الملالاة.. سيدة المقامات التعزية
السبت, 02 نوفمبر, 2024 - 11:05 مساءً

في بساطتها عذوبة، وفي عاميتها شجن.
الملالة والمهاجل الشعبية والموالد أبرز تراث تعز اللامادي، إن لم تكن هي المنبع الروحي لهذه المدينة الحالمة.


فيما اتجهت الموالد الصوفية إلى نخبة اجتماعية ومناسباتية غالبا ما تكون محصورة في عائلات أو مدارس صوفية محددة، ارتبطت المهاجل بالإنتاج الزراعي والعمالي وتميّز بها الرجال عن النساء.


ظلّت الملالة التعبير الأوسع انتشارا والأصدق تعبيرا عن الحالة الإنسانية النابعة من وجدان الإنسان التعزي البسيط، وتميّزت فيها النساء لما ارتبط بها من نوازع ومشاعر الحنين والألم والحب، وليس أصدق من تلك الملالة غنتها منى على  بكل سحرها وشجنها وعذوبتها.


أو التي أداها الفنان عبد الباسط عبسي تعبيرا عن معاناة المرأة التعزية والريفية تحديدا، ومن بعده أمل كعدل (مسعود هجر) والتي كانت  قيامة عاطفية تمتد من كثافة الحلم الى قسوة الواقع الذي فرضته الطبيعة الاجتماعية والبيئية على ابناء تعز خصوصاً أولئك الذين ذهبوا في متاهة الغربة فعمقوا مأساة الخلل الأسري في المجتمع التعزي الفقير 
تلك الأغنية أو الملالاة التي  تردد صداها في اليمن والخليج برمته، وكانت التعبير الأصدق عن حالة الاغتراب التعزية.


ليس على الجميع أن يرهن خياله وعاطفته بفلسفة أو رؤية ما، فالملالة قد لاتكون  واجهة تعز الثقافية، لكنها تعبير صادق عن معاناة الناس وأفراحهم وغزلهم وأحلامهم، ونافذة للتعبير عن الذات والعواطف التي يصعب البوح بها بغير هذا الفن.


أرى في الملالة تعبيرا أصدق عن حالة التعزي النقي، تلك الحالة التي تتجاوز فيها الملالة حالة الشعرية والجمالية إلى الحرية الإنسانية التي تمتع بها أبناء تعز خلال عقود ماضية، فأنتجت هذه المفردات والكلمات التي تتسم بالعفوية والعاطفة الصادقة.


أن تعود الآن فتحيا ويتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا ما ينشره  الشاعر فارق السامعي في صفحته على الفيسبوك،أو تحييها الأجيال محتفظة بروحها الأصيلة التي تجعلها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية للتعزيين، ليس إلا لما يملكه هذا اللون من قدرة عجيبة على لمس قلوب وجراحهم وإيصال مشاعر معقدة من الحنين والحب والشوق والافتقاد لا يجدها الناس في الألوان الفنية وأو التراثية الأخرى.


عذوبة الملالة لا تكمن في قدرتها على إثارة العواطف بأقل الوسائل، بل في قدرتها على تلخيص مشاعر إنسانية مشتركة بيد كل الناس، ما يجعل منها فنا يتردد صداه في التلال والأرياف والشوارع والأزقة والمجالس والأفئدة.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك 

التعليقات