حرب صيف 94 بين والتزوير والاستثمار
الاربعاء, 24 ديسمبر, 2025 - 08:41 مساءً

تعيش البلاد اليوم أزمات وصراعات مختلفة مع بعض المكونات الجنوبية وكلها على خلفية ومبرر حرب صيف 1994 التي تحولت إلى حائط مبكى شهدت الكثير من التزوير والمبالغات والاستثمار الداخلي والخارجي، وفي هذه الحلقات المتسلسلة نفتح ملف تلك الحرب وهذه الأزمة للوقوف عند حقيقتها كشاهد عيان عاش أحداثها أولاً بأول لتوضيحها للجيل الذي نشأ بعدها ولا يعرف حقيقتها إلا من خلال طغيان الرواية الواحدة البكائية والتي تحولت إلى حائط مبكى وشماعة يتم تدمير البلاد بسببها..
 
خلفية تاريخية تمهيدية
 
لم يكن الشطران اليمنيان في الشمال والجنوب قبل الوحدة على وئام تام، وكان كل شطر له أدواته في محاربة الآخر؛ فالحزب الاشتراكي الحاكم في الشطر الجنوبي كان يصدر الجبهات للتخريب في الشطر الشمالي، وكان الشطر الشمالي بقيادة الرئيس صالح يقف إلى جانب طرف في الحزب الحاكم الجنوبي قريباً إلى الانفتاح متصارعاً مع الطرف الآخر الأكثر راديكالية وتطرفاً؛ وكان الحزب الحاكم في عدن يومها منقسماً متصارعاً؛ أدى هذا الصراع الداخلي إلى الاقتتال في 13 يناير 1986 انتصر فيه الجانب الراديكالي الذي ثبت في عدن بقيادة علي سالم البيض على التيار المنفتح على الشمال الذي انهزم ولجأ للشمال بقيادة علي ناصر محمد.
 
بسبب هذا الصراع والانقلاب كان علي سالم البيض يتهم الرئيس علي عبدالله صالح بدعم تيار علي ناصر، وأنه يقف خلف هذا الصراع، فكان أول تصريح لعلي سالم البيض بعد إعادة العمل في قناة عدن التلفزيونية يومها: "نحن نعرف رأس الأفعى التي دعمت الانقلاب، وهي في صنعاء، وسنقطع رأس الأفعى"، هذا التصريح على ما أتذكره حينها.
 
تصاعدت الأزمات المحلية الاقتصادية والسياسية وحتى الدولية التي كانت تشهد صراع القطبين الشيوعي المتمثل في الاتحاد السوفييتي وحلفائه، والرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وكان القطب الشيوعي ينهار ويتهاوى أمام المستجدات الدولية والقطب الرأسمالي، وكان هذا القطب هو الداعم الأساس للحزب الاشتراكي الحاكم في عدن ولم يعد باستطاعته مواصلة الدعم بسبب الأزمة الداخلية التي يعيشها في المواجهة، مما سبب كارثة وديوناً اقتصادية كبيرة على الجنوب قدرت بأكثر من سبعة مليارات دولار، وهو مبلغ ضخم جداً لا يمكن تخيله في ذلك الوقت، في الوقت الذي كانت الشمال ثلاثة مليارات دولار فقط.
 
وقف الحزب الحاكم وحيداً مغلول الأيدي في الجنوب، بينما كانت تصريحاته ونبراته حادة تجاه الشمال مهددة ومتوعدة، لكن ومواصلة للاتفاقات السابقة والسعي الديبلوماسي في محطاته المختلفة للتوفيق بين الشطرين واتفاقيات الوحدة المختلفة، وصبت هذه المرة في صالح الشطر الشمالي والوحدة.
 
في شهادته على العصر والأحداث، تحدث مستشار الرئيس الأسبق سالم صالح محمد عن هذه الخطوات والأزمة، وكيف أن الشيخ سنان أبو لحوم أقنعه بأنه لم يعد أمامهم إلا المضي في طريق الوحدة مع الشمال، وكيف نصحه بزيارة موسكو للاطلاع على الوضع عن قرب للمرة الأخيرة والاطلاع على أوضاع الاتحاد السوفييتي قبل أن يسقط، وعاد بخيبة أمل كبيرة سرعت من المضي في اتفاقات الوحدة، وأن القطب الشيوعي في طريق الانهيار، وبالتالي أقنع علي سالم البيض والحزب الاشتراكي بالمضي في طريق الوحدة مع الشمال.
 
هنا تسارعت الأحداث، والمحطات والتحولات في سبيل الوحدة، لكن في النفوس ما فيها من الضغائن، وأزعم أن علي سالم البيض حينها كانت عقلية الانتقام ما زالت تسيطر عليه، وأن الاشتراكي باستطاعته التهام الشمال بما يمتلكه من قوات عسكرية مدربة وأسلحة نوعية، وتنظيم دقيق في الحزب، وأن اشتراكيي الشمال سيمثلون العمق الأكبر لأي توجه سياسي قادم في هذا السبيل.
 
دخل الطرفان الوحدة، وأعلنت في الثاني والعشرين من مايو عام 1990، ولم يستمر شهر العسل طويلاً، حتى داهمت أزمة جديدة وكبيرة اليمن بشكل عام بعودة أكثر من مليوني مغترب يمني من دول الخليج، بما يمثلونه من أحد الروافد الرئيسة للخزانة العامة والشعب على السواء.
 
بدأت العملة بالانهيار المتسارع، وبدأت الأزمات الاقتصادية تعصف بالوطن أزمة تلو أخرى، وغلاء المعيشة كان أكبر مدمر لمعيشة الناس الذين عاشوا حياة مرفهة في الشمال، وتنظيماً اكتفائياً في الجنوب.
 
في اتفاقية الوحدة برأيي كانت اتفاقية منقوصة قائمة على عدم الثقة الكاملة بين الطرفين؛ فقد استثنى الحزب الحاكم في الجنوب أهم مؤسسات الدولة الجنوبية للاندماج بين الشطرين؛ فقد استثنى عدم دمج الجيش بكل تفرعاته وأسلحته، وعدم دمج الخطوط الجوية (اليمدا)، وعدم دمج الإعلام بشكل كامل؛ فقد كان دمجاً جزئياً بإلحاق بعض مذيعي تلفزيون عدن بقناة اليمن الموحدة في صنعاء، وبقي (تلفزيون عدن)، وعدم دمج العملة (الدينار) وإن تم اعتماد الريال كعملة متداولة.
 
سمعت كثيراً من السياسيين الجنوبيين، بمن فيهم الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، وكذلك سياسيين شماليين من الحزب الاشتراكي، يتحدث الجميع أن علي عبدالله صالح طالب بوحدة فيدرالية، وأن علي سالم البيض هو من أصر على وحدة اندماجية كاملة، وهذا تكذبه الكثير من الحقائق على الأرض، كما سأعرضها لاحقاً في استثنائه دمج أهم مؤسسات الدولة الجنوبية؛ الجيش والأمن والبنك المركزي والإعلام والخطوط الجوية.
 
فلو كان الحزب الاشتراكي هرع إلى الوحدة بنية صافية ما استثنى أهم ركائز الدولة الأساسية التي احتفظ بها لنفسه ليستعملها عند الحاجة إليها والرجوع لها عند الحاجة، والعودة خطوات إلى الوراء، كالتالي:
 
1-            استثنى النظام في الجنوب عدم دمج الجيش الجنوبي في الجيش الشمالي ليكون جيشاً عاماً للجمهورية بشكل عام، كما استثنى جميع الأسلحة التابعة له من الدمج، وكان الأكثر تسليحاً والأقوى نوعية، والأكثر عدداً.
 
كان الجيش الجنوبي يقدر بثلاثمائة ألف ما بين ضابط وصف وجندي كرقم حقيقي وواقعي على الأرض، وليس أرقاماً وهمية كما هو الحال في الشمال، وهؤلاء موازناتهم المالية ضخمة في رواتبهم واستحقاقاتهم المختلفة يكلفون خزانة الدولة أموالاً طائلة. وبهذا الأمر أبقى الحزب الاشتراكي على صاعق اللغم بيده متى احتاج إليه!
 
في هذه الخطوة كنا حتى ونحن أطفالاً صغاراً نفهم تماماً ماذا يعني عدم دمج الجيش، حتى مع ما يتم النقاش به مجتمعياً وسياسياً مع معلمينا أو وسائل الإعلام حينها، أو حتى عندما فتح الباب على مصراعيه للحزبية والتحزب وما جرى من حراك مجتمعي حزبي كبير، وحملات توعية منقطعة النظير، وحملات استقطابات حادة وكبيرة بين كل الأحزاب.
 
تحديداً بقي أمر عدم توحيد الجيش من أكبر النقاط العالقة في ذهني من حينها إلى اليوم؛ لأنها كانت لب المسألة كلها من ناحية، وما تمثله من مخاطر من ناحية ثانية، وما عشته بعد ذلك من مراحل ومحطات وأحداث عند انضمامي للجيش في يوليو 1990م.
 
2-            استثنى النظام الجنوبي (الحزب الاشتراكي) الخطوط الجوية لليمن الديموقراطية الشعبية (طيران اليمدا) من الاندماج في الخطوط الجوية اليمنية العامة، بينما كانت الخطوط الجوية اليمنية الشمالية أكثر تطوراً وتقدماً من الجنوبية باعتبار الشراكة السعودية في هذه الخطوط.
 
3-            استثنى الحزب الاشتراكي المالية وعدم الاندماج الاقتصادي، وبقيت عملة الدينار/الشلن متداولة مع فارق كبير في الصرف بينها وبين الريال الشمالي، وبقي البنك المركزي الجنوبي كما هو، وهذا يشكل خط رجعة للاشتراكي متى ما عاد خطوة إلى الوراء.
 
كانت هذا الأمر مبرراً لما بعد الفترة الانتقالية التي تعد فترة تجريبية للجميع، وعند اللحظة الحاسمة للعودة إلى الوراء سيستخدمها علي سالم البيض للانفصال مجدداً، سأفصل فيها في محطة حرب 1994، وهذه الأشياء هي أهم ركائز الدول للاعتماد عليها لبقاء مظهر الدولة كما هو.
 
كانت هذه الاستثناءات هي أهم الألغام التي ستنفجر لاحقاً، وخاصة الجيش؛ إذ لا يصلح سيفان في غمد واحد.
 

التعليقات