هل تعد رفات مقبرة عسقلان دليلا على أصول الفلسطينيين الأوروبية أم الشامية؟
- الجزيرة نت الأحد, 14 يوليو, 2019 - 02:51 مساءً
هل تعد رفات مقبرة عسقلان دليلا على أصول الفلسطينيين الأوروبية أم الشامية؟

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الفلسطينيين القدماء جاؤوا من جنوب أوروبا في حين يعود أصل أسلافهم المعاصرين للجزيرة العربية، مستشهدا بدراسة جينية حديثة عن أصول الفلسطينيين القدامى زاعما أن ارتباطهم بـ "أرض إسرائيل" لا يعد شيئا مقارنة بأربعين ألف عام من ارتباط الشعب اليهودي بها.

 

لكن الدراسة نفسها التي وضع نتنياهو رابطها أسفل تغريدته تفيد بخلاف ما قال، فبحسب ما نشرته مجلة الرابطة الأميركية للعلوم المتقدمة يصعب تمييز جينات -أخذت من عينات هياكل عظمية لمقبرة قديمة لفلسطينيي عسقلان يعود عمرها لأكثر من ثلاثة آلاف عام- عن جينات السكان المحليين لبلاد الشام.

 

وضمن حفريات عسقلان حلل الباحثون الحمض النووي لأربعة أطفال دفنوا تحت منازل فلسطينية قديمة بالموقع، ووجدوا نسبة جينية تعود لأصول من أسلاف أتوا من جنوب أوروبا، واعتبرت هذه النسبة الأوروبية طفيفة ومؤقتة وسرعان ما اختفت بحسب الدراسة التي نشرت بدورية ساينس أدفانسيز.

 

الجينات الأوروبية

 

وتشير نتائج الدراسة الجينية بوضوح إلى أن "البقعة الأوروبية" من الجينات فقدت سريعا بعد بضعة قرون فقط، إذ تحمل المدافن الفلسطينية اللاحقة تواقيع بصمة وراثية تشبه إلى حد كبير السكان المحليين الذين عاشوا بالمنطقة حتى قبل "ظهور الفلسطينيين" فيها.

وتفيد الدراسة بأن منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ​شهدت حالة من الفوضى الثقافية الاستثنائية نهاية العصر البرونزي وبداية العصر الحديدي، ويعود ذلك لانهيار اقتصادات وثقافات مزدهرة في اليونان ومصر والأناضول وبلاد الشام.

 

وخلال القرن 12 قبل الميلاد كانت عسقلان متمايزة عن جوارها في التقاليد المعمارية والثقافية التي اعتبرت شبيهة بثقافة بحر إيجه، وفسر باحثون هذه الظاهرة بهجرة فلسطينية مفترضة من جنوب شرق أوروبا إلى شرق المتوسط، وهي الهجرة التي يربطونها بحركة "شعوب البحر".

 

لكن دراسة جينات منطقة بلاد الشام تفيد بدرجة عالية من الاستمرارية الوراثية للعنصر المحلي الذي اختلط في وقت لاحق بعناصر من الأناضول وإيران، ومن جنوب شرق أوروبا، بحسب دراسة نشرتها دورية الرابطة الأميركية للعلوم المتقدمة.

 

كما تشير لكون سكان عسقلان الذين أخذت عينات من رفاتهم يستمدون معظم أسلافهم من موروثات بلاد الشام المحلية، في المقابل كان التأثير الوراثي لأسلاف من جنوب شرق أوروبا محدودا للغاية وقصير الأمد.

 

 

وبعد فحص بيانات الجينوم البشري لرفات عشرة أشخاص بين العصرين البرونزي والحديدي بمقبرة عسقلان، وجد الباحثون أن سكان العصر الحديدي المبكر كانوا مختلفين وراثيا بسبب مزيج أوروبي معين، لكن لم تعد هذه الإشارة الجينية قابلة للاكتشاف لاحقاً في العصر الحديدي المتأخر.

 

وقد يعني ذلك أن هجرة بعض الأوروبيين من مناطق بحر إيجه وسردينيا قد جرى استيعابها وذابت في مجتمعات السكان المحليين، وأدى تزاوجهم السريع مع جيرانهم الجدد إلى انصهارهم بين سكان بلاد الشام وشرق المتوسط.

 

وقالت ميشال فيلدمان عالمة الآثار بمعهد ماكس بلانك المشاركة في الدراسة "لقد تمكنا من تتبع هذه الحركة للأشخاص القادمين إلى عسقلان من جنوب أوروبا" وأضافت أنها تختفي بسرعة كبيرة في غضون مئتي عام "ربما لأنهم (الفلسطينيين) تزاوجوا، وأصبح هذا النوع من التوقيع الجيني خفيفا بين السكان المحليين".

 

ورغم إشارة الخرائط الوراثية إلى أن جنوب أوروبا هي منطقة نشأتهم أو هجرتهم، فإن هناك حدودا لاختبارات الحمض النووي الذي يعود إلى ثلاثة آلاف عام، كما تقول فيلدمان التي تعمل أيضاً باحثة في علم الآثار بجامعة تل أبيب.

 

واعتبرت فيلدمان أن أسلاف الفلسطينيين القدماء مروا بالتأكيد عبر البحر المتوسط ووصلوا عسقلان في وقت ما بين نهاية العصر البرونزي وبداية العصر الحديدي، على حد تعبيرها.

 

ومع ذلك، لم تشتمل الدراسة على تأكيدات تثبت أن رفات جثامين المقبرة التي أجري عليها فحص الحمض النووي تعود لفلسطينيين قدماء، فربما كانت لمهاجرين أو تجار أو غزاة أتوا إلى مدينة عسقلان التاريخية ذات التواصل البحري مع العالم القديم، ولا تبدوا عينة من عشرة أفراد كافية على الإطلاق لتمثيل شعب كامل سكن مساحة جغرافية واسعة من بلاد الشام القديمة.

 

التناول الإعلامي والتوظيف السياسي

 

ويفترض أن تنأى دراسة الجينات بنفسها عن التوظيف السياسي والثقافي الذي يخدم روايات قومية بعينها، فدراسة الجينات والهندسة الوراثية مجال علمي مستقل بذاته، ومن المعتاد أن يكون مكانه أبحاث المعمل الموضوعية ورفات المقابر القديمة، لكن اشتملت تغطية نتائج هذه الدراسة في وسائل الإعلام على خلط كبير إذ مزجت بين نصوص وقصص توراتية قديمة وبين الفلسطينيين المعاصرين، بما في ذلك تحميلهم المسؤولية عن أحداث تاريخية من قبيل الاستيلاء على تابوت العهد والقتال مع جالوت العملاق ضد النبي داود وغيرها.

 

وغرد نتنياهو على حسابه بموقع تويتر بأن أصول الفلسطينيين القدماء تعود لجنوب أوروبا، وأضاف أن الكتاب المقدس يذكر مكانًا يدعى كافتور (هو على الأرجح جزيرة كريت الحديثة). ووصفت الخارجية الفلسطينية تلك التغريدات بأنها "عنصرية وامتداد لحملات نتنياهو التضليلية" وأدانت ما اعتبرته محاولات حرف حقيقة الصراع من سياسي إلى صراعات دينية وعرقية.

 

ويبدو القفز من نتائج الدراسة الجينية لاستنتاجات سياسية نوعا من التعسف، فإضافة للمشكلات الإحصائية بالدراسة، لم تشتمل أعمال الباحثين على أي دراسة لجينات الفلسطينيين المعاصرين.

 


التعليقات