[ السعودية و"اعتقالات سبتمبر": لا اتهام ولا محاكمة لمعتقلي الرأي ]
لا يزال وقعُ حملة الاعتقالات التي شنّتها السلطات السعودية في سبتمبر/أيلول على مئات المفكرين والمعارضين السياسيين والنشطاء والشعراء والأدباء والخبراء الاقتصاديين تلقي بظلالها على المشهد السياسي داخل المملكة، إذ لم توجه سُلطاتها حتى الآن أيَّ اتهامٍ ضد الموقوفين، ولم تُحلهم للمحاكمة.
وأفرجت السلطات السعودية عن بعض الموقوفين، وعلى رأسهم الشيخ سعيد بن مسفر، أحد أكبر رموز تيار "الصحوة" الديني بسبب كبر سنه، وعن الشاعر زياد بن حجاب بن نحيت بعد وساطةٍ إماراتية قامت بها زوجة محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي.
أسباب حملة الاعتقالات
ولا تزال أسباب حملة الاعتقالات التي بدأت مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الماضي غير واضحة، لكن نوعية النشطاء المستهدفين والمنتمين في غالبيتهم إلى تيار "الصحوة" الديني، أكبر تيار ديني منَظم في البلاد، والذي شهد دعماً حكومياً وانتشاراً هائلاً في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، توحي بأن السلطات قررت التخلص من الدعاة ورجال الدين ذوي الشعبية الجماهيرية، والذين اعترضوا على قيام السلطات بتبني سياسة السوق المفتوحة ورفع أسعار الوقود وفرض الضرائب على السعوديين، ما حدا بها إلى حجزهم وحبسهم في سجون وأماكن سرية عدة، أبرزها سجن ذهبان سيئ السمعة في مدينة جدة.
وأدى رفض عددٍ من رجال الدين والصحافيين والمفكرين، وعلى رأسهم الدكتور سلمان العودة والدكتور عوض القرني، الانخراط في الحملة الإعلامية الشرسة التي يقودُها المستشار الإعلامي في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني ضد دولة قطر، عقب قرار دول محور الرياض - أبو ظبي حصارها، بعد تصريحات مفبركة بُثت عقب اختراق وكالة الأنباء القطرية (قنا)، إلى سجنهم رفقة عددٍ آخر من المتهمين الذين فضلوا "الحياد" وعدم الحديث عن الأزمة الخليجية.
ولا يُعرف حتى الآن العدد الكلي لمعتقلي الرأي في السعودية منذ بدء الحملة، لكن "العربي الجديد" رصد أسماء أكثر من مئة شخص تم الإعلان عن اعتقالهم من قبل ذويهم ومقربين منهم، فيما يتوقع أن يكون مثلهم قد اعتقلوا من دون إفصاح ذويهم خوفاً على سلامتهم الشخصية، وأملاً في إفراج السلطات السعودية عنهم.
ويعاني الكثيرُ من المعتقلين من المرض، ومنع الأدوية عنهم، والتضييق عليهم داخل زنازينهم وأماكن احتجازهم، حيث يعاني الأكاديمي والمفكر والباحث الدكتور مصطفى الحسن من تأخر تسليم أدويته، وانقطاعها في بعض الأحيان، رغم معاناته الشديدة مع مرض السرطان.
ويُعدّ الدكتور سلمان العودة أبرز المعتقلين في سجن ذهبان السياسي في جدة، حيث سرت شائعات أفادت بتعرضه لأزمة قلبية ونقله إلى أحد مستشفيات المدينة، فيما يرافقه في السجن أيضاً الدكتور عوض القرني، الأكاديمي والباحث الإسلامي، كما اعتقلت الحملة أيضاً الخبير الاقتصادي عصام الزامل، والمفكر عبدالله المالكي، والدكتور يوسف الأحمد، والدكتور خالد العودة، والدكتور علي العمري، والدكتور محمد موسى الشريف.
وبالإضافة إلى هذه الأسماء، اعتقلت السلطات أيضاً الإعلاميين فهد السنيدي وصالح الشيحي، والداعية الإسلامي غرم البيشي، والدكتور محمد البراك والدكتور يوسف المهوس، والصحافي مساعد الكثيري، والمنشد ربيع حافظ والأكاديميتين رقية المحارب وعايشة المرزوق اللتين تعانيان من نقص الأدوية بحسب مقربين منهما، والروائي فوزان الغسلان، ورجل الدين الشيخ سعد البريك المُقرب من ولي العهد المعزول الأمير محمد بن نايف، والدكتور ورجل الأعمال وليد فتيحي الذي أعلن عن اعتقاله مؤخراً بعد تلاشي أمل المقربين منه بالإفراج عنه.
لا بوادر إصلاح
وقال الناشط في مجال حقوق الإنسان والمعارض السعودي يحيى عسيري لـ"العربي الجديد": "لا توجد بوادر إصلاح في السعودية. ما يحدث الآن هو استبدادٌ رهيب يقوم به النظام، إلى درجة أنه يمنع أيَّ كلمة انتقاد بسيطة جداً تجاهه، وهو ما حدث تجاه الصحافيين والإعلاميين الذين اعتقلتهم أجهزة محمد بن سلمان، والذي أرى أنه في أضعف مراحله ولا توجد لديه أي بادرة قوة إلا إذا قام بالإفراج عن المعتقلين وأسس لدولةٍ دستورية حقيقية".