدافع عن الرئيس هادي حينها- لا في داخل اليمن ولا خارجها- شخص واحد.
وعلى الذي يريد إزاحة الرئيس هادي أن يوجه كلامه هذا مباشرة إلى المملكة العربية السعودية ولا يتعب نفسه بالذهاب إلى نيويورك ويناشد مجلس الأمن.
مجلس الأمن- في موضوع اليمن- يعني بريطانيا وأمريكا.
**
ثالثا: الرئيس وبريطانيا وأمريكا
**
وبريطانيا حزب المحافظين وأمريكا في عهد ترامب، لا تهمهن اليمن إلا من زاوية ما تريد السعودية.
وهذه البريطانيا والأمريكا الحاليتان في هذه الأيام، تريدان من السعودية أن تفتح أسواقها لبضاعتهم وتعطيهم مقاولات المشاريع الكبرى وتشتري منهم الأسلحة بكميات هائلة لكن بشرط ألا تدخل في حروب وأن تخرج من مستنقع اليمن بأي طريقة وتحت أي ترتيبات مؤقتة لأن مثل هذه الحروب تستنفذ موارد وأموال المملكة التي كان من الممكن أن تذهب إلى بريطانيا وأمريكا.
بريطانيا وأمريكا، لا يهمهن ماذا يريد الشعب اليمني ولا ما الذي سيحدث له.
وتقللان من شأن كل الهواجس أو المخاوف التي تقلق اليمنيين وقد تتطاولا أحيانا بالاستخفاف بأحلام اليمنيين أو قد ترتديان ثياب الواعظين ويثقلن علينا بخطب وأطروحات حاذقة متحذلقة سواء عن طريق سفراءهم أو المفوض الأممي أو مراكز التفكير الاستراتيجية في عواصمهم أو محلليهم الباحثين في الشؤون اليمنية، أو عن طريق اليمنيين أنفسهم من الناشطين في ندواتهم ومؤتمراتهم ورحلاتهم أو المنظمات اليمنية غير الحكومية التي يمولونها أو مراكز التفكير الاستراتيجية اليمنية التي أنشأوها وهم ممولوها.
خلاصة هذه النقطة هي أن بريطانيا وأمريكا تنظران لليمن وتستكشفان ما يمكن أن تصير عليه اليمن من زاوية "ناظور" أو "منظار" السعودية.
والسعودية، قد تعطي لندن وواشنطن مساحة للاستكشاف والتحرك والابتكار في مسألة اليمن، ولكن المملكة تستطيع أن توقفهم بهمسة أو لمسة أو نظرة عين.
أو قد تشير السعودية لقوى الشرعية أن تبهذل الخواجات، فينتهي السيرك بلحظات.
يعني رجعنا ثاني للسعودية.
**
رابعا: الرئيس والإمارات
**
الإمارات، طردت الرئيس هادي من عاصمته من عدن.
الإمارات، ملأت الساحل الغربي لليمن والمناطق الجنوبية بميليشيات مسلحة وكيانات سياسية تقول أنها ضد الرئيس هادي وضد الشرعية وضد المرجعيات الثلاث، وهذه الميليشيات المسلحة والممولة إماراتيا أقوى من أي مكونات محلية تؤيد الشرعية.
الإمارات، تضعف الرئيس هادي بقوة سلاحها والإغداق بالأموال على من يوافق على معاداة ومخاصمة هادي، ثم تنطلق أجهزة الدعاية والمنظمات والمراكز الاسترتيجية بالدعوة للإزاحة والإطاحة بالرئيس هادي بحجة أنه ضعيف أو بحجة أن الميليشيات المسلحة والكيانات السياسية من صنائع الإمارات قد أصبحت هي: "الأمر الواقع".
ثم يأتي المفوض الأممي جريفثس ويقول: يجب احترام "الأمر الواقع".
ووزير خارجية الشرعية، قد اشتكى من الإمارات وهاجمها من على منبر الأمم المتحدة، وهذا طبعا بأمر مباشر من الرئيس.
**
خامسا: الرئيس وتحالف السعودية مع الإمارات
**
هذه نقطة شائكة.
السعودية والامارات، تعلنان بصورة دورية أن حلفهما وثيق سواء في اليمن أو في كل شؤون المنطقة.
ولكن أي شخص عادي- حاذق أو مسكين على نياته- يستطيع أن يرى أن مواقف الدولتين في اليمن متناقضة ومتعاكسة أو حتى معادية لبعضها البعض.
وعند هذه النقطة يصيح اليمنيون من الألم ويبدؤون بالصراخ ضد السعودية وضد الإمارات وضد بعضهم البعض.
ويزداد تمزق صفوف اليمن وسط بهجة وسرور الحوثيين والإيرانيين.
ويحلف بعض اليمنيين أغلظ الأيمان بأن هذا ما هو إلا توزيع أدوار بين السعودية والإمارات.
السعودية، ترفع "كرة الطائرة" والإمارات تقوم بضربها بكل قوتها.
والبعض يقول بأن الإمارات موجودة على الأرض بقوة ومرتكزة على قوى يمنية قد اشتد عودها وأن الرياض تائهة ومرتبكة ولا تريد أن تدخل في صراع مع أبو ظبي داخل اليمن، خصوصا وأنهما شريكتان كبريتان في نشاط إقليمي واسع في مجالات لا تعنينا وفي ميادين الإخوان المسلمين وتركيا قطر ومصر وليبيا وغيرها من البلدان.
**
سادسا: الرئيس والسعودية والإمارات وإيران
**
إيران، لا تريد أن يبقى الرئيس هادي لحظة واحدة.
قد استثمرت إيران في الحركة الحوثية وهي في المهد حتى من قبل أيام حروب صعدة الستة. وقد كانت البدايات في اليمن منذ عام 1982، على يد العلامة الزيدي، أحمد فليتة، والذي أنشأ في عام 1986 اتحاد الشباب المؤمن.
والآن، الحركة الحوثية، هي القوة الضاربة رقم 1 في كل اليمن ومن غير المعقول أن تترك إيران هذا الاستثمار الضخم ولا أن تتخلى عن الأرباح وقد اقترب وقت الحصاد وقطف الثمار.
والحركة الحوثية، هي الأمر الواقع في معظم شمال اليمن، ولا ينقص من قدرها إلا شيئا معنويا واحدا، وهو مسمى "الشرعية".
وبذهاب هادي، ينزاح هذا الشيئ المعنوي.
وعلى هذا فإن إيران تعمل على إزاحة الرئيس هادي وعلى إنهاء مسمى "الشرعية"، وعلى التخلي عن المرجعيات الثلاث.
الإمارات، تخاف من إيران لأن الحرس الثوري الإيراني يستطيع أن يَشل ويُكسح جوهرة الإمارات ودرتها الثمينة بتفجير واحد في برج خليفة في دبي أو بطائرة مسيرة مفخخة واحدة في مطارها الدولي العظيم.
الإمارات، لا يمكن أن تقف في اليمن موقفا واحدا ضد مصالح إيران الحيوية.
لو كان على الإمارات أن تختار في أي وقت بين مصالحها مع إيران أو تلك التي مع السعودية، فستغلب مصالح إيران.
وفي نفس الوقت، لا يمكن أبدا أبدا أبدا أن تلتقي مصالح إيران مع مصالح السعودية ولا أن تتصالحا.
ما يريده ملالي إيران من السعودية أكبر بكثير مما تستطيع أن تقبله وتقدمه الرياض سواء بالنسبة لشيعة الأحساء في المنطقة الشرقية أو الأماكن المقدسة في مكة أو المدينة المنورة أو ما تريده طهران من "إتاوات" على ثروات المملكة السعودية الطائلة.
واليمنيون الرافضون للانقلاب الحوثي المسلح، لا يقبلون أبدا لا بالحوثي ولا بإيران.
وهذه هي وجهة نظري التي أحاول أن أقويها دائما، وهي أن مصالحنا مع السعودية مشتركة وقوية، ويجب أن نقويها حتى ولو كانوا هم أنفسهم غافلون عن أحسن الطرق لتقويتها.
ونحن لن نقول للمملكة ماذا يجب أن تفعل مع الإمارات، ولا كيف تحافظ على انسجامها مع الإمارات في بقية شؤون المنطقة ولا كيف يجب عليها أن تختلف معها في اليمن فهذا شأنها وحدها، وهذه هي إحدى المهمات الكبرى التي عليها أن تنجزها هذه الأيام إذا استقام تحليلنا هذا وإذا أرادت أن تحشد صفوف اليمنيين للوقوف معها ضد الخطر المشترك.
**
سابعا: الرئيس والمجلس الرئاسي وغيرها من الخرابيط
**
سيل من الأفكار والرؤى هنا وهناك بعضها أممي وبعضها من محللين غربيين في مراكز أبحاث وبعضها فش غل من الساخطين على فشل الشرعية والتحالف سنقفز فوقها بسطور قليلة.
•مجلس رئاسي يضم الحوثي.
لن يقبل بهذا حتى الحوثي، وإذا قبل فإن عليكم أن تقبلوا بسيطرته عليه وتحمل مواعظه وأساليب الشريعة والمحاماة والمقاضاة التي سيدوخكم بها.
هذا ونحن لم نذكر بعد قلة الحياء ولا الوقاحة التي لا طاقة لكم بها.
هذا ونحن لم نذكر بعد ما قد يفعله بنا وبكم في شوارع المدن والجبال والوديان بواسطة ميليشياته المسلحة.
وحتى إذا قررتم مواجهته فستعود كل مظاهر الحرب وينتهي المجلس الرئاسي.
•توحيد الصفوف ومقاومة شعبية خارج الشرعية وخارج التحالف.
هذا لا يحتاج لتصريح ولا إذن!
إفعلوا مثل الحوثيين!
اتفضلوا وابدؤوا من الآن!
هذا الفرس وهذا الميدان!
**
ثامنا: في أي ملعب هي "كرة الرئيس"؟
**
من كل ما سبق، فإن مسألة "الرئيس" ومسألة "الرئاسة" وقضية "الشرعية" هي في ملعب الرئيس هادي نفسه وفي ملعب السعودية.
هذه المواضيع، لن تحسم إلا في هذا "الملعب"
على الرئيس هادي أن يلملم نفسه ويغير من طرقه ويحشد مصادر قوته ويغطي نقاط ضعفه.
وبعدها يقدم نفسه كحليف معه أوراق ونقاط قوة وكيان يمكن الركون عليه في المعركة العسيرة الطويلة التي مازالت في الانتظار.
وعلى السعودية إجراء مراجعة شاملة لكل ما حدث ووضع تصور لما يجب أن يحدث باستعمال تقنيات الإدارة والمساءلة والمحاسبة والتدقيق.
وتتفاهم مع الرئيس هادي وتنسق مع القوى المؤيدة للشرعية وتحشدها للمعركة العسيرة الطويلة التي بالانتظار.