من الواضح أن الوسط الفني سيشهد معركةً كبيرة خلال الفترة المقبلة، ما بين الفنانين والنقابات من جهة، وبين الهيئة الوطنية للإعلام والجهات الرقابية من جهة أخرى، وهو ما تعكسه الأحداث الحالية على الساحة.
وآخِر تلك الأحداث التي أشعلت الموقفَ كانت استقالة الفنان أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية من منصبه، ومن بعده المكالمة الهاتفية التي تحدث فيها الفنان عادل إمام مع الإعلامي وائل الإبراشي في برنامجه، ورفض فيها وصايا الجهات الرقابية، والقيود الجديدة من جانب الهيئة الوطنية للإعلام.. فماذا حدث خلال الفترة السابقة؟
الهيئة الوطنية للإعلام وتخفيض الأجور
دارت في الكواليس خلال الفترة السابقة أخبار عن إصدار قرار من الهيئة الوطنية للإعلام بتحديد ميزانية للمسلسلات وأجور الفنانين، وإلزام القنوات الفضائية بعدم شراء أي مسلسل بأكثر من 70 مليون جنيه (حوالي 4 ملايين دولار)، وهو ما يعني تخفيض أجور النجوم بالتبعية، لأن هناك نجوماً مثل عادل إمام وأحمد السقا ومحمد رمضان يحصلون على ما بين 50 إلى 60 مليون جنيه عن المسلسل الواحد.
ولم يكتفِ القرار بذلك، بل ألزم القنوات بألا يتخطى إجمالي ما تنفقه على شراء المسلسلات 230 مليون جنيه، بمعدل 5 مسلسلات، وهو ما يعني إحجام المنتجين أيضاً. وتضمَّنت القرارات ألا يتم استضافة نجم في أي برنامج بأكثر من 250 ألف جنيه كحد أقصى، على الرغم من أن هناك نجوماً يحصلون على أكثر من مليون جنيه في حلقة البرنامج.
لجنة الدراما.. رقابة مضاعفة
وبالرغم من تواجد هيئة للرقابة على المصنفات الفنية في مصر، فإن المجلس الأعلى للإعلام شكَّل لجنة للدراما تابعة له، بناء على أوامر حكومية، مهمتها وضع أسس ومعايير للأعمال الدرامية.
وتم تصنيف هذا الأمر على أنه قيود رقابية جديدة على صناعة الفن، وهو ما رفضه العديد من المبدعين والمثقفين.
وأكد المخرج محمد فاضل، رئيس اللجنة، في تصريحات صحفية، أن اللجنة ليست بديلة لهيئة الرقابة على المصنفات، ولكنها مساعدة لها، ووصف طبيعة عمل اللجنة قائلاً "إننا لن نقول للمبدعين كيف يعملون، أو نقوم بتحديد آلية أعمالهم الفنية، أو كيف يقدمونها، ولكن الهدف الأكبر والأهم بالنسبة للجنة هو أن المحتوى يتماشى مع ظروف الدولة والوقت الراهن، وما تمر به من تحديات".
وستبدأ اللجنة عملها بالاجتماع مع رؤساء القنوات الفضائية، ومتابعة ما لديهم من مسلسلات ومراجعة محتواها، وتحديد ما هو المناسب للعرض، وما هو غير مناسب، حيث اختلفت الآراء ما بين مؤيد ومعارض لوجود مثل تلك النوعية من اللجان.
عادل إمام يهرب إلى الخليج
أول من رفض تلك التوصيات بطريقة غير مباشرة كان الفنان عادل إمام، الذي رفض تخليه عن أجره في مسلسله الجديد "عوالم خفية"، على الرغم من أن الشركة المنتجة "ماجنوم" هي شركة نجله المخرج رامي إمام، الذي يقوم بإخراج المسلسل له أيضاً، حيث وجد الزعيم أن الحل الأمثل هو الاتجاه للخليج.
وبدلاً من بيع مسلسله كالمعتاد لقناة "MBC مصر"، قرَّر الزعيم بيعه للتلفزيون السعودي بأكثر من 150 مليون جنيه، حيث نال التلفزيون السعودي حقَّ عرض المسلسل بشكل حصري لمدة عشر سنوات، فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، باستثناء مصر.
استقالة نقيب المهن التمثيلية
وبشكل مفاجئ، ودون سابق إنذار قدَّم الفنان أشرف زكي نقيب المهن التمثيلية استقالته من منصبه، دون إبداء أسباب، حيث أغلق هاتفه بعد تقديم استقالته، ورفض الرد على المكالمات المستفسرة عن سبب الاستقالة.
ولكن الأمر تم تفسيره على أنه بسبب تحجيم دور النقابات الفنية، ومحاولة الضغط عليها للانصياع لقرارات الهيئة الوطنية للإعلام، ولجنة الدراما الجديدة، وما زاد من تلك التكهنات هو تهديد أعضاء المجلس بتقديم استقالاتهم في اليوم التالي، تضامناً معه، وهو ما يعني أنه لا توجد خلافات داخل المجلس، بل إنهم جميعاً في نفس الخندق.
ولكن تعليق أشرف زكي على خبر استقالته بعد ساعات أكد الأمر، حيث أوضح أن المناخ العام غير مناسب للعمل، مؤكداً أنه يبذل جهداً مضاعفاً من خلال منصبه، ولكن هناك ضغوطات كبيرة تُمارَس عليه، دون أن يوضِّح الأمر أكثر من ذلك، وهو ما زاد من الربط بين استقالته وبين ما يحدث في الوسط الفني من تدخلات حكومية.
الزعيم يرفض اللجان الفاشية
وفي أول مداخلة تليفونية له منذ فترة طويلة، في برنامج "العاشرة مساء" مع الإعلامي وائل الإبراشي على قناة دريم، أكد الفنان عادل إمام رفضه للوصايا والقيود التي تفرض على الفن من قبل الحكومة والدولة، حيث وصف الأمر بأنه "كلام فارغ"، في رده على سؤال وائل الإبراشي له عن تلك الضوابط.
وأضاف في مداخلته الهاتفية "احنا مش عاوزين وصايا، الوصي على الفن هو الفن نفسه"، مؤكداً أنه لا يستطيع أحد أن يحدد ما يُعرض وما لا يعرض على الشاشة، واصفاً ما يحدث بأنه "هزار".
وردَّ على سؤال وائل الإبراشي عن وجود لجنة الدراما مستنكراً "هو احنا ناقصين لجان! لجان إيه؟ احنا مش ناقصين لجان فاشية"، مؤكداً في النهاية أنه لا يوجد رقيب على الفن، وأن الجمهور هو الحكم على الأعمال الفنية.
السينما هي الحل
الفنان عادل إمام استطاع الخروج من ذلك المأزق، لأن شركة نجله هي المنتجة للعمل، لذلك لم يجد مشكلات في تسويقه بالطريقة الأنسب له، لكن هناك فنانين آخرين لم تكن لديهم القدرة على إجبار منتجيهم على تسويق مسلسلاتهم بالطريقة المناسبة لهم، ففضلوا تقديم أعمال سينمائية بدلاً من الظهور درامياً.
الفنان يوسف الشريف لم يغب عن دراما رمضان منذ عام 2011، وبعد هذه السنوات قرَّر التخلي عن الدراما، وتقديم فيلم سينمائي بعنوان "بني آدم"، بعد غياب عن السينما دام لأكثر من 9 سنوات.
والفنان طارق لطفي، الذي لم يغِب عن الدراما على مدار الأعوام الثلاثة السابقة، وتأخر عرض مسلسله الأخير بسبب ظروف التصوير، يغيب هذا العام أيضاً، ويظهر في السينما بدلاً من التلفزيون بفيلم "122"، بعد غياب عن السينما 8 سنوات.
أحمد السقا هو الآخر لن يقدم مسلسلاً هذا العام، وسيقدم بدلاً منه فيلماً يحمل اسم "الفارس"، وكذلك كريم عبدالعزيز الذي كان من المفترض أن يقدم الجزء الثاني من مسلسل الجاسوسية "الزيبق"، حيث يكتفي بتقديم فيلم "سري للغاية".
حيث تشهد الساحة الدرامية حالة هروب جماعي خلال تلك الفترة، وستشهد الأيام القادمة ظهور فنانين آخرين، وهروب فنانين آخرين للسينما، للهروب من القيود الرقابية وتخفيض الأجور.
ماجدة خير الله: كلام على ورق
وأكدت الناقدة ماجدة خيرالله، أن القرارات التي تحاول فرضها الهيئة الوطنية للإعلام، وكذلك توصيات لجنة الدراما لن تفلح، حيث قالت "فليضعوا ما يريدون من قواعد، فهو لن ينفذ على أرض الواقع".
وأضافت موضحة رأيها "هذا الأمر صعب، لأن الدولة لم تعد تنتج مثل السابق، عندما كان يقوم قطاع الإنتاج الحكومي بإنتاج العديد من الأعمال، كانت من خلالها تستطيع فرض السياسات التي تريدها، سواء في محتوى الأعمال المقدمة أو على مستوى الأجور، ولكن الدولة لم تعد تنتج الآن، وإنما ما يوجد حالياً هي شركات خاصة".
وفسَّرت الأمر بشكل أكثر وضوحاً قائلة "شركات الإنتاج الخاصة معظم رأس مالها يأتي من الخليج، ومن القنوات والشركات العربية التي تمول تلك المسلسلات للحصول على حق عرضها الأول، فالنجوم الكبار مثل عادل إمام ويحيى الفخراني يحصلون على أجور ضخمة، ولا يوجد منتج في مصر يستطيع دفع أجورهم بشكل مباشر، فيحصل المنتجون المصريون على الأموال من القنوات العربية، أو من بعض الشركات في الخليج، مقابل اتفاق على عرض تلك المسلسلات بشكل حصري على قنواتهم".
حيث أكدت الناقدة الفنية، أن هذه القرارات من شأنها أن تقتل الصناعة، لذلك فهي لن تنجح ولن تنفذ على أرض الواقع.