أمل الخطيب

أمل الخطيب

كاتب يمنية مقيمة في الولايات المتحدة

كل الكتابات
العدوّ (قصة قصيرة)
الإثنين, 14 يوليو, 2025 - 12:00 صباحاً

لم يقتصر الأمر على أنني لم أجد أحدًا مِنهُم؛ وإنما عناءً كبيرًا في الاهتداء إلى المكان الذي يقيم فيه العزاء.. كان المجمّع كبيرًا جدًا، لاحظني أحدٌ من بعيدٍ، تقدّم إليّ، تحدّث لي بصوتٍ بسيطٍ:
-
أهلًا يا سيّد! هل تحتاج للمساعدة؟!
 
فأخبرته أني أتيتُ للعزاء.. قال بشيءٍ من الارتباك:
-
عزاء؟! لم أسمع قطّ أن هُنا بهذا المجمّع عزاء!
 
وأضاف وهو يحملق بي:
-
هل أنت متأكدٌ يا سيدي؟!
 
لم أرد عليه، لذتُ بالصمتِ برهةً، ثمّ أردفتُ قائلًا بلطفٍ:
-
شكرًا يا سيّد.. شكرًا لك..
 
وتابعتُ سيري في المجمّع وهو يراقبني بنظراته.. قلتُ في نفسي:
-
إنّه رجلٌ مُريب! لماذا قال لي أنه لا يوجد عزاء؟!
 
أخذتُ هاتفي وأنا على حذرٍ من ذلك السيّد، أجريتُ مكالمةً:
-
ألو يا صديقي! إنني في المجمّع، ولكن أين بالضبط؟! إنه كبير جدًا.. حسنًا؛ سأنتظرك..
 
أطبقتُ الهاتف، وشعرت بالرجل يتقدّم نحوي ببطءٍ، شعرت بخفقان قلبي، فإذا بصوت صديقي يصرخ:
-
أنا هُنا! أنا هُنا!
 
التفتُّ بسرعةٍ للرجل، رأيته واقفًا يمعن النظر إليّ، ومشيتُ بخطواتٍ مسرعةٍ نحو صديقي ودخلنا العزاء، وكان هناك شجارٌ عنيفٌ ترتفع الأصوات بالسبِّ والشتم، وآخرون يحاولون تهدئة الوضع.. لفتُّ لصديقي:
-
ماذا يجري؟!
 
-
انظر! أولئك الذين يرتدون البدلات السوداء هم أهل الميت، أما الذين في الجانب المجاور لهم؛ ذاك الرجل الذي يرتدي البدلة الزرقاء هو كبيرهم وشريكهم في الأعمال والأموال..
 
-
طيب؛ لماذا يتشاجرون إذًا؟!
 
-
انتظر يا عزيزي؛ هم سبب مقتل الرجل الذي يعتبر الأخ الأكبر.
 
-
ماذا تقول؟! -كنتُ مندهشًا- كيف يأتون للجنازة وهم السبب بذلك؟!
 
-
هكذا هي الحياة..
 
وضحكَ، لكنّي لم أقتنع، وجلستُ أراقبهم عن كثبٍ، وأتعرّف على أسمائهم.
تقدّم إليّ صديقي:
-
عمّ تبحث؟!
 
ابتسمتُ وقلت:
-
مجرّد فضول..
 
نظر لي بنظراتٍ حادّةٍ وأجاب قائلًا:
-
الفضول سيء..
 
زاد ذلك إغرائي بهذا الموضوع وشغفي لمعرفة التفاصيل.. جلستُ على منضدةٍ كانت قريبةً قليلًا من الجماعة، وكان هناك رجل بالأربعينيات من عمره، رزين وهادئ، حليق الشارب والذقن، أسمر البشرة، اشتعل بالأبيض جزء من شعر رأسه، يرتدي كوتًا بنيًّا وقميصًا بنيًّا فاتحًا.. قلتُ لهُ بصوتٍ متحمّسٍ:
-
هل لي أن أجلسَ؟!
 
لوَّح بيده بكلّ وقارٍ وتهذّبٍ بأن أجلس، جلستُ وبدأتُ الحديث دون توقّفٍ حتى شعرتُ أني أسرفتُ في الثرثرة..
سألتُ الرجل غير مبالٍ:
-
هل رأيتَ الشجار الذي دار؟ كان هناكَ شجارٌ عنيفٌ دار بينهم.
 
ردّ عليّ بنفس الحالة التي هو فيها:
-
يا بنيّ حالما نسلّم بكونِ الخلافات لها أسبابٌ ودوافع؛ ينطرح أمامنا سؤالٌ جديد: أليس من الطبيعي أن توجد بعض المكتسبات التي تحظى بعالي التقدير والتي لا نتأبى أن تسيطر على خفايا الأمور؟!
 
أخذ الفنجان الذي أمامه، وارتشف مِنه، ونظر إليّ نظرةً بليغةً، وأردف:
-
في هذه الحالةِ ينبغي أن ننعت المبادئ الموجهة بداخلنا، فهي التي تجعل مِنّا أُناسًا يدركون ماذا يجري حولنا.
 
قلتُ له مرتبكًا:
-
اعذرني.. هلّا أوضحتَ لي إلى ماذا ترمز؟!
 
-
إنّه بمجرد أن تستيقظ شكوكنا نطرح على أنفسنا السؤال التالي: هل هناك طرف ثالت؟! وبالاعتماد على الملاحظةِ والتفكيرِ المنطقي طبعًا واكتشاف بعض جوانب الواقع الخارجي ومعرفة بعض الأمور التي جرت عن كثب.. بعد هذا كلّه لا يجوز لأيّ شيءٍ أن يمنعنا من تطبيق الأجزاء الناقصة.. الميت وحده هو من عرف الطرف الثالث الذي تسبب بهذا الخلاف الضخم، ودمّر علاقةً وطيدةً لسنين منذُ الأجداد، هو فقط من يعرف أن هذا الخلاف سيكون سببًا بالشتات والضياع والمزيد من الموتى، والحرب ما زالت في بدايتها يا بنيّ، سيسقطون واحدًا تلوى الآخر بسبب فعلٍ خفيٍّ ليس للطرفين دخل فيه؛ فقط يشتبه كلٌّ من الطرفين أنهم خصوم لا أصدقاء، بينما الخصم الحقيقيّ بين السطور يرتشف الفنجان ويرى الإنجاز.
 

التعليقات