الفن أقوى من المستحيل.. رسامة سورية بلا ذراعين
- الجزيرة نت الثلاثاء, 05 مارس, 2019 - 07:47 مساءً
الفن أقوى من المستحيل.. رسامة سورية بلا ذراعين

[ رفضت دعاء اعتبار نفسها ضحية ظروف خارجة عن إرادتها وحققت ما يراه الناس مستحيلا (مواقع التواصل) ]

دعاء البسطاطي فنانة سورية عرفت كيف تقهر المستحيل، وتقف على رأس الوجع، متحدية الإعاقة، ورافعة رأسها بثقة وكبرياء، تقودها موهبتها وإيمانها بنفسها، فباتت محل فخر كل من عرف قصتها.

 

شغف بالحياة

 

ولدت دعاء دون ذراعين قبل 29 عاما في دمشق، ورغم ما شكله ذلك من تحديات واجهتها على المستوى الشخصي والتعليمي، فإنها لم تستسلم للعوائق التي تحيل بينها وبين ممارسة الرسم، فتعلمت كيف تمارسه مستخدمة أصابع قدميها.

 

ولم تقف بها العزيمة عند هذا الحد، بل أصرت على دراسته لإثقال موهبتها ومن ثم احترافه، رافضة اعتبار نفسها ضحية ظروف خارجة عن إرادتها، أو ترك روحها فريسة تنهشها الأحكام المسبقة أو تقيدها التوقعات المحدودة التي قد يحاول المجتمع حصر إمكانياتها وطموحها داخله.

 

الوقوع في الحب

 

تقول دعاء إن حبها للرسم يعود إلى وقت كانت بالصف السادس الابتدائي، إذ اعتادت شقيقتها أن تحضر لها صورا للرسوم المتحركة وتشجعها على إعادة رسمها، لشغل وقتها وإلهائها عن أي شيء قد يعكر صفو حياتها أو يشعرها بالضجر أو النقص.

 

وتستطرد دعاء قائلة إن ذلك حدث قبل حتى اكتشاف موهبتها، ورغم أنها كانت في البداية دائمة الرفض، فإنها مع الوقت صارت تقبل وتجرب وتحاول، إلى أن وقعت في الحب مع فكرة استطاعتها التعبير عما بداخلها من خلال اللوحات.

 

وهنا قررت عدم الاكتفاء بالوقوف عند تلك النقطة، والعمل على تطوير أدواتها، وأخذ موهبتها لآفاق أبعد، وإن بدا ذلك وقتها مستحيلا، فالتحقت بدورات لتعلم الرسم، وبعد حصولها على الثانوية التحقت بكلية الفنون الجميلة في دمشق، بل كانت من العشر الأوائل على دفعتها وقت التخرج.

 

صعوبات ولكن

 

وفقا لتصريحات دعاء فإن الصعوبات التي قابلتها أثناء الجامعة لم تكن بالهينة أبدا، ففيما يخص الشق العملي لم يكن لديها مكان مخصص للرسم، مما اضطرها لإنجاز مشروعاتها اليومية جلوسا على الأرض بالأجواء الباردة.

 

أما على الصعيد النظري، فواجهتها صعوبة من نوع آخر، تمثلت في عدم قدرة أساتذة الجامعة على قراءة إجاباتها بالامتحانات، وهو ما تسبب برسوبها في عامها الجامعي الأول.

 

وفي حوار أجرته قناة "الآن" مع أسرة دعاء، صرحت شقيقتها الكبرى غصوص البسطاطي بأن دعاء تحدت نفسها وإعاقتها على أكثر من مستوى، وتعاملت مع قدميها تماما كذراعين، فلم يتوقف الأمر عند احترافها الرسم بهما فحسب، بل امتد ليشمل قدرتها على المشاركة بالأعباء المنزلية المختلفة، بما فيها الحياكة وصنع المخبوزات وإعداد القهوة.

 

وشددت غصوص على عدم رغبتها في حصول شقيقتها على أطراف صناعية، إيمانا منها بأنها ليست في حاجة لها، خاصة أن دعاء اعتادت الحياة بلا ذراعين منذ الصغر، مما جعل الأمر مألوفا وقابلا للتعامل معه كأحد بديهيات حياة أسرتهم.

 

حلم الوصول للعالمية.. هل يتحقق؟

 

وفي الحوار نفسه قال محمد النائلي معلم الرسم الخاص بدعاء، إنها موهبة وليست حالة، وإن حجم موهبتها لن يدركه إلا من يقدرون الفن عموما والرسم خصوصا.

 

كان من الطبيعي أن تتحول دعاء البسطاطي لأيقونة كما يليق بفنانة تحترف صنع المعجزات، وتمتلك رؤية خاصة وألوانا تميز لوحاتها، حتى بات لها معارض فنية خاصة بأعمالها تقام في حلب ودمشق.

 

فجاء معرضها الفردي الأول في مركز ثقافي كفر سوسة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، الذي تضمن 33 لوحة بتقنية الرسم على الزجاج، انحصرت مواضيعها بين الطبيعة وحارات دمشق القديمة، وإن تنوعت ألوانها لتعكس حالات مزاجية مختلفة.

 

تلاه معرض فردي آخر في ديسمبر/كانون الأول الماضي في دار الأوبرا بدمشق، بجانب مشاركتها بمعارض فنية جماعية عدة، وإن ظل حلمها الأكبر الوصول إلى العالمية.

 

وبسؤال دعاء في حوار أجري معها -خلال معرضها الفني- عن الحرب وأثرها في مسيرتها الفنية، صرحت بأن الحرب جاء تأثيرها الأوضح خلال الجامعة، خاصة أنها اضطرتها للتوقف عن الدراسة لمدة عام، وهو ما جعلها تفكر باختيار "الموت الرحيم" كموضوع مشروع تخرجها، قبل أن تعود فتستشعر قوتها كمواطنة سورية تنتمي لشعب ينتصر على أي ظروف.

 

ولذا جاء مشروع تخرجها الفعلي عن حياتها، وتحديدا عن أهمية اليدين بحياة الإنسان، وكيف لا يمكنه العيش مقيدا لمدة نهار كامل، وصولا إلى حقيقة كونها دون ذراعين ورغم ذلك استطاعت تحقيق أحلامها.

 

وأكدت دعاء أنها كانت تنوي أن يعكس مشروعها كلا من الجانب السلبي والإيجابي للحياة دون يدين، ولكن انتهى الأمر وقد تحولت السلبيات إلى إيجابيات، وهو ما يفسر حمل مشروعها في البداية اسم "حزينة" ثم تحوله إلى "انتصار".


التعليقات