العالم العربي واستمرار مطالب التغيير
- الأناضول الإثنين, 30 ديسمبر, 2019 - 08:27 صباحاً
العالم العربي واستمرار مطالب التغيير

[ العالم العربي واستمرار مطالب التغيير ]

كان الربيع العربي الذي شكل علامة فارقة في تاريخ الشرق الأوسط قادرًا - ولو مؤقتا- على تقليل مستوى الظلم في البلدان العربية.

 

وتسببت ثورات وانتفاضات الشعوب في تحسن كبير في الوعي السياسي لدى المجتمعات العربية؛ وعليه يتعين على الأنظمة الأخذ بالاعتبار ردود فعل شعوبهم قبل الاستجابة لأي تطورات معينة.

 

أظهرت الاحتجاجات مؤخرا، أن شعوب المنطقة العربية عازمة على إنهاء ما تركته في فترة 2011-2013، وذلك على الرغم من التغييرات واسعة المدى منذ بداية العقد، إذ لا زالت بعض المشكلات التي أشعلت الثورات العربية قائمة.

 

ويمثل مصطلح "الربيع العربي" الفترة التي شهدت مظاهرات مختلفة، تطالب بتغييرات ملموسة من أجل الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية والتنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى الاحتجاجات ضد الفقر والبطالة والفساد السياسي، والتي ما زالت مستمرة في العالم العربي منذ نهاية عام 2010.

 

ويمكن تعريف "الربيع العربي" أيضا بأنه كفاح الشعوب من أجل الحرية ضد الديكتاتوريين وأنظمتهم الاستبدادية، ومن جهة أخرى، قد يُنظر إليه على أنه فترة انتقال سياسي وعدم استقرار وفوضى وكآبة في العالم العربي، إذا تم التركيز على نتائجه.

 

يُشار إلى أن المصطلح تم استخدامه، بتشجيع غربي أيضا، للإشارة إلى التطورات السريعة في الشرق الأوسط، وقد استخدم المصطلح الجميع تقريبا في المنطقة العربية.

 

وبالنظر إلى سياسات الغرب العالمية والتطورات في المنطقة، فمن الممكن القول إن الوضع في المنطقة قد ازداد سوءا، فمصطلح "الربيع العربي"، الذي استحدثه الغرب، أصبح بديلا لأدوات الدول الغربية للسيطرة على العالم العربي، بدلا من أن يخدم مشروعا مقترحا لتصدير الديمقراطية للمنطقة.

 

ولم تتردد الدول الغربية في تحويل الحراك إلى "شتاء عربي" عندما لم تتحقق النتائج المرجوّة، فبعد عامين من الارتباك، تحول "الربيع العربي" لفصل الشتاء العربي؛ لتجد المنطقة نفسها في خضم جرائم قتل لا حصر لها وحروب أهلية وانقلابات العسكرية واضطراب سياسي وانهيار اقتصادي.

 

وقد بدأت عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي عندما حاول محمد البوعزيزي، وهو مهندس تونسي شاب كان يعمل بائعا متجولا بسبب البطالة، الانتحار بإشعال النار في جسده، في 17 ديسمبر 2010، وعقب وفاته في 4 يناير 2011، بدأت المظاهرات الجماهيرية، وسقط نظام زين العابدين بن علي، الذي استمر 23 عاما، بعد عشرة أيام في 14 يناير 2011.

 

وأثارت هذه التطورات في تونس انتفاضات في بلدان عربية أخرى، إذ بدأت موجة كبيرة من الاحتجاجات في مصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين، وأصبحت الثورة التونسية حافزا لإسقاط الأنظمة في سوريا واليمن، وتغيير النظام في مصر وليبيا، كما شهدت بلدان مثل السعودية والجزائر والأردن والعراق ولبنان والمغرب وعمان وموريتانيا، مظاهرات صغيرة النطاق وحركات تمرد و نزاعات مسلحة.

 

واستمرت الاحتجاجات في بلاد مختلفة بعد الموجة الأولى في 2011-2012، ونتج عن هذا الحراك تغييرات في الأنظمة في العراق ولبنان والجزائر والسودان، مؤخرا، وهو ما يصفه محللون بالموجة الثانية للربيع العربي، وإن كانت الاحتجاجات الجماهيرية في مصر ضد الحكومة قد فشلت في الإطاحة بها، فإنها بالتأكيد أضعفت النظام الاستبدادي للرئيس عبد الفتاح السيسي.

 

** مطالب الشعب

 

كان أكثر المطالب راديكالية، رغم كونه الأكثر تكرارا في الأيام الأولى من الاحتجاجات، هو سقوط الحكومات الحالية، و بصرف النظر عن التغييرات التي طرأت على الحكومات، يمكن تقسيم المطالب إلى ثلاث فئات: اقتصادية وسياسية واجتماعية.

 

كان المطلب الأول والأهم هو تحقيق الحرية الاقتصادية والقضاء على الفقر والبطالة، إذ أن الظروف المعيشية المتردية في العالم العربي هي جوهر القضية.

 

على سبيل المثال، بوعزيزي، وهو دارس للهندسة، لم يستطع العثور على وظيفة، واضطر للعمل كبائع متجول، وهو ما لم تسمح له الحكومة به أيضا، إذ تعرض للمضايقة والإهانة علنا من قبل الشرطة، وهو ما كان القشة الأخيرة بالنسبة له قبل ان ينتحر.

 

يشار إلى أن دول الشرق الأوسط تعد من الدول التي بها أعلى مستويات عدم المساواة في الدخل، فبينما تعد دول مثل الإمارات والسعودية من ضمن أعلى الدول من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، فإن دولا مثل السودان وموريتانيا واليمن تعد من أفقرها، وقد حاولت الدول الغنية التعامل مع الانتفاضات باستخدام ثرواتها، لكن الدول الفقيرة لم تستطع منع سقوط الأنظمة بسبب نقص مواردها.

 

أما بالنسبة للمجموعة الثانية من المطالب، وهي الحقوق السياسية، فإن الحق في المشاركة يتصدر هذه الحقوق، إذ تشعر المجتمعات العربية الآن بالشرف لتمكنها من استخدام حقها في تقرير مصيرها، كما تطالب حكوماتها بأخذ رأيها في الاعتبار عند اتخاذ القرارات.

 

و تتمثل المجموعة الثالثة من المطالب في الحقوق الاجتماعية/الثقافية، ففي العديد من الدول العربية مثل تونس، تولت السلطة الأنظمة الأجنبية وكان الناس قلقين بشأن مستقبل ثقافاتهم، فبدأوا في مقاومة أنظمتهم، وكان هذا أيضا هو السبب أن الدول الأكثر تأثرا بموجة الاحتجاجات - تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا - كانت "أنظمة جمهوريّة حديثة" بينما لم تتضرر الأنظمة الملكية التقليدية منها بنفس القدر.

 

** كيف ترى دول المنطقة "الربيع العربي"؟

 

كانت جميع دول المنطقة تقريبا قلقة بشأن الربيع العربي، باستثناء تركيا وقطر، اللتين تعاطفتا مع فكرة تغيير الأنظمة وبنت علاقات مع الفاعلين الجدد، بينما بذلت الدول المؤيدة للوضع الراهن، قصارى جهدها لتحويل الربيع العربي إلى شتاء عربي.

 

من جهة أخرى، اتخذت تركيا وقطر، اللتين أبدتا أولوية للتغيير التدريجي والاستقرار السياسي، نهجا إنسانيا في مناطق الأزمات، إذ تستضيف تركيا حاليا ما يقرب من 4 ملايين شخص فروا من الفوضى في بلادهم.

 

حاول تحالف إسرائيل والسعودية والإمارات، الذي تم تشكيله حديثا، منع الأنظمة العربية من الانهيار لكنه لم ينجح في ذلك، وقد جعلت هذه الدول الثلاث نظام الإخوان المسلمين المصري يسقط أولا، ثم أعلنت جماعة الإخوان المسلمين، وجميع الفاعلين ذوي الصلة الوثيقة بها، كمنظمات إرهابية.

 

وبإعادة النظر في موقفها المؤيد للوضع الراهن، بدأت هذه الدول أيضا اتباع سياسات التدخل واعتماد موقف مؤيد للتغيير، واستهدفت التأثير على التطورات الجديدة في المنطقة لصالح الأنظمة الاستبدادية والملكية.

 

في هذه الأثناء، اتخذت إيران موقفا طائفيا بعد أن وصلت الثورة إلى سوريا، فقد دخلت الصورة كممثل مؤيد للشيعة في كل دولة ولم تتردد في استخدام كل الوسائل الممكنة لضمان استمرار نظام بشار الأسد، وكانت إيران مسؤولة جزئيا عن الحرب الأهلية في سوريا؛ بإرسالها للوحدات العسكرية، وعلى غرار هذا شاركت إيران بشكل مباشر في الحرب الأهلية في اليمن ودعمت تمرد الحوثيين.

 

** ردود فعل الجهات الفاعلة الدولية

 

خلال العامين الأولين من الربيع العربي، ساهمت جهات فاعلة دولية، مباشرة وغير مباشرة، في نجاح المظاهرات الجماهيرية، لكن الدول الغربية بدأت تشعر بقلق متزايد مع وصول القوى السياسية مثل الإخوان إلى السلطة.

 

لهذا دعمت نظام السيسي الذي أيدت انقلابه في 2013، إلى أقصى حد في المنصات الدولية، وبسبب تدخلات هذه الجهات جُرت ليبيا للاضطراب السياسي والفوضى، إذ تدعم فرنسا وروسيا والولايات المتحدة الجنرال خليفة حفتر، الممثل غير الشرعي الذي يسيطر على شرق ليبيا، بدلا من حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا من الأمم المتحدة.


التعليقات