رسالة مبكية من ابنة سكرتير «مرسي» تكشف معاناة أسر المعتقلين في مصر
- الخليج الجديد الثلاثاء, 05 يناير, 2016 - 09:47 مساءً
رسالة مبكية من ابنة سكرتير «مرسي» تكشف معاناة أسر المعتقلين في مصر

[ كريمة الصيرفي ]

بعثت «كريمة أمين الصيرفي»، نجلة عضو الهيئة الاستشارية لـ«محمد مرسي»، أول رئيس مدني منتخب في مصر، والذي انقلب عليه الجيش في 3 يوليو/تموز 2013، برسالة مبكية إلى والدها المحبوس في سجن «العقرب» شديد الحراسة، قالت له فيها: «استودعتك وأمي وإخوتي الله من لا تضيع عنده الودائع أبدا».
 
وقالت في رسالة كتبتها عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»: «غدا يكمل أبي (وهو أيضا سكرتير مرسي) عامه الـ51، فآخر عهدي به وأنا بنت 19، والآن أنا في عامي الـ22».
 
وأضافت: «ثلاث سنوات مرت في انقطاع تام، لا أراه ولا أسمعه ولا أعرف عنه منه شيء، فقط أعرف عنه من الآخرين.. كنت أراسله في محبسي، وأبدا لا تصله رسائلي، فكانت الأحلام هي مأوانا».
 
وأشارت إلى أنها تكتب رسالتها هذه لعله يقرأها عبر أي شخص يوصلها إليه، مضيفة أنها تكتب هذه الرسالة بتفويض رسمي إجباري عنهم وليس بالإذن من أسرتها الصغيرة.
 
وتابعت «كريمة الصيرفي» في رسالتها: «إليك أبي أكتب.. فمن ذا يحرمني حق الكتابة إليك، ولكني سأنتظر طويلا حتى يصلني الرد.. سأنتظر أكثر مما سأنتظر حتى تصلك رسالتي.. أكتب إليك من غربتي، وأنت في مقبرة حي».
 
وأضافت: «لا زلت أذكر قولتك ويتردد صداها يوم أخبرتنا بعد ما يشبه الثورة في 25 يناير/ كانون الثاني 2011: محدش هيقدر (لن يستطيع أحد) يرجعنا السجون تاني».
 
وعن الأوضاع التي عاشتها الأسرة في غياب «أمين»، قالت «كريمة»: «لم تكن معي وأمي يوم قضينا أشهر لا نعرف عن العالم شيء، قضيناها في عوز وشدة وجوع، تمر الأيام ولا يدخل جوفنا غير شوربة الأندومي» وحبة (قليل من) بطاطس، تأثرني هي بها لأني على حد قولها داخلة (مقدمة) على جواز (زواج)».
 
وتابعت: «يمر الأسبوع يلاحقه آخر، دون أن يطرق بابنا من يقضي حوائجنا من شراء قوت نسد به جوع آدميتنا، وتصبر أمي ولا تجزع».
 
وأضافت: «لم تكن بجانب أمي، يوم اشتد عليها ألم ضرسها، فتقوت بالله واقتلعته بنفسها لنفسها بفتله (خيط)، يوم لن يمحوه شيء من ذاكرتي، عوز منعنا من قصد طبيب يخفف عنها ألم ضرسها، وحياء من السؤال، بل حتى حياء مني من أن أري ضعفها وألمها، وهي من تقويني، فتنأي بنفسها حتى لا أراها ولا أسمع أنينها ولا ارتفاع حرارتها».
 
واستطرت نجلة مستشار «مرسي»: «قهر وعجز تمكنا مني كما لم يتمكن يوما، ليس سخطا، بل لأننا حُرمنا منك».
 
وعن يوم زفافها قالت: «هو أمر يلومني فيه الأقارب، أن لم نشاركهم فرحتنا، أي فرحة يا أبي؟ أي فرحة، وأنا يوم عقدي قضيته بجانب السجن، أبكي دعاء ليصلك مني سلاما يدفئ قلبك، فتعلم أنه مني كما خبيب رضي الله عنه».
 
وتابعت: «زفاف خلا من كل شيء حتى من إخوتي، وكنت وحدك الحاضر، حاضر في قلبي وملء عيني»، مضيفة: «لم أتزين أو أتجمل، بل إن فستان زفافي لم تتعدي قيمته الـ200 جنيها، بعدما أُجبرت على ارتداء الأبيض».
 
وعن حالها اليوم، قالت كريمة: «أنا اليوم أحيا في كنف زوج عطوف كريم، عوضني الله به عن كل شيء، لكن إخوتي وأمي وأنت غائبون عن كل التفاصيل، حتى رضوتي الصغيرة (أختها)، لم تعد صغيرة، فثلاث سنوات غيروا فيها الكثير، لم تعد طفلة، حرمت منك، ومن أمي في وقت تحتاج فيه لإحتوائكما معا».
 
وتابعت: «هذا يا أبي ما تبقي من أسرتك الصغيرة، ولدان مشردان في بقاع الأرض، وزوجة لا مأوي لها، مبعدة عن كل شيء حتى عن صغارها، وابنة تشابهت كل أيامها، وصغيران بدون ذنب فقدوا أسرتهم رغم أنهم ما زالوا في الأرض أحياء».
 
ووجهت حديثها إلى والدها قائلة: «أخبرني.. هل تلقانا في أحلامك كما نلقاك؟، وهل في قلبك مثقال ذرة من جزع؟، وهل تخشي علينا من الدوائر؟.. لا تخشي ولا تخف فالله معنا».
 
وتابعت: «نحن يا أبتي يا حبيب قلبي، وقلب أمي يا قرة العين، نحن لا نخشى عليك.. والله لا نخشى.. فإن كان الأسر يُخشى.. فقد أُسرت، وإن كان الموت، فقد مات يوم قضى د. طارق الغندور، ود. فريد إسماعيل نحبهما في نفس المقبرة التي تحيى فيها أنت الآن.. بل قد مات من هو خير منك».
 
وتابعت: «فوالله.. إن أحلك الظروف لهي أكثرها طمأنينة وقربا من المولي، ولا يزال الله يعلمنا أن هذه الحياة هينة، لا تساوي مثقال ذرة، وأن الوصال وصال قلوب وأرواح، وإن حُرمنا سلوى رؤية الأحباب.. فالأحلام سلوانا، وما هذه الحياة دارنا ولا نرضاها لنا دارا».
 
وأضافت: «أنا أطمع في صحبتك في دار خلد مع أمي وإخوتي.. حتى وإن لم أذيقك طعامي الذي صرت أطهوه اليوم بمهارة فسأطهو لك في الجنة».
 
واختتمت: «استودعتك وأمي وإخوتي الله من لا تضيع عنده الودائع أبدا».
 
واختفي «الصيرفي» بعد أن أعلن الجيش الانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب «محمد مرسي»، في 3 يوليو/ تموز 2013، قبل أن يظهر بعد ذلك في السجن، وينقل من سجن إلى آخر، حتى يستقر به المطاف في سجن العقرب شديد الحراسة، بطرة.
 
ويعد سجن «العقرب» شديد الحراسة، أسوأ السجون المصرية سمعة، حيث يشكو المعتقلين السياسيين فيه من سوء المعاملة والتعذيب، ومنع الأدوية والبطاطين والملابس، وتجريدهم من كل متعلقاتهم الشخصية، فضلا عن منع الطعام عنهم.


التعليقات