المفكر الإسلامي السوري جودت سعيد
توفي المفكر الإسلامي السوري، جودت سعيد، الملقب بـ"غاندي سوريا"، اليوم الأحد، عن عمر يناهز 91 عاماً في مدينة إسطنبول التركية، وذلك بعد مسيرة حافلة من العطاء عمل جاهداً خلالها على إرساء مفهوم اللاعنف في عملية بناء الدولة وتغيير نظام أسد، كما ارتكز فكره ودعوته على قيام دولة مدنية ديمقراطية تحترم الجميع بمنأى عن الانقلابات العسكرية.
ويُعرف سعيد بأنه داعية اللاعنف في العالم الإسلامي، وقد بيّن في مطلع الستينيات في أول كتابه (مذهب ابن آدم الأول) الفروق بين الجهاد في مرحلة بناء الدولة، وبين الجهاد بعد ذلك، وكان هذا في معرض رده على بعض الشبه المثارة حول فكرة اللاعنف وتناقضها مع الجهاد بمعنى القتال، فهو يرى أنه لا يجوز الوصول إلى السلطة والحكم بالقوة وبالسيف، فكل من أخذ بالسيف، بالسيف يهلك، والتغيير بالقوة لا يغير المجتمع وإنما يذهب هرقل ويأتي هرقل.
كما ناقش مبدأ اللاعنف وعلاقته الجذرية بالإسلام، وأن القصد من وراء الامتناع عن استخدام العنف أو القوة هو في واقع الأمر اللجوء إلى العقل والتفكير. لذلك كانت دعوته إلى اللاعنف دعوة للعقل في أساسها.
ونعى رواد مواقع التواصل الاجتماعي "سعيد" بعد نشر خبر وفاته على صفحته الشخصية في فيسبوك.
موقفه من نظام أسد
تعرض سعيد للسجن عدة مرات ووضع تحت الإقامة الجبرية لسنوات عديدة وكانت تتم مراقبته من قبل ميليشيات أسد الأمنية، ويمنع طلابه من حضور الدروس التي يقيمها بين الوقت والآخر، تارة يمنعون بالعنف وتارة بإغلاق الطريق المؤدي للقرية، وأحيانا باستدعائهم للتوقيع على تعهدات تنص على الامتناع عن حضور محاضراته.
واعتقل نجلا سعيد، بشر وسعد، خلال اعتصام وزارة الداخلية بداية الثورة السورية، ثم أطلق سراحهما بعد دفع كفالة مالية، فيما شارك هو بنفسه أبناء مدينة جاسم في درعا التظاهرات، والتي ألح فيها على ضرورة الالتزام بالنضال السلمي واللاعنف وسيلة لإسقاط النظام وتحقيق مطالب الناس.
كما زار سعيد مدينة دوما بريف دمشق إبان المجزرة التي قام بها النظام في الشهر الأول من الثورة وألقى خطابا بالمعزين هناك.
بقي سعيد بعيدا عن أي تأييد لنظام أسد الأب والابن وبادر لحضور منتديات ربيع دمشق بعد وصول بشار أسد إلى السلطة عام 2000، كما كان أحد الموقعين على "إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي" عام 2005، والذي دعا إلى إنهاء حكم الحزب الواحد وإطلاق الحريات السياسية في سوريا.
جودت سعيد في سطور
جودت سعيد هو مفكر إسلامي معاصر، يعدّ امتداداً لمدرسة المفكرين الإسلاميين الكبار، ويلقب بـ"غاندي سوريا" نظرا لمواقفه وأفكاره التي تركز على اللاعنف.
ولد سعيد يوم 9 شباط/فبراير 1931 بقرية بئر عجم التابعة للجولان في سوريا عام 1931م، انتقل إلى مصر لإكمال دراسته في الأزهر الشريف وحصل على إجازة اللغة العربية.
عُين أستاذاً في ثانويات دمشق كمدرّس للغة العربية، وما لبث أن اعتقل لنشاطه الفكري، وتكررت الاعتقالات، ورغم صدور قرارات بنقله إلى مختلف مناطق سورية ،انتهى الأمر بصرفه عن عمله لتشبثه بأفكاره ومواقفه.
ونزح سعيد عن قريته بعد أن استولت عليها إسرائيل في حرب 1967 ولكنه تمكن من العودة إليها لاحقاً ، وعاش فيها يعمل في الزراعة وتربية النحل ويتابع نشاطه الثقافي في الساحة العربية والعالمية.
وخلال مسيرة حياته ألّف سعيد العديد من الكتب أبرزها: اقرأ وربك الأكرم، الدين والقانون، حتى يغيروا ما بأنفسهم، كن كابن آدم، لم هذا الرعب كله من الإسلام، وغيرها من الكتب.
وعلى امتداد سنوات من وجوده في سوريا، لم يشغل سعيد أي منصب رسمي، إلا أنه وَجدَ في الربيع العربي ومظاهراته السلمية تطبيقاً حيّاً وعملياً لما كان يدعو إليه في كتبه ومحاضراته، خاصة مع انطلاق الثورة السورية.
شارك الشيخ وطلابه في المظاهرات السلمية عام 2011، وألقى خلالها كلمات مساندة للثورة السورية ونضالها السلمي، ثم اضطر مع اشتداد إجرام نظام أسد ضد المدنيين للنزوح إلى دمشق ومنها إلى منفاه الأخير في تركيا، حيث واصل نشاطه في الدعوة إلى نبذ العنف والإصرار على النهج السلمي.