مقهى ثقافي في سجن مغربي.. تأهيل السجناء بالمعرفة
- الجزيرة نت الأحد, 29 سبتمبر, 2019 - 01:45 صباحاً
مقهى ثقافي في سجن مغربي.. تأهيل السجناء بالمعرفة

[ أساتذة جامعيون وباحثون ومسؤولون يشاركون في الجامعة الخريفية بالسجون في مدينة سلا بضواحي العاصمة الرباط (الجزيرة) ]

يتابع المغربي كمال (اسم مستعار) بانتباه واهتمام جلسات الجامعة الخريفية التي احتضنها السجن المحلي في مدينة سلا بضواحي الرباط، ويستعد كمال -وهو سجين طالب- للتسجيل في الماجستير بعدما حصل على الشهادة الجامعية في القانون إثر انتسابه لكلية الحقوق من داخل السجن، حيث يقضي عقوبة 25 سنة حبسا.

 

ويحرص كمال على قضاء مدة محكوميته -التي مضت منها خمس سنوات- في المشاركة في مختلف الفعاليات الثقافية والفكرية التي تنظمها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وفي استكمال مساره التعليمي وتعلم حرفة جديدة.

 

وأصبحت الأنشطة الثقافية أمرا مألوفا داخل السجون المغربية بعدما قررت البلاد إطلاق دينامية جديدة في المؤسسات السجنية بأنسنتها وجعلها مكانا لتهذيب السجناء وإصلاحهم وتأهيلهم للاندماج في المجتمع بعد انتهاء فترات محكوميتهم.

 

ونظمت المندوبية العامة للسجون الجامعة الخريفية في نسختها السابعة بالسجن المحلي بسلا في الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول الجري بمشاركة مئتي طالب سجين، من بينهم ثلاثون طالبة سجينة ومحكومون في قضايا الإرهاب.

 

وكان "ظاهرة العود.. أية حلول؟" موضوع جلسات الجامعة التي استمرت يومين، تبادل خلالها النزلاء القادمون من مختلف سجون البلاد النقاش مع أساتذة جامعيين وخبراء وحقوقيين وفاعلين مدنيين بشأن الظاهرة، مقترحين الحلول وآليات مواجهتها.

 

وخلال السنوات الثلاث الماضية تناولت هذه الجامعة في مختلف دوراتها قضايا متنوعة ذات أبعاد اجتماعية وقانونية وثقافية وحقوقية مثل الصورة السجنية ومفهوم الإدماج، وتقوية القدرات الإبداعية للسجناء، والتأهيل الروحي للسجناء وغيرها.

 

"من الصعب تقبل الحياة في السجن" يقول كمال للجزيرة نت بشيء من المرارة والحسرة، مضيفا "أصعب ما يعذبني الإحساس بالذنب والأشياء التي افتقدتها كالأسرة والعلاقات الاجتماعية"، وللخروج من هذه الهواجس انغمس كمال في الحياة الثقافية والرياضية والتعليمية داخل السجن من أجل التأقلم مع ظروفه الجديدة.

 

ويعتبر هذا السجين الخمسيني أن التواصل المباشر مع أصحاب الرأي والمثقفين والخبراء بمثابة نافذة يطل من خلالها على ما يقع خارج أسوار السجن من تغيرات على مستوى الأفكار والسياسات، وفرصة "يستمع إلينا المفكرون والمثقفون، فنحس بجدوى وجودنا وقيمتنا كمواطنين ونستعيد الانتماء للمجتمع". 

 

المعرفة من أجل المستقبل

 

وهي تحمل ثقل عشرين سنة حبسا في سجن آيت ملول (جنوب) تمضي وفاء (اسم مستعار) قدما في طريق بناء شخصيتها الجديدة وعينها على يوم حريتها، أمضت ثماني سنوات في السجن نالت خلالها البكالوريوس في القانون والماجستير في المنظومة الجنائية والحكامة الأمنية.

 

وتشارك هذه السجينة الثلاثينية في الجامعة الخريفية بسجن سلا بحماس كبير، فهذه الفعاليات -كما تحكي للجزيرة نت- تجعلها ترى العالم الخارجي، وتساعدها عل تطوير ذاتها وتمنحها أملا في حياة أفضل بعد الإفراج.

 

وتتشوق وفاء التي تكتب الشعر والزجل والقصة القصيرة لحضور جميع الأنشطة الثقافية داخل السجن بعد أن جعلت الماضي خلف ظهرها، وتقول إن "الماضي قد مضى، وعلينا العمل على تطوير أنفسنا ومعارفنا لنكون لائقين بالمستقبل".

 

وليست فعاليات الجامعة -التي تنظم مرتين في السنة- وحدها وسيلة تثقيف السجناء ونشر المعرفة في أوساطهم، بل هناك أنشطة أخرى مثل المقهى الثقافي، وهو أول تجربة أطلقتها الإدارة العامة للسجون وإعادة الإدماج وتقوم على دعوة مثقفين وأدباء وشعراء للسجن لتقاسم إبداعاتهم ومعرفتهم مع النزلاء.

 

ويقول كمال الذي شارك في دورات المقهى بالسجن المركزي في القنيطرة إن السجين عطش لما هو ثقافي، لذلك يتفاعل بشكل كبير مع اللقاءات الثقافية، ويستعد لها جيدا بقراءة الكتاب موضوع التقديم ليكون في مستوى النقاش مع الضيوف.

 

حفاوة في السجن

 

وكان الكاتب والروائي ياسين عدنان واحدا من المبدعين الذين استضافهم هذا المقهى الثقافي، حيث قدم ووقع روايته "هوت ماروك"، ويستذكر عدنان تلك اللحظة ويقول عنها للجزيرة نت إن "آخر مكان يمكن أن يتوقع فيه المرء حفاوة الاستقبال هو السجن، لكن هذا فعلا ما حصل".

 

ويضيف أن الملاحظات والأسئلة التي طرحت عليه في هذا اللقاء الثقافي "كانت جادة وعميقة وأحيانا مربكة، أكثر من عشر مداخلات، المشترك بينها هي أنها صدرت جميعها عن قراءة للعمل، قراءة عميقة تجاوزت الحكاية إلى الخلفيات وأبعاد الشخصيات، وتجاوزت ظاهر الكلام إلى ما وراء السطور، كانت فعلا هذه الندوة من المناسبات النادرة التي شعرت خلالها بأن الحضور كله تقريبا قد قرأ العمل ويناقشه من الداخل، بل ويقف عند أدق تفاصيله".

 

ياسين عدنان الذي خاض التجربة وتأثر بها يعتقد أن أدباء هذا البلد وفنانيه مقصرون في حق نزلاء المؤسسات السجنية، متسائلا "لم لا نرسخ تقليد زيارة السجناء ونمأسسه قدر الإمكان؟ هكذا فقط سنساهم جميعا في أنسنة الفضاء السجني".

 

مفهوم جديد للعقاب

 

ودورات الجامعة الخريفية والربيعية هي جزء من البرامج الإدماجية والتأهيلية التي تضعها الإدارة العامة للسجون لفائدة النزلاء، والهدف منها -وفق مدير العمل الاجتماعي والثقافي لفائدة السجناء وإعادة إدماجهم مولاي إدريس أكلمام- إعطاء الفرصة للسجناء الجامعيين لمناقشة مواضيع ذات الصلة بالشأن السجني مع فعاليات المجتمع من مسؤولين مؤسساتيين وأساتذة جامعيين، وذلك على غرار الأنشطة الطلابية التي تشهدها الجامعات خارج أسوار السجن.

 

ويوضح أكلمام أن العمل الثقافي في السجن من مقاهٍ ثقافية ونقاشات جامعية وعروض مسرحية ومعارض للفنون التشكيلية وغيرها ينشد إعطاء العقوبة السالبة للحرية مفهوما جديدا يروم التأهيل والإدماج والتقويم وليس العقاب فقط.

 

ويلمس المشرفون على السجون تغيرا لدى المشاركين في مختلف تلك الأنشطة بين أول يوم لهم في السجن وبين لحظة خروجهم.

 

ووفق أكلمام، فهم يدخلون محملين بصورة نمطية عن السجن ليفاجؤوا بأن هذه المؤسسة خلافا لما هو سائد في الخارج هي مكان تأهيل وإدماج وتكوين وحفظ الحقوق والكرامة فيغادرون أسوار السجن ولديهم أمل في بناء حياة جديدة والمصالحة مع ذواتهم ومجتمعهم.


التعليقات