الحرب في اليمن ... وآفاق الحلول المُغيبة!
الأحد, 13 سبتمبر, 2020 - 09:02 مساءً

    ليس للحرب في اليمن تعريف وتوصيف محدد، ويصعب الإتيان بتعريف شامل لكثرة العوامل والمدخلات، وتعدد الأطراف المشاركة والمنخرطة فيها، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، فليست بالحرب الأهلية ولا الطائفية، ولا الحرب الدولية، وفي نفس الوقت أطرافها أصبحوا كثر، ويجتمع في حرب اليمن أوصاف عديدة، فهي حرب مختلطة مركبة “هجينة”. وستسجل ضمن أغرب الحروب إن صح التعبير، إن لم تكن كأغرب حرب على الإطلاق بحملها كل التناقضات.
 
اليمنيون عبر التاريخ:
 
      وبعيداً عن التساؤلات حول طبيعة وماهية الحرب في اليمن، توثق كتب التاريخ بأن اليمن كانت أرض هجرة لعدة قرون، فقد هاجر اليمنيون بصورة طوعية خلال القرون الثلاثة الماضية وساهموا في نشر الثقافات والتبادل التجاري وغيرها من الأمور التي أدت إلى انتقال الكثير من عناصر التراث الثقافي بين اليمن وقارات العالم المختلفة، فقد وصل العديد من اليمنيين جميع أنحاء شبة الجزيرة العربية وصولاً إلى شرق ووسط أفريقيا، وشمال أفريقيا إلى أقصي الغرب حتى المغرب، وشرقاً في جنوب وجنوب شرق آسيا، وأوروبا وغيرها من بقاع الأرض تاركين خلفهم موروث عريق كان له الأثر البالغ في رسم مناحي الحياة سواء السياسية منها - الاقتصادية - الاجتماعية والثقافية أثناء تنقلاتهم.
 
     وفي وقتنا الحاضر كانت الحرب هي العامل المفصلي لهجرة اليمنيين، فجاءت كخيار لا بديل له للعيش والهروب من الواقع المؤلم، والمشهد الضبابي الذي تغيب عنه آفاق الحلول السلمية لإنهاء الحرب التي نتج عنها صراع " يمني – يمني" بأدوات خارجية، صراع أشبه بمتاهة متشابكة بين فصائل متنافسة ومتناحرة من أجل السيطرة والسلطة، صراع جعل من الهجرة اجبارية للبقاء على قيد الحياة، فقد نسي حملة السلاح أن هناك مواطنين لا يعنيهم من يسيطر بقدر اهتمامهم بمن يؤمن لهم فرص العيش الكريم.
 
نتائج الحرب:
 
        فاقت النتائج الكارثية لهذه الحرب وهي تدخل عامها السادس، كوارث الحروب العديدة التي مرت بها اليمن في الماضي؛ فالمشردون والمهجرون والمهاجرون بالملايين داخل وخارج وطنهم، والقتلى يتجاوزون المئتي ألف ويزيد، والمحتاجون للمساعدة يصلون إلى أكثر من تلثي السكان البالغ عددهم حوالى 30 مليون نسمة حسب أخر الإحصائيات السكانية للأمم المتحدة للعام 2020، والموتى من المجاعة والأوبئة الفتاكة يتجاوزون قتلى الحرب العبثية التي حولت اليمن إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، التي انعكست بخسائر باهظة على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي والجيوسياسي، والأهم من ذلك الخسائر الإنسانية.
 
     يقول المفكر والسياسي اليمني المخُضرم الأستاذ/ عبدالباري طاهر بأن الحرب في اليمن عبثية ومن المستحيل معها الحسم العسكري لأسباب أهمها: أن لا قضية للحرب؛ فهي حرب عبثية على السلطة في المستوى الأهلي، وعدوانية توسعية منزوعة الأهداف في المستوى الإقليمي، وتجارة سلاح ومخططات إمبريالية في البعد الدولي.
 
 التسويات السياسية:
 
       ما قبل اتفاق ستوكهولم – والرياض وما بعده، كان من المؤمل أن يتم التركيز على الملف السياسي عبر مبعوثي الأمم المتحدة، وهو ما حدث في الكويت وسويسرا وجرت جولات بعضها طويل وبعضها قصير، ولم تصل كلها إلى نتيجة إيجابية تضع اليمنيين على مسار وخط نهائي للمعارك، وبذلك لم يجني اليمن من جولات التسوية السياسية سوى خيبات الأمل لوطن منكسر يقبع تحت وطأة وبراثن الحرب اللعينة، حرب متعددة الآفق لم يتمكن أطرافها والقوى الداعمة لهم من وضع تصور نهائي مفترض للمعركة ومكاسبها، بل ما زال النزيف والدمار مستمر، والكراهية والأحقاد تتزايد على المستويات كافة داخل مناطق اليمن.
 
الواقع والحلول المأمولة:
 
         خلف هذا الشتات هناك من اليمنيين من لا يزال يبحث عن بصيص أمل في ظل انعدام الحلول السياسية، وفشل الآلة العسكرية، الأمر الذي يستدعي معه عدم التمسك بالشعار القديم " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" الذي لم يعد صالحاً اليوم، والأجدر إعادة النظر في أسلوب وأهداف القوى المتصارعة وحلفائها على الساحة اليمنية، كون هذه الأهداف في جوهرها أهداف مستقلة بعيدة كل البعد عن مسار الحرب أو السلم، كونها نابعة من أنانية مفرطة تجاه تحقيق مصالح ومآرب شخصية.
 
       ومن المهم ايضاً العمل على تغير الأدوات التي أدارت وتدير المشهد اليمني، التي كانت سبباً رئيسياً في فشل تحقيق الانتقال السياسي السلمي، كما أن أطراف الحرب والقوى السياسية والحزبية في الساحة اليمنية لهم مصلحة في إطالة أمد الحرب، ولا تهتم بالتوافق والوصول لحلول سياسية، وتبقى والمصيبة الأكبر أن الأمم المتحدة لا ترى الحل إلا عبر هذه الأطراف، ولذلك وجب بأن تعي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأن هذه الأطراف المتنازعة والقوى الحزبية الهشة تمثل جزء بسيط من الحل، ولا يمكن أن تكون كل الحل.
 
     وأخيرا وليس آخرا لا يمكن اليوم قياس حرب الستة أعوام ومقارنتها بالماضي؛ فهذه الحرب التي شملت اليمن طولاً وعرضاً طالت مختلف المدن والقرى، وانخرط فيها المجتمع المدني والأهلي والأحزاب الكبيرة والتابعة، كان هدفها منذ البداية فصم المجتمع ووحدة الكيان اليمني وتدميره وتمزيق نسيجة المجتمعي.
 
     كما أن صراع القوى الإقليمية إلى جانب الدعم المفرط المقدم منها لأطراف الصراع في اليمن، ساهم بشكل مأساوي في تحويل اليمن – كل اليمن إلى ساحة قتال مفتوح، وتحويل اليمنيين معها لأدوات حرب رخيصة، وأصبح القرار الإقليمي المسنود دولياً هو الأقوى في الإصرار على استمرار الحرب.
 
وعليه: وجب تكرار التنويه والدعوة إلى تجاوز الضغائن والخلافات والأحقاد، والتمسك بالثوابت الوطنية للخروج من هذا المنعطف الخطير.
                      ((فالوطن ثابت وما سواه ... يتغير))
 
 

التعليقات